النقد السينمائي بالمغرب: تذوق فني أم استهتار بالمنتوج الفني؟

 

“لا يوجد في تاريخ الفن أو العمارة أو الموسيقى أو الرسم أو النحت أو الشعر أو الرقص أو السينما ناقد فني يترك العمل الفني جانبا، وينتقد صاحب العمل الفني مدحا أو ذما، أو يكتب مقالا بدون تحليل، أو بدون أن يشاهد العمل الفني حتى، أو يكتبه بناء على طلب صاحب العمل. إن هذا لمحض عبث، عندما يتعلق الأمر بالفنون والعلوم، خاصة عند النقاد الأكاديميين، الذين أغرموا بالتحليل الفيلمي، مثل مصطفى المسناوي رحمه الله، الذي يعتبر من أكثر النقاد اهتمامًا بتيارات ومذاهب السينما في العالم..”
كتب الروائي الروسي ليو تولستوي عن أفلام السينما قائلا: “تستطيع أن ترى كيف أن هذه الأداة غريبة الشكل التي تطقطق بذراعها الدوار سوف تحدث ثورة في حياتنا وفي حياة الكتاب. فليحاول الناقد أن يقترب من الأفلام بنفس الاهتمام وبنفس الرؤية النافذة، وليحاول أن يتصور نفسه كاتبا ذا علاقة هادفة ودينامية بالأفلام التي يشاهدها ويستمتع بها.”
سوف نتحدث في السطور التالية من هذا المقال عن بعض من أهم الالتباسات المتعلقة “بطبيعة النقد السينمائي”. انتشرت هذه الالتباسات بشكل واسع على شكل تقارير تقليدية وتجارية تحسب على أنها مقالات نقدية، وهي، في الحقيقة، عبارة إما عن مقالات أجنبية مترجمة أو تقارير منسوخة، تسقط على المجهودات التي يقوم بها صناع السينما، وأضحت كالضباب على مرآة ما يسمى “التذوق الفني السينمائي”. وهذا ما يدفعنا إلى محاولة الاجابة عن ذلك السؤال الذي لم يسأل بعد “ما هو النقد السينمائي؟ وكيف يظهر مضمونه؟ ومتى نقول إن هذا ناقد سينمائي بناء على هذا المضمون؟ في هذا المقال، سوف نبحث في الطريقة التي يكتب بها مقال عن فيلم، و ذلك إجابة عن السؤال” كيف يظهر مضمون النقد السينمائي؟
من المهم أن نتبين هنا، منذ البداية الأولى، كيف يرتبط كل من هذين السؤالين بالأخر.
ويهمنا أن نلاحظ، أولا، أن هذين السؤالين مختلفان كل عن الاخر تمام الاختلاف، وعلى ذلك، فإن من الواجب أن يجاب عنهما بطرق مختلفة كل الاختلاف. هذا أمر لابد لنا من تأكيده، إذ أن كثيرا ما يظن المرء أنه إذا كتب تقريرا عن فيلم، هو عبارة عن تلخيص الحبكة أو وضع للفيلم في سياق آخر من نفس جنسه أو تزكية الفيلم أو عدم تزكيته، فقد ظن أنه انتقد الفيلم “كناقد سينمائي”. ومن هنا، كانت من الاجابات الشائعة عن السؤال الأخير “أن الناقد عبارة عن نبي يكتب عن فيلم بدون أن يراه، و يحكم عنه بدون تحليل و يكتب عنه بدون قواعد، وهناك من يكتب بناء على طلب من صاحب العمل نفسه لبسا والتباسا أنه وحي منه.
و الحق أن أمثال هذه الالتباسات الملتوية كثيرا ما تكون مكشوفة إلى أبعد حد للمتخصصين في النقد، والتحليل، وخاصة الباحثين عن العلم والمعرفة، وغامضة لدرجة العمق لأولئك الذين لا يملكون ملكة الحكم أوالتذوق الفني، لكن أود أن أثبت أنها لا تكون إيضاحا لطبيعة النقد السينمائي”و لو خلطنا بين الأمرين لوقعنا فيما يطلق عليه اسم” مغالطة الأصل( (fallacy of origins، فما هو النقد السينمائي؟
يعتبر النقد أو الانتقاد في معجم المصطلحات الفلسفية عند المحدثين هو الفحص والتدقيق بهدف بيان ما في الأثر من عيوب، ومن محاسن الروح النقدية أنها تدقق وتتفحص من غير تحيز. والناقد الفني يمكن أن يصف عملا فنيا معينا بأنه معبر أو جميل ولكن الناقد السينمائي يسأل لماذا هو معبر؟ ولماذا هو جميل ؟ وبناءا على أية معايير؟
يمكن اعتبار النقد السينمائي علما حديثا – حيث يطلق على الناقد السينمائي في أمريكا مصطلح “عالم الافلام”، علم منهجي و موضوعي، يعتمد في تقاليده ومعاييره على العلوم الحديثة، مثل علم النفس والجمال والمنطق والفلسفة والأخلاق، وبالنظر إلى أنه يستمد جذوره و تقاليده من الفنون التي سبقته كالشعر أو المسرح أو الرواية أو الموسيقية أو الفن التشكيلي. و النقد الفني هو التذوق (Art Appreciation) في أعلى مستوياته، والناقد السينمائي هو من يحاول تفسير وتوضيح المنتوج السينمائي. فقد يفسر معاني الرمز، أو قد يتتبع البناء التشكيلي للعمل ويكشف عن دلالته التعبيرية، وقد يصف، من خلال ما تذوقه في العمل، التأثير الذي ينبغي أن يكون لهذا العمل على المشاهد. حيث أن مـن أهم أغراض النقد المعـاصر إيضاح العمل الفني ليفهمه الآخرون. فـدور الناقد في تحديد أسلوبه النقدي هو أنه يربط بين المدارس والتيارات، ويحدد المصادر والأصول ويعين خصائص كل اتجاه، ويقارنه بالواقع أو بالقواعد الكلاسيكية أو بالفلسفات النقدية…
ويعتمد النقد السينمائي الحديث، أساسا، على التحليل المنهجي للأفلام، الذي يجمع بين مختلف الفنون، حتى يحصل على ما يسمى “بالتذوق الفني”، ولا يجنح لا الى المدح، ولا التفريط، ولا الذم ولا الهجاء، بل يضع العمل السينمائي تحت ضوء هادئ وفاحص بعيدا عن الحماس أو التعصب أو التحيز. وهذه عملية معقدة ومتشابكة، تتطلب الثقافة الموسوعية والبصيرة النافذة والحس المرهف والوعي العميق، حيث يتخذ الناقد الموضوعي من الفنون الستة ( الشعر والمسرح والرواية والموسيقى والفن التشكيلي)، نقطة انطلاق تعتمد عليها كل العناصر المكونة للفيلم، ليستعمل بعد ذلك منهج التحليل، أي يقوم بدراسة الجزء في ضوء الكل والكل في ضوء الجزء، مع تحليل مدى الارتباط العضوي والتجاوب الحي بينهما.
وكان الناقد السينمائي الانجليزي “روجر مانفل” قد ركز مرارا، في مجلة (( بنجوين فيلم ريفيو)) التي كان يرأسها، على المفهوم الموضوعي للفنون في السينما؛ فقد أوضح أن الفضل في الاستفادة من روح الفنون في السينما يرجع الى سرعة حركة الصورة في ألوانها المختلفة والاستخدام الواعي للصوت، وهي من العوامل التي تضفي عليه المعنى. فهل نتصور كيف يكون النقد السينمائي بدون الإلمام بهذه الفنون؟
إن معظم ما يكتب عن الصناعة السينمائية في المغرب لا علاقة له بالنقد، إذ أن معظمه عبارة عن تقارير تحمل في طياتها الكثير من التغليط واللبس من حيث أوجه التشابه بين المقال النقدي والمقال النظري والتقرير…
وقد وضع الأكاديمي “تيموثي كوريجان” لطلاّب أقسام الدراسات السينمائية منهجًا مبسطًا يمكن الاتكاء عليه عند التعامل النقدي مع الأفلام، حيث فرق بين المقال النقدي والنظري وبين التقرير عن الفيلم. وقد أعتبر أن المقال النظري هو الذي يكون هدفه شرح بعض التراكيب السينمائية الأكثر تعقيدا والتي تربط العلاقة بين الفيلم والواقع؛ أما المقالة النقدية، فهي تطمح الى كشف تفاصيل صغيرة مهمة أو تعقيدات تصعب على المشاهد فهمها مع إظهار أصلها وزيفها وفقا للمعاير المطلوبة، أما التقرير فهو الذي يهدف الى الحديث عن تلخيص موضوع الفيلم وحبكته والحديث عن الطاقم التقني للفيلم وعن المنتج والمخرج والممثلين.
وفي عام 1999، أكّدت مجددّا (إيلين بيشوب) في كتابها (الفيلم والكتابة النقدية في برامج التعبير اللغوي المعاصرة) على أهمية سبر أغوار السينما، ذلك الفن الأثير الذي توغل في كيان المجتمع في عصر التشابك الحضاري الإعلامي، بهدف تثقيف دارسي السينما فيما يختص بأصولها وسماتها والحركات التجديدية والتجريبية فيها.
ومن هنا يمكن أن نستخلص أن مضمون النقد السينمائي يتضمن: الوصف والتفسير والتقييم والتنظير المتعلق بفلسفة صناعة الأفلام، بغرض زيادة فهم وتقدير أفلام السينما المغربية ودورها في المجتمع. كما يشمل النقد السينمائي استعمال العبارات اللغويـة والأفكار الذاتية للكتابة أو التحدث عن الفيلم.. وتتكون نظرة النقاد إلى الأعمال السينمائية من واقع تفاعلهم معها، الأمر الذي يجعلهم يسألون أسئلة أساسية حول ماهية العمل السينمائي عن طريق الإدراك والوصف، وعن طريق التحليل والتفسير والقيمة التي يستحقها عن طريق إصدار الحكم، ثم يناقشـون طبيعة صناعة الفيلم عن طريق التنظير.
فكم من مقال نقدي كتب عن الأفلام المغريبة لحد الأن ولا نجد لها أية خانة تصنف فيها؟ وكم يوجد من ناقد سينمائي في المغرب؟ وبناء على أية معايير هم نقاد؟ وكم عدد الكتب التي ألفت في النقد داخل المكتية السينمائية المغربية؟ وهل يعتبر مترجم المقالات الغربية وإسقاط أحكامها على الافلام المغربية نقدا؟ وهل يعتبر الحديث عن أقوال مخرجين عالميين وعن أفلامهم نقدا؟


الكاتب : عبد الرحيم الشافعي

  

بتاريخ : 04/05/2019