الهيئة الوطنية للنزاهـة والوقايـة مـن الرشـوة ومحاربتهـا تكشف في تقريرها لسنة 2021

عدم تفاعل السلطات المعنية مع توصياتها باستثناء وزارة الشؤون الخارجية والتعاون

 

أكدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقايـة مـن الرشـوة ومحاربتهـا على ضرورة جعـل محـور الحكامة ومكافحة الفساد يتبوأ موقع الصدارة في بلـورة وإعداد السياسات العمومية الهادفة إلى تحقيق التنمية، لضمان بلوغهـا وتحقيقهـا للأهـداف المسطرة. كـمـا أكـدت على أهمية الرفـع مـن منسـوب  الثقـة والانخراط في جهـود مكافحة الفسـاد، مـن خـلال ضـمان شروط النهـوض بحركيـة مواطنـة تدعـم الجهود المؤسساتية برفض الفساد والتبليغ عنـه.
وأوصت الهيئة في تقريرها لسنة 2021 بتثبيت المفاهيم الجديدة للخدمـة العامة المؤطرة بالحكامة المسـؤولة، كـمـا أكـدت على أهمية تعميـق المعرفة الموضوعيـة بظاهـرة الفسـاد للتمكـن مـن رصـد تمظهراتـه وبـؤر انتشاره، واستظهار أسبابه وآثـاره، وصـولا نحـو استهدافه بالآليـات المناسبة لمكافحتـه والوقايـة منـه.
وأكدت الهيئة أن التقرير السنوي برسـم سـنة 2020 قـد وقـف عـلى شـبه انعدام تجـاوب الجهات المعنية مع التوصيات الصادرة بتقريـر سـنة 2019، والذي لم يتجـاوز نطـاق الاستجابة النسبية لتوصيات الهيئة المتعلقة بمراجعة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، فقـد سجلت الهيئة، بخصـوص التوصيات الصادرة في تقريرهـا السـنوي برسـم 2020، نفـس المـآل بانعدام تفاعـل السلطات المعنية معها باستثناء مبادرة خاصة تتعلـق بـوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج التـي تفاعلـت عمليـا مـع التوصيـة المتعلقة بمشروع مذكرة تفاهـم لإرسـاء آليـة مهيكلـة تـروم تنزيـل مقتضى القانـون 46.19 الخـاص بتنسيق الأعمال التحضيرية لمشاركة المملكة المغربية في التظاهرات والملتقيات والاجتماعـات الدوليـة والإقليمية المتعلقة بقضايا الوقايـة مـن الفساد ومكافحتـه، وتقديم توصيات إلى السلطات المختصـة مـن أجـل تيسير مواصلـة مصادقة المملكـة عـلى الاتفاقيات والمعاهـدات الدولية والإقليمية ذات الصلـة أو الانضمام إليهـا، كـمـا تشـمل تتبع تنفيذ الالتزامات الدولية للمملكـة المنبثقـة عـن الاتفاقيات المصـادق عليهـا وعـن التقارير الصادرة عـن المنظمات الدولية والإقليمية في هـذا المجـال.
واقتناعـا منهـا براهنيـة توصياتهـا ومقترحاتهـا المضمنة بتقاريرهـا السابقة، خصصت الهيئة فصـلا للتذكيربخلاصاتهـا التـي تتمحـور حـول توصيات ذات بعـد استراتيجي تهدف إلى تهييئ المحيط العام لمكافحة الفساد؛ وتستوعب التوصيات المقدمة في إطـار المساهمة في الإعـداد لنمـوذج تنمـوي جديد، وكذا التوصيات الهادفة إلى إذكاء دينامية جديدة في الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
ودعا التقرير إلى خـلـق شروط تعزيز الالتزام المواطـن وتثبيـت دوره في الوقاية ومكافحة الفساد، وتلك المتعلقة برصـد العلاقات  بين الفساد وحقوق الإنسان، وكـذا توصياتهـا الرامية إلى دعـم القانـون المتعلـق بالحـق في الحصـول عـلى المعلومـات، وتثبيت الحكامة المسؤولة ومكافحة الإفلات من المتابعة والعقاب، وتشمل مقترحاتها ملف منظومة التصريح بالممتلكات، ومكافحة الإثراء غير المشروع، ووضع تشريع يؤطـر الوقايـة مـن حـالات تضارب المصالح، بالإضافة إلى مقترحاتهـا المتعلقة بحماية الموظفين العموميين مثيري الانتباه إلى أفعـال الفساد، وكـذا توصياتها الرامية إلى تقوية آليات الإحالة المؤسسية لجرائـم وأفعـال الفساد؛ كما قدم التقرير توصيـات مـن أجـل تثبيـت مفهـوم جديد للخدمة العمومية مرتكـز عـلى قواعـد الشفافية والنجاعـة والحكامة المسؤولية، وتندرج ضمنهـا مقترحـات الهيئة المقدمة في إطـار مواكبتهـا للقانون بمثابة ميثاق المرافق العمومية، ومرسـوم بمثابة مدونـة قيم وأخلاقيات الموظـف بـالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية، والقانـون المتعلق بتبسيط المساطر الإداريـة. كـمـا تنـدرج ضمنهـا رؤية الهيئة ومقترحاتها المتعلقة بالتحول الرقمي ودوره في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
في إطار التوصيات الجديدة المضمنة في هـذا التقريـر لسنة 2021، وفي أفـق ملاءمـة قانون المسطرة الجنائيـة مـع المتطلبات الإجرائية لمكافحة الفساد أنجـزت الهيئة تقريـرا موضوعاتيـا في إطـار مواكبتهـا لمشروع القانون رقم 01.18 المتعلـق بتغيير وتتميـم قانـون المسطرة الجنائية؛ حيث ثمنت التوجه نحـو مراجعـة هـذا القانون، مؤكدة على أهمية وضـع هـذه المراجعـة تحـت مجهـر مجموعـة مـن المحـددات الموضوعيـة، استشرافا لمستلزمات النهوض بقـدرة هـذا القانـون عـلى المكافحـة الفعالة لآفـة الفساد؛ بما يتطلبه الأمـر مـن إحـكام لمختلـف آليات التبليغ والبحث والمتابعة والتحقيق والمقاضاة وإنفاذ الأحكام.
عـلى هـذا الأساس، انصرف عمـل الهيئـة نحـو قـراءة هـذا المشروع بمنظـور شـمولي يستهدف بالدراسة، في نفـس الآن، المقتضيات ذات الصلـة الجـاري بهـا العمـل في إطار القانـون الحـالي، وتلـك المطروحة في إطـار التعديلات المقترحة، مركزا بالأسـاس عـلى المقومات الضامنة لإذكاء الدينامية في ملاحقـة جرائـم الفسـاد، في هـذا الإطار، انصبـت ملاحظـات وتوصيات الهيئـة عـلى اعتماد منظـور موضوعـي وواقعـي لمبـدأ التقـادم في هـذه الجرائـم؛ حيـث أوصـت بالتنصيـص عـلى تعليـق العمـل بالتقادم في جرائم الفساد، أو على الأقـل احتساب سريانـه بالنسبة لهذه الجرائـم ابتـداء مـن تاريخ اكتشافها، وكـذا ابتـداء مـن تـرك الوظيفـة بـأي شـكـل مـن الأشكال. كـما أوصـت باستثناء عقوبة المصـادرة مـن مقتضيات التقادم المنصوص عليها في العقوبات، وذلك إمـا بالتنصيـص عـلى تعليـق العمـل بـه بالنسبة لهـذه العقوبة، وإمـا بالتنصيـص عـلى مـدة مساوية للتقادم المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية بالنسبة للأحكام المتعلقـة بـرد وإرجـاع الأموال إلى المتضررين المطالبين بها. ولضبط مبـدأ انقطاع أمـد التقـادم، أكدت الهيئة على مطلـب التثبيت النـصي للممارسة الجـاري بهـا العمـل في هـذا الشـأن، والمتمثلة في اعتبـار إجـراءات البحـث التمهيـدي قاطعـة للتقـادم.
وتندرج ضمـن هـذا المحـور أيضـا ملاحظـات وتوصيات الهيئة الرامية إلى توجيـه سـلطة «ملاءمـة» المتابعـة نحـو خـدمـة ملاحقة مرتكبي جرائم الفساد، خاصـة مـن خـلال مراعاة تقدير النيابة العامـة لمقتضيات المادة 83، مـع إدراج الجرائـم ذات الصلة بأفعـال الفساد والموصوفة بالجنايات، ضمـن نطاق الجرائم التي ترفع إلزاميا إلى سلطة التحقيق؛ وفتح إمكانية مراجعـة معللة لتقدير النيابة العامـة بعـدم إجـراء المتابعـة في جرائم الفسـاد، مـن طـرف سـلطة عليا بما في ذلك جرائـم الفسـاد الموصوفة بالجنح. كـما أوصت الهيئة بتعزيـز سـلطة الحفظ المخولة للنيابة العامة ببعض الضوابـط المعمـول بـهـا لـدى تشريعـات أخـرى، والتـي مـن شأنها أن تمنح سلطة الحفـظ مناعـة ووجاهـة أكبر.
النهوض بالتبليغ والكشـف عـن جرائـم الفساد في إطـار تحصين الضمانات، حيث تمحـورت ملاحظـات واقتراحـات الهيئة في هـذا المحـور حـول تعزيز التعاون المؤسسي وتكامـل جهـود أعـمال البحـث والتحـري؛ حيث اعتبرت الهيئة التعديـل الـذي اقترحـه مـشروع المراجعـة عـلى المادة 21، والمتعلـق بإمكانية استعانة ضباط الشرطة القضائية بالضباط والموظفين ذوي الاختصاص العاملين بـالإدارات، مدخلا تشريعيا ملائما لإدراج الهيئـة ضمـن الجهات المعنية بهذه الاستعانة، انسجاما مع مقتضيات القانـون 46.19.
واندرجـت ضمـن هـذا المحـور أيضـا ملاحظات وتوصيات الهيئة الرامية إلى تعزيز الحماية القانونيـة للمبلغين، خاصة في ما يتعلـق بضبـط الحـالات التي تستدعي اتخاذ قرار تعديل أو سحب تدابير الحمايـة مـن طـرف السلطة القضائية، عندمـا تكـون الاستفادة من تدابير الحماية مقـررة بنـاء عـلى طلـب المعنيين بالأمر، وكذا في ما يتعلق بسريـان عـدم المتابعـة عـلى أساس إفشـاء الـسر المهنـي، على المبلغين الذين يقدمـون تبليغاتهـم سـواء للسلطة القضائية أو للهيئات والمؤسسات التي تضطلع قانونيـا بتلقـي الشـكايات والتبليغـات، بالإضافة إلى مراجعـة مبـدأ «حسـن النيـة» المنصـوص عليـه كشرط لاستفادة المبلغين مـن تدابير الحماية، في اتجاه إلقـاء عـبء إثبـات الطابع الكيـدي للتبليغ على الجهة المتضررة منـه.
وتندرج ضمـن مـحـور النهوض بالتبليغ والكشـف عـن جرائم الفساد، توصيات الهيئة بضبط صياغـة
التعديـل المـدرج على المادة 108، مـن خـلال استبدال الصيغـة المقترحـة بصيغـة تضمـن اسـتيعاب جميع جرائـم الفسـاد المنصـوص عليهـا في القانـون الجنائي والقوانين الخاصـة، ومقترحاتهـا الراميـة إلى تعزيز دور قاضي التحقيق في إعطاء الأمـر بالتقاط المكالمات الهاتفية وكافة الاتصالات المنجـزة بواسطة وسائل الاتصـال عـن بعـد، وكـذا توصياتهـا الهادفة إلى ضبط مضمـون مقـرر الإذن بالتقاط المكالمات بما يتوافـق مـع خصوصيات جرائـم الفسـاد.
وبخصوص تيسير بلوغ جرائم الفساد إلى القضاء، تمحـورت ملاحظات وتوصيات الهيئة بهذا الخصـوص حـول تعزيز دور قاضي التحقيق في الكشـف عـن جرائـم الفسـاد؛ حيـث أوصـت بالتنصيـص عـلى الإحالـة الإلزاميـة لجنايـات الفساد عـلى قـاضي التحقيق، وبمراجعـة التعديـل الـذي يلـزم قاضي التحقيـق بالرجوع إلى النيابة العامة لتقديم ملتمساتها، كلـمـا قـرر اتخـاذ بعـض إجـراءات التحقيق التـي يراهـا مناسبة.. كـما أوصـت الهيئة بضبط المسألة المتعلقة بتحويل القضيـة مـن قـاضي تحقيـق إلى قـاضي تحقيـق آخـر، مـع مـراعـاة مـرور الطلبات المقدمة في هـذا الشـأن عـبر القناة التقديرية للنيابة العامـة.
ومـن نـفـس المنظـور، اعتبرت الهيئة أن التعديل المقترح على المادتين 92 و350، بإلزامـه الطرف المـدني الـذي يقيـم الـدعـوى أمـام قـاضي التحقيـق أو أمـام هيئة الحكـم، بتضمين مذكرتـه المعلومات المتعلقة بهوية المتهـم ووقائع القضية المعروضـة والتكييف القانوني لهـا والأدلة والمستندات المدعمـة لهـا، يضع شرطا تعجيزيـا مـن شـأنه أن يؤدي إلى عرقلـة الولوج إلى القضاء واسترجاع الحقوق المهضومة.
وفي نفـس سـياق رفع التضييق عـن المتضرريـن مـن جرائم الفساد، أكـدت الهيئة أن تنصيص التعديـل المدرج على المادة 350 على منع المتضرر من تحريك الدعـوى العمومية مباشرة أمام غرفة الجنايات مــن شـأنه أن يشـكل عقبـة حقيقيـة أمـام المتضرريـن مـن قضايـا التلبـس بالجنايـات التـي يحيلهـا الوكيـل الـعـام للملك مباشرة إلى غرفة الجنايات، وفقا لمـا تنـص عليـه المـادة 73 مـن قانـون المسطرة الجنائية.
في ما يتعلق بضمان النجاعـة القضائيـة، تمحـورت ملاحظـات وتوصيـات الهيئـة بهـذا الخصـوص حـول تعزيـز التعديلات المدرجـة عـلى قواعـد الاختصاص الاستثنائية، بـإدراج بعـض المسؤولين والفئـات ضمـن الأشخاص المشمولين بقواعـد الاختصاص الاستثنائية، مـع تحصين القرارات المتعلقة بتدخـل الوكيـل العـام للملـك لـدى محكمـة النقـض في المسار المسطري المتعلـق بهـذه القواعـد، وتندرج ضمـن هـذا المحـور أيضـا ملاحظات وتوصيات الهيئة الرامية إلى التأطير التشريعي لصلاحيات الأمـر بتجميـد أو حجـز الأمـوال المشتبه في أن لهـا علاقـة بجرائـم الفساد وتسهيل تنفيـذ عقوبـة المصادرة، خاصـة مـن خـلال ضبط أشكال التعاون المطلوب بين المؤسسات المعنية في هذا المجال، والإطار المؤسسي المختص في إدارة الممتلكات المجمـدة أو المحجـوزة أوالمصـادرة مـن جرائـم الفساد.
بالنسبة للتوصيات الجديدة أيضـا، أعـدت الهيئة دراسة موضوعاتيـة حـول الإثراء غير المشروع، تتوخى تقعيـد منظـور تشريعـي للإلمام بجميع جوانبـه ومنع تجلياته، مؤكـدة عـلى أن جرائـم الفسـاد تتميز بخصوصيات تستدعي إفرادهـا بآليـات إثبـات ملائمة وناجعة؛ في مقدمتها اعتبار الزيادة الكبيرة الملحوظة في موجـودات الموظف العمومـي مقارنـة مـع مصـادر دخلـه خـلال فترة معينـة مـن مسـاره المهني، سلوكا يستوجب، في حالـة عـدم القدرة على تبريـر هـذه الزيادة، تكييفهـا عـلى أنهـا إثـراء غير مشروع يتعين تجريمـه.
ولاستقراء مرجعيات مكافحة الإثراء غير المشروع، أبرزت الهيئة البعـد المرجعي للمقتضيات الدستورية
ذات الصلة بالحكامة الجيدة ودورها في توجيـه المشرع نحـو بنـاء منظومة مكافحة الإثراء غير المشروع وفـق مستلزمات الحكامة الجيدة وتثبيت قيـم خدمـة الصالح العـام، ورصـدت تجريـم هـذا السلوك في الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد واتفاقية الاتحاد الإفريقي لمنع ومكافحة الفساد، كـمـا أبـرزت أهميـة اتفاقيـة الأمـم المتحدة لمكافحة الفساد باعتبارهـا تشـكل الإطار المرجعـي الـذي يستوعب منظـور المنتظـم الأممي لتجريـم الإثراء غير المشروع؛ مستنبطة المحـددات المؤطرة لهذا السلوك، وفـق هـذه الاتفاقيـة.
وفي ما يتعلـق بالتشريعات الدولية ذات الصلة، باعتبارهـا أطـرا إرشادية لركائز تجريـم الإثراء غير المشروع، وقفت الهيئة على مقومات  لتجريـم هـذا السلوك في هذه التشريعـات، منها إدراج جـل التشريعـات هـذه الجريمـة ضمـن قـانـون خـاص يحـدد مفهومهـا والأشخاص المعنيين بها والعقوبات المقررة لهـا ومساطر متابعتهـا، إدراج كل التشريعات هذه الجريمة ضمـن الجرائم الجنائية الموكول البحث والتحري عنهـا للنيابات العامـة، كـما أن مجموعـة مـن التشريعـات جعلـت ضمـن اختصاصـات سـلطات مختصـة مـن بـين سلطات إنفاذ القانـون، مهمـة البحـث والتحـري عـن هـذه الجريمـة قبـل الإحالـة عـلى النيابات العامـة؛ اعتماد أغلب التشريعات في تجريمهـا للإثراء غير المشروع على صورته المتمثلة في حصـول زيـادة
كبيرة في ثروة الموظف العمومـي أو مـن في حكمـه أو في ثـروة زوجـه أو أبنائه القاصريـن بعـد تـولي
الوظيفـة أو قيـام الصفـة، واعتماد مبـدأ عـدم تناسـب الزيادات مـع المداخيل المشروعـة للمعنيين بالأمـر، والعجـز وعـدم القدرة على تبرير الزيـادات، كقرينـة لإثبـات الإثراء غير المشروع؛ اعتماد مبدأ الزيادة في الثروة أو في الأموال كمظهر للإثراء غير المشروع؛ اعتماد العقوبة السالبة للحرية، والمتمثلة في العقوبة الحبسية أو السجنية أو الأشغال المؤقتة؛ اعتماد مبـدأ الحكـم بالغرامة المساوية لقيمـة الكسب غير المشروع مع رد الأمـوال المكتسبة عـن طريق غير مشروع؛ التنصيص الصريح لبعـض التشريعات على أن سقوط الدعـوى الجزائية بالوفـاة لا يحول دون تنفيـذ الحكـم بـرد قيمـة الكسب غير المشروع؛ إخضاع بعـض التشريعات للأشخاص المعنوية المتمثلة في الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والنقابات والجمعيات والأشخاص المعنوية المتعاقدة مع الدولة، لأحكام قوانين الإثراء غير المشروع؛ اعتماد التشريع الفرنسي مؤخـرا لآليـة استرجاع الموجودات غير المشروعة العائدة للسياسيين الأجانب أو أقاربهـم، والصادر في شأنها حـكـم نهـائي بالمصـادرة، لفائدة ساكنة الدول المعنية بهذه الموجودات، والتـي سـلبت منهـا بشكل غير مشروع.
ومـن أجـل إرسـاء منظـور موضوعـي لمبـدأ قلـب عـبء الإثبات في تجريم الإثراء غير المشروع، خلصت الهيئـة، اعتمادا عـلى مجموعـة مـن الاجتهادات الفقهية والقضائيـة وبعـض المقتضيات القانونيـة، عـلى المستويين الوطنـي والـدولي، التـي كـرسـت مبـدأ تحويـل عـبء الإثبـات مـن النيابة العامة إلى المتهـم في بعـض الجرائم والمساطر، إلى أن انصراف المشرع نحـو قـلـب عـبء الإثبات في جريمة الإثراء غير المشروع، يعتبر اختيارا تشريعيا مبررا ولا منـاص مـن إقـراره، كإجـراء قضـائي لضمان المتابعـة الناجعـة لهـذه الجريمة، مؤكدة على ضرورة تثبيت الضمانات الموضوعية والإجرائية الكفيلة بتحقيق التوازن بين حق الدولة في حماية أمنهـا وأمـن مجتمعهـا، وحـق المواطنين في إثبات براءتهـم وحمايتهـا مـن كل تعسـف.
وبهدف استشراف توجهات تشريعية ملائمة وناجعة لمكافحة الإثراء غير المشروع، أبرزت الهيئة وجاهة اعتبـار هـذه الجريمة جريمة مستقلة لهـا أحكامهـا الموضوعية المتمثلة في مقوماتها الجرميـة والعقوبات الحبسية والمالية المتناسبة مـع خطـورة كل حالة متعلقة بهـا، كـمـا لهـا قواعدهـا الإجرائية الكفيلة بالبحـث فيهـا والتحقـق وإثباتهـا، مـع تأكيـد الهيئـة، بشكل خاص، عـلى أهمية التحديـد الواضـح للأهـداف المنشـودة مـن هـذا التشريع، وضمان التكامـل القانـوني مـع مجموعـة مـن النصـوص لتعزيـز ضمانـات نجاعة تجريم الإثراء غير المشروع، وتوطيـد البعـد التعاوني المطلوب مؤسسيا للرصـد والتحري والتحقـق الموضوعـي والنزيـه مـن الحـالات المحتملة لهـذا الإثراء.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 04/03/2023