لا يختلف اثنان على أن المدرسة المغربية عرفت خلال السنوات الأخيرة جهودا ملموسة من طرف وزارة التربية الوطنية والأكاديميات الجهوية، من خلال إحداث مؤسسات تعليمية جديدة وتوسيع البنيات القائمة وبناء أقسام إضافية. غير أن هذه الجهود الكبيرة تصطدم بواقع مرير: النقل المدرسي، الذي تحول إلى أكبر عائق أمام استمرارية التمدرس، خاصة في صفوف الأطفال القاطنين في الأحياء الناشئة أو القرى البعيدة.
تشير الدراسات الميدانية إلى أن النقل المدرسي أصبح من بين أهم أسباب الهدر المدرسي في المغرب، داخل الوسط الحضري وخارجه على حد سواء. ففي المدن، حيث يشهد العمران توسعاً سريعا مع ظهور تجزئات جديدة للسكن الاقتصادي والعادي، تبقى المؤسسات التعليمية غالبا بعيدة عن هذه التجمعات. وحين يتأخر تمديد خطوط النقل الحضري أو يبقى أسطول النقل المدرسي محدودا، تجد الأسر نفسها مضطرة لتدبير مسألة تنقل أبنائها بوسائلها الخاصة، وهو ما يرهقها ماديا وبدنيا، ويدفع أحيانا بعض التلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة.
أما في الوسط القروي، فالصورة أكثر قتامة، فالمسافات الطويلة ووعورة المسالك تجعل التنقل إلى المدرسة تحديا يوميا، بينما العربات المتوفرة، التي غالبا ما تشرف على تسييرها جمعيات المجتمع المدني، باتت متقادمة ومتهالكة. ورغم أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ساهمت بشكل واضح في تمويل عدد من الحافلات، فإن غياب استراتيجية لتجديد الأسطول وصيانته جعل هذه الوسائل غير قادرة على تلبية الطلب المتزايد.
الأسر بدورها لم تعد قادرة على تحمل أعباء إضافية، فإضافة إلى تكاليف المعيشة والدراسة، يصبح توفير النقل اليومي للأطفال عبئا يثقل الكاهل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وفي كثير من الحالات، يكون القرار المرّ هو حرمان الطفل من متابعة دراسته، فيتحول حلم التعلم إلى طريق قصير نحو الهدر المدرسي.
إن معالجة هذه المعضلة لم تعد شأنا ثانويا أو خدمة مكمّلة للعملية التعليمية، بل هي شرط أساسي لضمان تكافؤ الفرص بين التلاميذ، فلا معنى لتوسيع العرض المدرسي وبناء مؤسسات جديدة إذا كان التلميذ عاجزا عن الوصول إليها، فالتعليم لا يبدأ من باب القسم، بل من الطريق الآمنة والميسّرة التي تقود إليه.
وبالتالي فإن الحل يكمن في تبني مقاربة شمولية ومسؤولة، تنخرط فيها وزارة التربية الوطنية إلى جانب الجماعات الترابية وشركات النقل الحضري والقطاع الخاص. إن المطلوب هو توسيع الأسطول وتجديده، ووضع برامج صيانة مستمرة،و تمديد خطوط النقل الحضري إلى الأحياء الجديدة، ودعم جمعيات المجتمع المدني لتكون قادرة على أداء دورها بكفاءة أكبر. إن النقل المدرسي ليس رفاهية، بل هو استثمار في المستقبل، وضمانة لحماية حق أساسي يكفله الدستور: الحق في التعليم. فإذا ظل النقل المدرسي الحلقة الأضعف في المنظومة، فإن كل المجهودات الإصلاحية الأخرى ستظل ناقصة الأثر، وسيبقى شبح الهدر المدرسي يطارد آلاف الأطفال المغاربة في المدن والقرى على السواء.
النقل المدرسي.. عائق يهدد حق التمدرس

الكاتب : محمد تامر
بتاريخ : 15/09/2025