النقط السوداء التي تضمنها تقرير المجلس الاعلى للحسابات .. الاوراش الكبرى: من أجل شراكة مع البرلمان لتقويم الاعوجاجات

المؤسسات العمومية: خسارة 48،2 مليار درهم سنويا وقلق من التركيز على المشاريع الكبرى

الماء،:بطء في مشارع التحلية والمياه العادمة والري الموضعي وربط الاحواض

الاصلاح الجبائي: انصرام الأجل القانوني وما زال إصلاح جبايات الجماعات في مكانه !

الجهوية :أربع جهات، فقط، استكملت مسطرة التوقيع على عقود بين الدولة والجهة ونسبة نقل الاختصاصات الخاصة بالاستثمار، لم تتجاوز 38 %

الحماية الاجتماعية: نسبة استخلاص الاشتراكات37%. مما يهدد نظام التأمين الإجباري عن المرض الخاص بفئات المهنيين

الاستثمار:المشاريع الكبرى استفادت من الدعم .. وحرمان 93 % من النسيج الاقتصادي والإنتاجي!

 

 

التقرير‮ ‬الذي‮ ‬قدمته زينب العدوي،‮ ‬الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات‮‬، أمام البرلمان بغرفتيه، محكوم‮، ‬ولا شك، بثبات النص الدستوري،‮ لكنه في‮ ‬الآن ذاته محكوم بطبيعة الملفات ذات الصلة بالمالية العمومية التي‮ ‬كانت بين أيدي‮ ‬قضاته،‮ ‬وطنيا وجهويا‮. ‬
وهو تقرير‮ ‬منشور وموجود بتفاصيله،‮ ‬بالتالي‮ ‬فإن الأهمية لا تقع فقط في‮ ‬معرفة تفاصيله والاطلاع على‮ ‬الثغرات التي‮ ‬تعتري‮ ‬كل ما له علاقة بالمالية العمومية‮،‮ ‬والانتهاكات والاختلالات والقصور،‮ ‬إضافة إلى ‬المنجز المتحصل في‮ ‬هذا القطاع أو ذاك‮…‬
الأهمية، ولا شك، تكمن في‮ ‬كيف‮ ‬يمكن للمؤسستين الدستوريتين‮، ‬المجلس المنتخب والمؤسسة المعنية، ضمان سير المؤسسات‮ وضمان تجويد الأداء الحكومي ‬العمومي‮، ‬وكيفية تجويد ربط المسؤولية بالمحاسبة،‮ ‬وكل ذلك من أجل الحفاظ على ‬أموال الدولة والشعب وتوفير موارد جديدة‮ ‬ووقف الهدر والريع والمنافع‮ ‬غير المشروعة‮.‬
البرلمان والمجلس الأعلى أريد‮ ‬لهما، في‮ ‬فترة سابقة، أن‮ ‬يتشاحنا على خلفية الاتهامات المعروفة حول اعتبار التدبير الصادر عن الأحزاب هو النقطة السوداء الوحيدة في‮ ‬البلاد‮!!! ‬
ولعل المشاريع الكبرى‮ ‬تفرض تجاوز التوتر إلى‮ ‬شراكة دستورية‮ ‬ضمنتها الهندسة الدستورية منذ‮ ‬2011‮، ‬ولاسيما الفصل‮ ‬147‮ ‬والفصل‮ ‬148‮. ‬
لكل مؤسسة دورها ووظيفتها في‮ ‬تنشيط ‬الحياة الديموقراطية وتخليق الحياة العامة في‮ ‬البلاد، ‬وإذا كانت وظيفة المجلس، حسب الدستور، مراقبة المالية العمومية باعتباره الهيئة العليا، والسهر على تقييم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة‮،‮ ‬فإن للبرلمان أيضا وظيفته المركزية في‮ ‬النظام السياسي من حيث ‬مراقبة الحكومة ومراقبة السير الصالح للمؤسسات وتنزيل ربط المسؤولية بالمحاسبة‮ …‬بل إن هاته الشراكة الدستورية بينهما تفترض أن المجلس‮ ‬يساعد البرلمان في‮ ‬هذا الباب‮( ‬كما‮ ‬يساعد السلطة القضائية والسلطة التنفيذية‮)‬،‮ ‬وحتى وإن لم‮ ‬يثبت إلى حد الساعة أن البرلمان طلب من المجلس الأعلى ‬للحسابات مساعدته في‮ ‬ملف ما،‮ ‬فإن المنطق السليم أو العقلانية تفترض أن‮ ‬ينطلق البرلمان مما توافر له من معطيات جاء بها المجلس لتجويد النصوص وتأطير المسؤولية بآليات أكثر صرامة‮، ‬والعمل من أجل الدخول في‮ ‬دورة جديدة عبر مواصلة ما قام به المجلس من طرف البرلمان وأغلبيته صاحبة القرار والحكومة المنبثقة عنه‮.‬
لن نبالغ‮ ‬إذا قلنا بأنها المرة الأولى التي‮ ‬تجد فيها العدوي وقضاتها أنفسهم أمام أوراش غير مسبوقة‮، ‬وأشغال هي‮ ‬من طينة أشغال هرقل الـ12‮ ‬التي‮ ‬يفرض فيها تقديم صورة واضحة عن العمل‮،‮ ‬وعن القرارات التي‮ ‬تحكمت في‮ ‬هاته الأوراش،‮ ‬وعن درجة الجودة ‬التي‮ ‬حققتها،‮ ‬وكل ذلك في‮ ‬أفق ضبط المالية السنوية وتوفير موارد للدولة لكي‮ ‬تشتغل آلتها ومؤسساتها وتحقق مشاريعها،‮ ‬وأيضا لضمان تمويل أوراشها.
هاته الأخيرة ذات طبيعة‮ ‬غير مسبوقة،‮ ‬وذات امتداد زمني‮ ‬طويل نسبيا،‮ ‬وذات كلفة مالية لا‮ ‬يستهان بها‮.‬
نحن أمام عناوين كبرى، تعيد تهيئة مورفولوجيا المغرب لاحتضان كأسين،‮ ‬واحدة قارية وأخرى عالمية، بفارق زمني‮ ‬من خمس سنوات،‮ ‬أي‮ ‬يفصل بينهما ولاية ‬حكومية وبرلمانية‮ .‬
‮‬1ـ في المحور الأول، اشتغل المجلس على “تتبع تنزيل أوراش الإصلاحات الكبرى؛ ويتعلق الأمر بجيل جديد من أوراش العهد الملكي الحديث من قبيل‮:‬
‮ ‬الماء‮: ‬ وبخصوصه يمكن أن نقول بأن ‬التقرير‮ يأتي في شهر المياه، أي ‬في‮ ‬أحسن ظروف تتعلق بالماء،‮ ‬في‮ ‬فصلنا الشتوي‮.. ومع ذلك كان التقرير واضحا في‮ ‬التسطير على ‬وجود استثمارات كبرى تقدر ب143‮ ‬مليار درهم للمرحلة من 2020‮ ‬إلى ‬2027‮. ‬

تضاف إليها حاجة الإعمار في‮ ‬الحوز التى بلغت نفقاتها 9‬ ملايير درهم إلى‮ ‬حد الآن، بعد سنة واحدة فقط‮.. ‬في‮ ‬لحظة مفصلية لا‮ ‬يتجاوز فيها مخزون المغرب من المياه‮ ‬29‮ ‬٪،‮ ‬يمكن أن نقول بأننا لم نخرج بعد من النفق، ‬ولا أخرجنا رؤوسنا من سد الجفاف‮! ‬
الأرقام ذات الصلة بمواضيع الماء الأخرى‮ تتوالى، بما تحمله من قلق، ومنها ‬بطء الانتقال إلى استعمال المياه العادمة لا سيما في‮ ‬الفلاحة،‮ ‬وبطء الإقلاع في‮ ‬تحلية مياه البحر‮ ‬والري‮ ‬الموضعي‮ ( ‬50٪‮ ‬فقط من إجمالي‮ ‬المساحة المسقية في‮ ‬التراب الوطني‮) ‬وبطء مشاريع الربط بين الأحواض المائية‮..‬
وهي كلها عناوين سوداء‮، أفضت إلى توصية أساسية ‬بتوجيه مشاريع السدود نحو المناطق التي‮ ‬تعرف تساقطات مهمة‮..‬علاوة على استعجالية ربط أحواض الماء بأحواض الفلاحة وأحواض الطاقة .. والبحث العلمي.
الجهوية الموسعة‮: ‬تمكن المجلس من أن‮ ‬يسجل، بارتياح، أن التوصيات التي‮ ‬أسفرت عنها الندوة الوطنية الثانية‮، ‬في‮ ‬دجنبر الماضي،‮ ‬قد سايرته في‮ ‬خلاصاته‮ ‬الخاصة بالتقييم المؤسساتي‮..بيد أن الواقع الميداني‮ ‬ما زال‮ ‬يشهد على‮ ‬تجربتين‮ ‬مرتا على الجهوية في المغرب تسجلان أعطابا هيكلية عميقة، ومنها أن:
ـ‮ ‬الميثاق الوطني‮ ‬للاتمركز الإداري‮ ‬لم‮ ‬يتعدَّ معدل إنجازه 36٪‮ ‬إلى‮ ‬غاية أكتوبر الماضي‮!‬
ـ نسبة نقل الاختصاصات الخاصة بالاستثمار، ‬لم تتجاوز‮ ‬38‮ ‬٪‮ إلى منتصف أكتوبر الماضي‮ ..‬
ـ أربع جهات،‮ ‬فقط،‮ ‬استكملت مسطرة التوقيع على عقود بين الدولة والجهة،‮ لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية.
ـ هناك تأخر تعيين رؤساء التمثيليات الإدارية القطاعية والمشتركة على مستوى الجهات وتفويض الاختصاصات التقريرية .
الاستثمار: المشاريع الكبرى هي التي استفادت من الدعم .. وحرمان 93 ٪ من النسيج الاقتصادي والإنتاجي !
سجل التقرير أن المجهود المالي في الاستثمار انتقل من 52‭,‬3مليار درهم سنة 2015 إلى 119‭,‬2مليار درهم سنة2023 ،‮ ‬ ودعا إلى الحفاظ على هذا المجهود الاستثماري العمومي، وسجل كذلك تقدما ملموسا في ما سماه”مستوى الإطار الاستراتيجي للإصلاح”، وأثار الانتباه إلى أهمية اعتماد التعاقد الوطني من أجل تجويده، غير أنه أثار الانتباه بين السطور إلى غياب الطابع الرسمي لالتزامات مختلف الأطراف المعنية بما فيها القطاعان الخاص والبنكي..َ
وهي ملاحظة لا يمكن أن تمر مرور الكرام، إذ يعتبر غياب الطابع الإلزامي الرسمي لهذين المكونين ثقبا أسود في منظومة الاستثمار..
ومن المثير للأسئلة والقلق، هو أن التقرير يكشف لنا بأن الاستفادة من المجهود الوطني في دعم الاستثمار كان لصالح المشاريع الكبرى وحدها!
لكن النقط السوداء التي سجلها لا تدعو إلى الطمأنينة بتاتا، ومنها:
ـ غياب النصوص المتعلقة بالأنظمة الخاصة بدعم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة…الذي يشكل 93 ٪ من النسيج الاقتصادي والإنتاجي للمغرب!
ـ التأخير في اعتماد النصوص المتعلقة بالأنظمة الخاصة بتشجيع تواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي.
ـ ضعف الاهتمام باستراتيجية عقارية تحدد الاحتياجات في هذا المجال، من أجل إعادة تشكيل الاحتياطي العقاري الموجه للاستثمار.
تدبير المؤسسات العمومية:خسارة 48،2 مليار درهم سنويا!
لعل أهم وأكبر نقطة سوداء، بالرغم من مرور أربع سنوات على خطاب ملك البلاد بخصوص النظر فيها وإعادة هيكلتها، هي النقطة المتعلقة بالمؤسسات والمقاولات العمومية.

وهنا سجل التقرير:
ـ عدم التمكن من وضع خارطة طريق شاملة لعمليات إعادة الهيكلة في إطار جدول زمني محدد.
ـ التأخر في استكمال عمليات تصفية المؤسسات والمقاولات العمومية التي يبلغ عددها 81 مؤسسة ومقاولة قيد التصفية.
ـ عمليات الخوصصة لهذه المؤسسات المنجزة ما بين سنتي 2018و2024 تبقى محدودة للغاية، إذ لم تتجاوز أربع عمليات بعائدات بلغت17مليار درهم.
أن التحويلات من ميزانية الدولة لفائدة المؤسسات العمومية،‮ ‬ ‬فاقت65 مليار درهم سنة 2023،‮ ‬مقابل عائدات ومساهمات في‮ ‬ميزانية الدولة لم تتجاوز 16‭,‬8مليار درهم،‮ ‬برسم نفس السنة‮، وهو ما يجعل الخسارة تتحدد في 48،2 مليار درهم سنويا!!
‮ الحماية الاجتماعية‮ :‬
ـالتأمين الإجباري عن المرض الخاص بفئات المهنيين والعمال المستقلين والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا: نسبة استخلاص الاشتراكات37%.. ما يعني بأن هذا النظام يوجد تحت التهديد بالاختلالات إن لم نقل العجز!
ـ الدعم الخاص باليتامى والأطفال المهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية ما زال في طور التنزيل.
ـ توسيع الانخراط في أنظمة التقاعد وتعميم التعويض عن فقدان الشغل ما زالا في مرحلة التأطير القانوني.
الإصلاح الجبائي‮.: بطء تنزيل الإصلاحات!
ـ اقتراب انصرام أجل خمس سنوات التي حددها هذا القانون الإطار، وما زال تنزيل الإصلاح المتعلق بجبايات الجماعات الترابية يراوح مكانه.
ـ لم تتخذ بعد التدابير التي تهم مراجعة القواعد المتعلقة بهذه الجبايات…
تعثر تنزيل الإصلاح المتعلق بالرسوم شبه الضريبية( إصلاح واحد فقط الذي تم، هو الرسم الخاص بالإسمنت)!
ـ غياب تقييم دوري للأثر الاجتماعي والاقتصادي للامتيازات الضريبية الممنوحة..

 

 


الكاتب : عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 23/01/2025