نستعرض في الحلقات الآتية سلسلة من المواضيع المرتبطة بمواقف اليسار الجديد بالمغرب بشأن قضية الصحراء المغربية. ولعل اعتمادنا اصطلاح « اليسار الجديد» يستند على التداول المرتبط بمدلولات هذا المفهوم في علاقته بتنظيمات اليسار الماركسي- اللينيني- الماوي بأقطابه الثلاث البارزة. منظمة « إلى الأمام، ومنظمة 23 مارس، و»لنخدم الشعب». كما نعتمد هذا المفهوم للتمييز الموضوعي بين التنظيمات الديمقراطية واليسارية المغربية» الرسمية» التي اشتغلت في الشرعية السياسية، والتنظيمات اليسارية الراديكالية التي عبرت عن مواقف متطرفة إزاء قضية الصحراء تلتقي في مجملها في إقرار « حق تقرير المصير» بإقامة تمييز بين ساكنة الصحراء والمغرب، أو باعتمادها مفاهيم خاصة من قبيل « الشعب الصحراوي» و « البؤرة الثورية» و «النضال الثوري» و «التناقض مع النظام..» الخ.
في «معركة الذاكرة،تفاصيل مقتطفة من تاريخ لم يكتب بعد»، يضيف أحمد الحجامي أنه في « ندوة أكتوبر 1974 بفرنسا،… ستحسم المنظمة الموقف من قضية الصحراء المغربية تأكيدا للموقف المبدئي للمنظمة في شتنبر 1970، واعتمادا على خلفية التراث النضالي لجيش التحرير مجسدا في أحد قادته التاريخيين محمد بنسعيد، وتأسيسا على أرضية تفكير المنظمة السابق ورصيدها القومي الوحدوي المعادي لمزيد من التجزئة في الوطن العربي، قاطعة بذلك مع اللبس الذي اكتنف تصريف شعار «إعادة بناء وحدة نضال الجماهير الصحراوية مع الشعب المغربي في الشمال على أساس ديمقراطي»، تصريف حضر فيه التكتيك وغابت الاستراتيجية، نتيجة تفوقنا إذاك في الاديولوجيا على حساب التاريخ والجغرافيا، وذلك اعتمادا على مقال أنفاس، وفي غمرة انخداع بعض رفاق المنظمة في الداخل – ضمن أفق توحيد طرفي اليسار – بخط السرفاتي وشعاره البراق: «لنبن الحزب تحت نيران العدو» ضدا على «خطة التراجع المنظم» الذي سبق لـ23 مارس أن تبنتها.. علما أن رفاق 23 مارس في الداخل الذين كان لهم ذلك الموقف الملتبس قد انحازوا تباعا الى موقف مغربية الصحراء سواء منهم الذين كانوا في السجن أو الذين التحقوا بالخارج دون أن يعيروا اهتماما لصحة أو عدم صحة موقفهم السابق باستثناء رفيق واحد مسؤول في اللجنة الوطنية تحلى بالشجاعة اللازمة وقام بتقديم نقد ذاتي علني نشر في النشرة الداخلية مباشرة بعد انعقاد الندوة الوطنية بالخارج في صيف 1975.
سيتخذ إذن موقف مغربية الصحراء بتبني الأرضية المستمدة من الدراسة الهامة التي أنجزها محمد بنسعيد كخلاصة لتجربة جيش التحرير في الصحراء بأغلبية الأصوات مع بعض الامتناعات ومعارضة صوت واحد هو صوت محمد المحجوبي الذي تبنى موقف تقرير المصير للشعب الصحراوي (مع اعترافه بمبدأ مغربية الصحراء تاريخيا..!) ودعا إلى تجميد نشاط للمنظمة بالخارج باستثناء مناهضة القمع في انتظار انتقال الرفاق المعتقلين من درب مولاي الشريف الى السجن المركزي وفتح نقاش موسع في جميع القضايا بما فيها قضية الصحراء. وسنرى كيف رفع الرفاق عاليا راية الصحراء المغربية في محاكمة 1977. انسحب المحجوبي مباشرة بعد ندوة باريس من المنظمة ،والتحق بإلى الأمام التي أصبح قائدها الأول في الخارج….
حاربت المنظمة ما استطاعت نزعة العدمية وقاومت بشدة مواقف التنظيمات اليسارية العربية المتهافتة على المال الجزائري والجارية وراء سراب دعم الجزائر للقضية الفلسطينية الذي لم يتجاوز التصريحات الديماغوجية. خاضت المنظمة من خلال جمعية المغاربة بفرنسا نضالا متميزا وسط الجالية المغربية عبر جريدة «الجالية» وبواسطة المظاهرات العمالية التي نظمتها ولا سيما مظاهرة 22 نوفمبر 1975 التي نظمتها الجمعية بباريس شارك فيها أزيد من 1000 مهاجر مغربي رفعت فيها شعارات مثل: «فلسطين عربية والصحراء مغربية»، «لا أطراف معنية والصحراء مغربية»، «ياعامل يافلاح حرر أرضك بالكفاح».. كما بذلت المنظمة جهودا إعلامية على الساحة الفرنسية بإصدارها لأعداد من 23 مارس بالفرنسية تترجم مواقفها من قضية الصحراء وقضية الديمقراطية. لكن اليسار الفرنسي كانت على أعينه غشاوة في قضية الصحراء سببها عقدة مركبه مترسبة في لاشعور قادة هذا اليسار تجاه مستعمراتها السابقة…