الوكالة الوطنية للمياه والغابات تكشف خرائط استباقية لتحديد بؤر الخطر الغابوي

أعلنت الوكالة الوطنية للمياه والغابات عن الشروع، ما بين 17 و20 غشت الجاري، في إصدار خرائط تنبؤية دقيقة ترصد المناطق الأكثر عرضة لاندلاع الحرائق الغابوية عبر التراب الوطني، وذلك في إطار نهج استباقي يروم تعزيز اليقظة والتقليص من حدة هذه الظاهرة البيئية.
وأوضح بلاغ للوكالة أن هذه الخرائط تستند إلى تحليل علمي لمجموعة من المعطيات المتداخلة، تشمل بالأساس نوعية الغطاء الغابوي وقابليته للاشتعال، إلى جانب التوقعات المناخية والظروف الطبوغرافية لكل منطقة. وقد أفضت هذه العملية إلى تصنيف عدد من الأقاليم ضمن مستويات خطورة متباينة، حيث سُجلت درجة قصوى في أقاليم شفشاون وفحص أنجرة وطنجة-أصيلة والمضيق-الفنيدق وتازة، فيما حُددت درجة مرتفعة في الحسيمة والعرائش ووزان وتطوان وإفران وتاونات. أما الأقاليم المصنفة بدرجة خطورة متوسطة فتشمل بركان والدرويش والناظور ووجدة-أنجاد وصفرو والرباط وسلا والصخيرات-تمارة وأزيلال وبني ملال وخنيفرة والصويرة وأكادير إدا أوتنان.
هذا التصنيف ليس مجرد إجراء تقني، بل يمثل أداة للتخطيط الوقائي، إذ يسمح بتوجيه الموارد البشرية واللوجستية نحو النقاط الأكثر هشاشة، ويعزز من قدرة السلطات على التدخل السريع متى استدعت الضرورة. فالحرائق التي عرفتها غابات الشمال خلال السنوات الماضية أظهرت أن التأخر في رصد الخطر يؤدي إلى تفاقم الأضرار البيئية والاقتصادية، سواء على مستوى فقدان التنوع البيولوجي أو على صعيد تدمير الممتلكات والبنيات التحتية القروية.
ويكتسي هذا النظام التنبؤي أهمية خاصة في ظل تسجيل مؤشرات مقلقة مرتبطة بالمناخ. فدرجات الحرارة المرتفعة والجفاف الممتد ساهمت في تقليص رطوبة التربة والغطاء النباتي، ما يجعل الغابات المغربية أكثر عرضة للاحتراق مقارنة بالمواسم السابقة. كما أن الرياح القوية التي تشهدها بعض المناطق تزيد من سرعة انتشار النيران، الأمر الذي يستدعي يقظة مضاعفة وخطط تدخل محكمة.
وإذا كان المغرب قد راكم تجربة في مجال مكافحة حرائق الغابات من خلال تعزيز أسطول الطائرات الخاصة بالإطفاء وتعبئة الموارد البشرية، فإن التحديات القائمة تفرض تطوير مقاربة استباقية تقوم على ثلاث ركائز: التنبؤ، الوقاية، والتدخل السريع. الخرائط الجديدة تمثل خطوة متقدمة في هذا الاتجاه، حيث تسمح ليس فقط برصد الأخطار الآنية، بل أيضا ببناء قاعدة بيانات علمية يمكن أن تدعم السياسات العمومية في مجال التهيئة الغابوية. كما أن البعد التوعوي لا يقل أهمية عن الجانب التقني. فقد شددت الوكالة الوطنية للمياه والغابات في بلاغها على ضرورة التحلي بالحيطة والحذر من طرف الساكنة المجاورة للمجالات الغابوية والمصطافين والعاملين، داعية إلى تجنب أي نشاط قد يتسبب في اندلاع الحريق وإلى الإبلاغ الفوري عن أي سلوك مشبوه أو مؤشرات دخان. ذلك أن نسبة كبيرة من الحرائق تعود في الأصل إلى أنشطة بشرية عفوية أو متعمدة، وهو ما يجعل الانخراط المجتمعي عنصرا حاسما في حماية الثروة الغابوية.
وتجدر الإشارة إلى أن الغابات المغربية، التي تمتد على مساحة تقارب 9 ملايين هكتار، لا تؤدي فقط دورا بيئيا أساسيا في الحفاظ على التنوع البيولوجي وتثبيت التربة وتنظيم المناخ المحلي، بل تمثل أيضا مصدر عيش للعديد من الأسر القروية عبر أنشطة الرعي وجمع الحطب وإنتاج العسل. ومن ثمة فإن خسارتها بفعل الحرائق تترجم مباشرة في تدهور اقتصادي واجتماعي، فضلا عن انعكاساتها البيئية الممتدة لعقود.
وفي ظل الارتفاع العالمي في وتيرة الحرائق الغابوية، كما شهدته أوروبا الجنوبية وكندا والولايات المتحدة خلال المواسم الأخيرة، تبدو مبادرة الوكالة الوطنية للمياه والغابات منسجمة مع التحولات الدولية التي تؤكد على أهمية نظم الإنذار المبكر. فالمغرب، بفضل موقعه الجغرافي ومناخه المتوسطي، يظل عرضة لسيناريوهات مشابهة، ما يجعله في حاجة دائمة إلى أدوات استباقية قادرة على التنبؤ بالمخاطر وتدعيم قدرات الاستجابة.


بتاريخ : 18/08/2025