الوباء لا يمنع هجرة الأفارقة إلى جزر الكناري

كان مداسا محمد يجهل أن وباء كوفيد-19 يجتاح أوروبا، عندما شرع في رحلته الخطرة من إفريقيا إلى جزر الكناري، اذ لم يمثل الوباء عائقا له أو لآلاف المهاجرين الأفارقة الذين يتوافدون بكثرة إلى هذا الأرخبيل الإسباني.
وقال هذا الموريتاني البالغ من العمر 16 عاما، في ساحة المسكن المخصص للمهاجرين القاصرين في بلدة تيلدي “نحن مزارعون وتوفي والدي. وأخوتي صغار. لهذا السبب أتيت. اضطررت للمجيء من طريق البحر بحثا عن المال، إنها مخاطرة، لكنها من أجل المال”.
وأوضح الشاب الذي وصل في مارس الماضي بعد أن استغرقت رحلته أسبوعين “لم نكن نعلم ما إذا كان هناك فيروس كورونا أم لا”.
ويروي الشاب النحيل والطويل القامة، الذي كان يرتدي قميصا أحمر لفريق كرة قدم محلي، رياضته المفضلة، بالفرنسية أن هدفه هو مساعدة أسرته التي بقيت في موبيدوغو، وهي قرية موريتانية صغيرة تقع على الحدود مع مالي.
وأوضحت نعومي سانتانا، المستشارة الإقليمية للحقوق الاجتماعية “أن البديل المتمثل في البقاء في المنزل أسوأ من الوصول إلى هنا ومواجهة الوباء (…) إنهم يختارون الخيار الأقل سوءا “.
استعاد طريق الهجرة إلى جزر الكناري، الذي سلكه عشرات آلاف المهاجرين في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين، نشاطه منذ عام، مع تشديد الرقابة في البحر المتوسط.
ووصل 5121 مهاجرا إلى الأرخبيل في الفترة الواقعة بين الأول من يناير و15 سبتمبر، بعد عبور محفوف بالمخاطر للمحيط الأطلسي على متن قوارب من المغرب، الذي يبعد مئة كيلومتر، بينما يقوم البعض الآخر بالرحلة من السنغال أو غامبيا، على بعد حوالى ألف كيلومتر.
افتتحت الحكومة الإقليمية في جزر الكناري، المسؤولة عن المهاجرين القاصرين، تسعة مراكز استقبال على عجل لمواجهة اكتظاظ الأماكن المعتادة.
تم استقبال البالغين، الذين تقع مسؤوليتهم على عاتق الحكومة المركزية، موقتا في فنادق مغلقة نظرا لقلة عدد السياح بسبب الوباء، أو اضطروا للنوم تحت خيمة في ميناء ارغينيغين، حيث رسا بهم خفر السواحل.
إذا لم يقف فيروس كورونا عائقا امام المهاجرين، إلا أنه عقد استقبالهم، فعند الوصول، يجب عزل أولئك الذين ثبتت إصابتهم بعد إجراء فحص الكشف عن الفيروس، فيما يتم حجر الأشخاص الاصحاء لمدة 14 يوما، الأمر الذي يشكل تحديا لوجستيا.
وأقر رئيس الصليب الأحمر خوسيه أنطونيو رودريغيز فيرونا بأن “الوضع معقد للغاية”.
وأوضح “لا يمكن ان يختلطوا مع أولئك القادمين على متن القوارب التي وصلت بعد ذلك. قد تكون هناك إصابات على متن قارب، بينما لا إصابات في آخر، وإذا جمعناهم كلهم معا، فستكون لدينا مشكلة”، بينما كان يقف أمام مخيم ارغينيغين في جنوب دي غران كناريا، الذي استقبل نحو 500 شخص على امتداد عدة ايام للسماح باجراء فحص الكشف عن الفيروس.
ولفت خوان ألامو، الذي يبلغ من العمر 82 عاما ويعيش قبالة الميناء إلى أن “كل يوم تصل ثلاثة أو أربعة قوارب”.
في بداية الأسبوع الماضي، أقلت السفينة البرتقالية التابعة للإغاثة البحرية، بشكل متواصل مهاجرين تم رصدهم بالقرب من الجزيرة.
كانت قواربهم الملونة المهترئة بجوار المخيم، وكان بعضها لا يزال يحمل آثار الرحلة، من ملابس وبطانيات ….
ولدى وصولهم، قام أعضاء من الصليب الأحمر يرتدون ملابس واقية من الفيروس باستقبالهم وإعطائهم كمامات قبل أن يقودوهم إلى الخيام لقياس درجة حرارتهم واجراء فحص الكشف عن الفيروس.
بسبب الحجر الصحي، لا تسمح السلطات بالوصول إلى مخيم ارغينيغين أو بالإقامة الموقتة.
ومع ذلك، يمكن مشاهدة المهاجرين وهم يلوحون من نوافذ فندق جميل على شاطئ ماسبالوماس، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين السياح الألمان.
وتسمح مراكز استقبال القاصرين بخروج الشبان للتنزه مع وضع الكمامة. وفي احد متنزهات تيلدي، تجمع عدد من الشبان للرقص على انغام موسيقى أفريقية.
ولفت ديبا نياغات (17 عام) الذي قدم من مالي في ديسمبر الماضي، إلى أن الحجر بين مارس ويونيو “كان صعبا للغاية”.
وروى أن القاصرين أمضوا وقتهم بألعاب الفيديو و”باللعب (في الفناء) أو مشاهدة التلفزيون”، إضافة إلى تلقيهم دروسا في الاسبانية.
وقال خوان إنريكي كوينتانا، الذي يدير مركز تيلدي ” قال لي بعض الشباب الذين تم حجرهم هنا + أنا هنا منذ اشهر عدة ولم أر أي شيء في إسبانيا + “.
بلغ عدد المهاجرين الأفارقة الوافدين إلى جزر الكناري في سبتمبر مستويات غير مسبوقة منذ الموجة الكبرى في بداية الالفية الثالثة، عندما حط عشرات آلاف الأشخاص في هذا الأرخبيل الإسباني القريب من الساحل الأفريقي.
تسارعت وتيرة الزيادة في عدد الوافدين في الأيام الأخيرة، بالتزامن مع الأحوال الجوية الملائمة، بحيث وصل في النصف الأول منسبتمبر، نحو 1200 شخص إلى هذه الجزر الواقعة قبالة الساحل الأفريقي في المحيط الأطلسي، وفق ا للأرقام الرسمية. ولم يتم تسجيل مثل هذا العدد من الوافدين في غضون أسبوعين منذ عام 2008.
وسجل آخر عدد قياسي سنوي في عام 2006 مع وصول 31600 مهاجر.
ويتزامن ذلك مع التوقيع قبل عام على اتفاقيات ضبط حدود الاتحاد الأوروبي مع تركيا وليبيا والمغرب.
ووصل 5121 مهاجر ا إلى الأرخبيل بين الاول من يناير و15 سبتمبر، أي بزيادة قدرها 500 بالمئة مدى عام واحد، وفق الوزارة الداخلية الإسبانية.
أوضح حاكم جزر الكناري أنسيلمو بيستانا لوكالة فرانس برس أن الطريق إلى جزر الكناري “هو الأكثر خطورة، فهو الطريق الذي يتعرض فيه (المهاجرون) لأكبر قدر من المخاطر، وبالتالي يسجل مزيد من الوفيات”.
ينطلق البعض من المغرب، الذي يبعد مئة كيلومتر، بينما يقوم البعض الآخر بالرحلة من السنغال أو غامبيا، على بعد حوالى ألف كيلومتر.
وتوفي، بين الأول من يناير و 17 سبتمبر، 251 شخصا خلال الرحلة، مقابل 210 للعام 2019 بأكمله، وفقا للمنظمة الدولية للهجرة.
وقال تكسيما سانتانا من اللجنة الاسبانية لمساعدة اللاجئين، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من جزر الكناري مقرا “إنه طريق معقد. قد يستغرق 48 ساعة أو أكثر من أسبوع، وسط بحر هائج ورياح عاتية قد تحول الليل جحيما”.
وادى الوباء الى إشباع نظام الاستقبال في جزر الكناري، ما اضطر السلطات الى إنشاء مساحات للحجر الصحي ومنع العودة إلى المغرب وموريتانيا بسبب إغلاق الحدود.


بتاريخ : 23/09/2020