يشير تطور الرقم الاستدلالي للإنتاج الصناعي والطاقي والمعدني خلال الفصل الثالث من سنة 2025 إلى مسار نمو متباين يعكس في الآن نفسه عناصر قوة بنيوية بدأت تترسخ داخل بعض الفروع الصناعية، ونقط ضعف هيكلية ما تزال تحد من دينامية قطاعات أخرى. فحسب المذكرة الإخبارية للمندوبية السامية للتخطيط، سجلت الصناعة التحويلية باستثناء تكرير النفط نموا بنسبة 2,2 في المائة مقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2024، وهو تطور إيجابي من حيث الاتجاه العام، لكنه يخفي تباينات قطاعية حادة تستدعي قراءة تحليلية معمقة.
أولى نقاط القوة البارزة تتجلى في استمرار الأداء القوي للصناعات المرتبطة بالطلب الداخلي وبالاندماج في سلاسل القيمة العالمية. فقد واصلت الصناعات الغذائية تسجيل نمو مزدوج الرقم بلغ 11,3 في المائة، مع وصول رقمها الاستدلالي إلى 162,7 مقابل 146,2 قبل سنة، ما يعكس صلابة هذا الفرع وقدرته على امتصاص الصدمات الظرفية المرتبطة بتقلبات الأسعار أو بسلاسل التوريد. ويعزز هذا المعطى موقع الصناعات الغذائية كأحد أعمدة النسيج الصناعي الوطني، سواء من حيث القيمة المضافة أو من حيث التشغيل.
في السياق ذاته، يبرز الأداء اللافت لصناعة السيارات التي سجلت نموا بنسبة 7,4 في المائة، مدعومة بارتفاع مؤشر الإنتاج إلى 138,5، إضافة إلى القفزة القوية المسجلة في صنع وسائل النقل الأخرى بنسبة 19,9 في المائة. هذه الأرقام تؤكد مرة أخرى أن الصناعات الموجهة للتصدير، خصوصا تلك المرتبطة بالمنظومات الصناعية المندمجة، ما تزال تشكل رافعة أساسية للنمو الصناعي، مستفيدة من الاستثمارات الأجنبية ومن تموقع المغرب داخل سلاسل الإنتاج الإقليمية والدولية.
كما تشكل الصناعات الكيماوية وصنع منتجات من المطاط والبلاستيك وصنع منتجات أخرى غير معدنية نقاط قوة إضافية، حيث سجلت نسب نمو بلغت على التوالي 4,3 في المائة و16,2 في المائة و12,2 في المائة. ويعكس هذا الأداء تنامي الطلب من قطاعات كالبناء والصناعة الميكانيكية وصناعة السيارات، إضافة إلى الدور المتزايد للمواد الوسيطة في دعم النسيج الصناعي الوطني.
في المقابل، تكشف الأرقام عن نقاط ضعف مقلقة داخل عدد من الفروع الصناعية، خصوصا تلك ذات القيمة المضافة العالية أو المرتبطة بالصناعات التحويلية الدقيقة. فقد سجلت الصناعة الصيدلانية تراجعا حادا بنسبة 17,3 في المائة، مع انخفاض مؤشر الإنتاج من 145,6 إلى 120,4، وهو معطى يطرح تساؤلات حول قدرة هذا القطاع على الصمود أمام المنافسة الخارجية، وحول نجاعة السياسات العمومية الرامية إلى تعزيز السيادة الدوائية.
ويبرز التراجع الكبير المسجل في صناعة منتجات التبغ بنسبة 28,4 في المائة كأحد أكبر الانخفاضات القطاعية، غير أن هذا التطور يظل مرتبطا بعوامل تنظيمية وضريبية أكثر منه بمؤشرات اختلال صناعي بنيوي. في المقابل، يثير تراجع صناعة منتجات معدنية باستثناء الآلات والمعدات بنسبة 6,6 في المائة، وكذلك تراجع صنع الآلات والتجهيزات غير المصنفة بنسبة 5,1 في المائة، مخاوف حقيقية بشأن ضعف قاعدة الصناعات التجهيزية التي يفترض أن تشكل محركا أفقيا لباقي القطاعات الصناعية.
أما الصناعات الاستخراجية، فقد سجلت بدورها نموا مهما بنسبة 7,4 في المائة، مدفوعة أساسا بارتفاع “الصناعات الاستخراجية الأخرى” بنسبة 7,5 في المائة و”المعادن الحديدية” بنسبة 3,2 في المائة. ويعكس هذا الأداء تحسنا في الطلب، لكنه يظل رهينا بتقلبات الأسواق الدولية وبمحدودية التحويل المحلي للمواد الخام، ما يقلص أثره على القيمة المضافة الصناعية الإجمالية.
وفي ما يخص الطاقة، سجل إنتاج وتوزيع الكهرباء ارتفاعا بنسبة 6,4 في المائة، مع بلوغ الرقم الاستدلالي 158,8، وهو تطور ينسجم مع توسع القاعدة الإنتاجية الصناعية ومع تنامي الاستهلاك، لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على تحديات كلفة الطاقة واستدامة النمو في ظل الانتقال الطاقي.
النمو الصناعي خلال الفصل الثالث من 2025 .. انتعاش صناعة السيارات والغذاء ب 19,9 % مقابل انكماش حاد في صناعة الأدوية يتجاوز 17 %
الكاتب : n عماد عادل
بتاريخ : 16/12/2025

