اليسار الجديد وقضية الصحراء المغربية -06- منظمة 23مارس، بين صراع الداخل والخارج

نستعرض في الحلقات الآتية سلسلة من المواضيع المرتبطة بمواقف اليسار الجديد بالمغرب بشأن قضية الصحراء المغربية. ولعل اعتمادنا اصطلاح « اليسار الجديد» يستند على التداول المرتبط بمدلولات هذا المفهوم في علاقته بتنظيمات اليسار الماركسي- اللينيني- الماوي بأقطابه الثلاث البارزة.   منظمة « إلى الأمام، ومنظمة 23 مارس، و»لنخدم الشعب». كما نعتمد هذا المفهوم للتمييز الموضوعي بين التنظيمات الديمقراطية واليسارية المغربية» الرسمية» التي اشتغلت في الشرعية السياسية، والتنظيمات اليسارية الراديكالية التي عبرت عن مواقف متطرفة إزاء قضية الصحراء تلتقي في مجملها في إقرار « حق تقرير المصير» بإقامة تمييز بين ساكنة الصحراء والمغرب، أو باعتمادها مفاهيم خاصة من قبيل « الشعب الصحراوي» و « البؤرة الثورية» و «النضال الثوري» و «التناقض مع النظام..» الخ.

في كتابه» الصحراء المغربية، جدل الوحدة والتجزئة» (منشورات دار التوحيدي،2020) يلخص علال الأزهر، أحد القياديين البارزين في منظمة 23 مارس، الاختلافات التي اعترت مواقف المنظمة من قضية الصحراء. يقول علال الأزهر في مستهل الكتاب بأنه» أثير النقاش داخل منظمة 23 مارس في الداخل حول قضية الصحراء عندما قرر الملك الحسن الثاني المطالبة باسترجاع اقليم الصحراء المغربية سنة 1974. فانقسمت الآراء داخل المنظمة إلى ثلاثة تيارات. المدافعون عن مغربية الصحراء والدفاع عن عودتها إلى المغرب وقد كنت ضمن هذا التيار، وتيار وسط يعترف بمغربية الصحراء، ولكنه يتحفظ في عودتها إلى المغرب في ظل النظام السياسي القائم، وتيار ثالث يميل إلى موقف «إلى الأمام» الذي كان يؤيد موقف البوليساريو والبؤرة الثورية.
وفي استعراضه لمواقف المنظمة ،يعتبر سعيد الوجاني ( أنظر، منظمة 23 مارس وقضية الصحراء، الحوار المتمدن ،2018)أن منظمة 23 مارس
«كانت تعتبر قضية الصحراء عاملا أساسيا لتعميق التناقض الشعبي مع الحكم ، وفي نفس الوقت، كانت ترفض طموح الجزائر بفرض أمر واقع ، بخلق دُويلة ستكون ورما خبيثا في خاصرة الضلع الجنوبي للمغرب ، ودُمية بيد الاستعمار الاسباني ، والامبريالية المستفيد الوحيد من عملية الانفصال إنْ تمّتْ .»
فمنذ أواخر سنة 1974 ، شرعت المنظمة في التمايز في مواقفها المساندة لمغربية الصحراء ، بل وبحلول يناير 1975 ، ستحسم المنظمة نهائيا مواقفها من الصراع ، وتقر صراحة بمغربية الصحراء ، رافضة موقف الجزائر بإنشاء دُويلة بالمنطقة ، ورافضة ومنتقدة لموقف « منظمة إلى الأمام « المنساق وراء الطرح الجزائري … وباستثناء الموقفين الشادين بالتنسيق مع « منظمة إلى الامام « ، وهما البيان السياسي الذي خرج به المؤتمر الوطني الخامس عشر للاتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في 11 / 18 غشت 1972 بكلية العلوم بالرباط ، والبيان المشترك الصادر في 24 يونيو 1974 ، فلا نكاد نجد موقفا للمنظمة ناكرا لمغربية الصحراء.
إن هذا الموقف الجديد في التعاطي مع القضية الوطنية حسب الكاتب، عرّض المنظمة إلى انتقادات لاذعة ، والى عداوة بغيضة من قبل الأحزاب الشيوعية والمنظمات الماركسية اللينينية العربية ، الذين اتهموها بالارتماء في حضن النظام الكمبرادوري ، الأوليغارشي ، والتنكر لحق ( الشعب الصحراوي ) في تقرير المصير . كما تسبب في أزمة تنظيمية داخل المنظمة ، بين قيادة الخارج وهي الأغلبية المتمسكة بمغربية الصحراء ، وقيادة الداخل الموجود في السجن الرافضة لما اسمته ب ( الضم التعسفي ) للصحراء . . كما سيتسبب هذا التغيير في المواقف من اجل الصحراء ، في خروج جماعة صغيرة بفرنسا عن المنظمة كان لها ارتباط بالقيادة الموجودة بالسجن ،ستعرف ب «رابطة العمل الثوري بالمغرب» .
ا ويميز سعيد الوجاني بين موقفين متباينيين داخل المنظمة، ما بين الداخل والخارج. فبخلاف موقف الأغلبية ( الخارج ) ، فإن قيادة الداخل بالسجن ، إلى جانب مجموعة « رابطة العمل الثوري بالمغرب « ، اعتبروا نزاع الصحراء «وجها للتكالب الامبريالي الرجعي بالمنطقة. فمن جهة، هناك تكالب الأنظمة المجاورة للصحراء ، وعلى رأسها الاثوقراطية الملكية ، والدكتاتورية الجزائرية المُهروليْن وراء ثروات المنطقة ، خاصة الفوسفاط والثروة البحرية ، ويسعيان بكل الطرق لضم الإقليم بالقوة ، مستعملين التّناور بهدف التقسيم ، بل إنهما وفي أحيان كثيرة ، وللقفز على الحقيقة ، يلجآن الى الصراعات الهامشية التي لا تخرج عن اطار التناور ، في محاولة لربط قسري بين المصالح المحلية والمصالح الخارجية …
إن الخلاصة السياسية ليسار « منظمة 23 مارس « « القيادة الموجودة بالسجن و « رابطة العمل الثوري بالمغرب « ، لا تخرج عن التأويل الذي يميز بين التأكيد على مغربية الصحراء ، ورفض إلحاقها بالنظام الملكي الاثوقراطي التبعي . فهو يرفض ( الضم التعسفي ) الذي ساندته الأحزاب الملكية ( الاتحاد الاشتراكي ) ( التحرر / التقدم والاشتراكية ) ، ويرفض تشكيل كيان مستقل مزيف بالجنوب المغربي ..». وفي هذا الصدد يحيل الكاتب على بعض المقتطفات المرجعية. منها
– إن كون الصحراء مغربية ، لا يعني التأكيد لإلحاقها بالعنف الرجعي بالنظام الملكي الاوثوقراطي التبعي ، بل يعني التأكيد على الوحدة التي تربط بين جماهير الصحراء وجماهير المغرب . فإذا كانت الصحراء قد شكلت تاريخيا جزءا من المغرب ، كما هو الشأن بالنسبة لسبتة ومليلية والجزر الجعفرية ، فان هذا لا يحل المشكلة ، لان القضية الأساسية المطروحة هي : قضية التحرير الفعلي لجماهيرها التي ترزح تحت نير الاستعمار الاسباني المباشر ، والاستغلال الامبريالي .
إن طريق التحرير من هذا النير ، ليس بضمها الى المغرب في اطار نظام اثوقراطي تبعي ، وليس استقلالها الذاتي في اطار دولة مزيفة ، بل على طريق بناء وحدة الشعب المغربي ، وجماهير الصحراء على أسس وطنية ديمقراطية ، بناء وحدة النضال الثوري الذي يستهدف بناء الجمهورية الديمقراطية الشعبية }
– إن شعار إعادة بناء وحدة الشعب المغربي والجماهير الصحراوية ، نتجه به الى الجماهير المغربية ، وقواها الثورية الديمقراطية الوطنية ، والى الجماهير الصحراوية وقواها الثورية الديمقراطية الوطنية ، معتمدين أسلوب الاقناع الديمقراطي ، والنضالي مُقرّين لها مبدأ حقها في تقرير مصيرها .
إننا نحترم رغبات جماهير سكان الصحراء ، ( لم يستعملوا مصطلح شعب ) وقواها الثورية والديمقراطية ، والعمل لإقناعها ان التحرر الفعلي من الاستعمار ، والامبريالية ، وعملاءها ، لن يتحقق الاّ في اطار ربط مصيرها بمصير الشعب المغربي قاطبة ، وذلك لان كيانا صحراويا مستقلا في اطار ضعف القوى الجماهيرية والديمقراطية المحلية ، سيبقى فريسة سهلة لقوى الامبريالية والرجعية } .
– إن اعترافنا بحق جماهير الصحراء في تقرير مصيرها ، لا يعني أننا ندعو الى الانفصال ، بل ان خطتنا ، هي العمل على بلورة وحدة هذه الجماهير الصحراوية مع الشعب المغربي .. } .

 


الكاتب : n تقديم وإعداد: عبد المطلب أعميار

  

بتاريخ : 21/03/2025