اليسار الجديد وقضية الصحراء المغربية – 11- الصحراء المغربية بين الموقف الديمقراطي الحقيقي والموقف الديمقراطي المزيف

بعد أن استعرضنا في الجزء الأول أهم الأفكار والأطروحات التي تأسست عليها مواقف منظمة « إلى الأمام» و « منظمة 23 مارس» و» ولنخدم الشعب»،
نستعرض في هذا الجزء أهم الأطروحات النظرية والسياسية للفقيد عبد السلام المودن، وللأستاذ علال الأزهر المنبهي بوصفهما قياديين بارزين من مؤسسي اليسار المغربي الجديد، ومن الكوادر التاريخية لمنظمة 23 مارس. وتلتقي كتابات الفقيد عبد السلام المودن، وكتابات الأستاذ علال الأزهر في دحض الأطروحات الانفصالية، في أبعادها السياسية، والوطنية، والقومية، والاشتراكية في مرحلة دقيقة من الصراع الداخلي الذي كان يتجاذب مواقف التنظيمات الثلاثة، سواء من داخل تجربة السجن ، أو خارجه. ولتيسير مقروئية هذه المواضيع سنعمل على استعراض أهم مضامينها، وخلاصاتها حسب التسلسل الوارد في المصدرين اللذين اعتمدناهما في انجاز هذا الملف.

 

تحت عنوان» الاشتراكية وقضية الصحراء المغربية» ،نشرت « الملتقى» ( أنظر عبد السلام المودن، الدولة المغربية، قضايا الديمقر اطية، والقومية، والاشتراكية، ط2،2018) سلسلة من المواضيع المرتبطة بأطروحات عبد السلام المودن بشأن قضية الصحراء المغربية . وتتضمن
-الصحراء المغربية بين الموقف الديمقراطي الحقيقي والموقف الديمقراطي المزيف.
– الخلط بين مفهوم الدولة الوطنية والتحرر الاقتصادي.
– مبدأ تقرير المصير ليس مطلقا.
– هل هناك شعب صحراوي؟
– لماذا جبهة البوليساريو حركة رجعية؟
– لماذا تقرير المصير رجعي؟.
يقول الفقيد عبد السلام المودن «لقد مر الآن أكثر من عشر سنوات على الصراع الدائر حول الصحراء، بين المناصرين لحق المغرب في استرجاعه لصحرائه، والمعارضين لذلك الحق. وخلال الفترة التاريخية الطويلة. تراكمت عدة أحداث، ووقعت عدة تطورات سياسية عسكرية ودبلوماسية. كما أن العديد من المعطيات الموضوعية الضرورية لأي تحليل علمي، كانت، في اللحظة الأولى من انفجار الصراع، اما منعدمة كلية وإما غير واضحة بما فيه الكفاية.
إن تجربة العشر سنوات من الصراع بين الموقفين المتناقضين، قد كشفت كل الأوراق، وأزاحت اللثام، وأظهرت الصراع الحقيقي، وأظهرت خلفياته وأهدافه. إننا نوجد اليوم في وضع أفضل بكثير من الوضع الذي كان فيه الصراع آنذاك، مما يسمح لنا بالقيام بتقييم دقيق أكثر موضوعية، للوقائع المتصارعة حول قضية الصحراء.
والسؤال الذي طرحه عبد السلام المودن هو : هل تجربة العشر سنوات الماضية الغنية بوقائعها، قد أعطت الحق للموقف المساند للمغرب، أو للموقف المعارض؟، ما هو الموقف الخاطئ، وما الموقف الصائب على ضوء تلك التجربة؟.
هل الحدود الترابية والجغرافية التي ورثها المغرب المستقل سنة 1956 عن المرحلة الكولونيالية، هي حدود ديمقراطية ؟؟ ،هل تلك الحدود هي الحدود الطبيعية والتاريخية للدولة المغربية ؟؟. بهذين السؤالين حاول الفقيد عبد السلام المودن الحفر في تشكل الدولة الوطنية المغربية ارتباطا بتشكل المشروع الكولونيالي بنمطيه القديم والجديد، وبتشكل الإقطاعية المغربية.
وحسب عبد السلام المودن فإن أية إجابة عن هذا السؤال تريد الالتزام بالموضوعية لا بد وأن تنتهي إلى جواب بالنفي. ويميز عبد السلام المودن بين نمطين من الكولونيالية، تشكلت في سياقهما الدولة المغربية.
فلقد عانى المغرب في تاريخه الطويل من نوعين من الكولونيالية: كولونيالية كلاسيكية ثمتلت ولازالت في احتلال مدن وجزر مغربية منذ القرن الخامس عشر، وكولونيالية امبريالية مختلفة نوعياً من سابقتهاً. فالطابع الذي ميز تاريخيا الأولى، هو أنها كانت تعكس المرحلة الأولى من نشوء الرأسمالية الأوربية. وبالتالي، فإن الحاجة إلى المستعمرات الكولونيالية كانت تقتضيها أساساً اعتبارات تجارية، أي أن العلاقة بالمستعمرات ظلت في حدود دمجها في عملية تبادل البضائع. إن هذا النوع الأول من الكولونيالية قد قاومه الشعب المغربي ببسالة وتمكن من صده، ويتجلى هذا في تحرير معظم الثغور الساحلية المغربية من قبضة الإسبان والبرتغاليين، وفي معركة وادي المخازن الوطنية المظفرة.
أما الطابع الذي ميز الكولونيالية الإمبريالية، فهو أنها قد عكست تاريخياً المرحلة العليا من تطور الرأسمالية: إنها مرحلة تحول الرأسمالية التنافسية إلى رأسمالية احتكارية. فتمركز الإنتاج والأبناك في مؤسسات محدودة العدد، قد أدى إلى ظهور ظاهرة الاحتكار لدى هؤلاء .. وظاهرة الاحتكار قد أدت بدورها إلى الاندماج بين الإنتاج الصناعي والأبناك، وبالتالي ظهور الرأسمال المالي الذي أصبح القوة المسيطرة على معظم الاقتصاد المحلي في البلدان الرأسمالية المتطورة … حيث « قاده منطقه إلى تصدير فائض الرأسمال المالي لتوظيفه خارج حدود دولته القومية، وبما أن هذا التوظيف هو في أساسه عبارة عن استثمار رأسمالي في قطاعات الإنتاج والقطاعات المرتبطة بها (مناجم، سكك حديدية، طرق، موانئ، كهرباء، زراعة، صناعة…) فلم يكن ذلك ممكنا في البلدان المختلفة الماقبل رأسمالية، بدون إخضاعها سياسيا .والشكل الوحيد لذلك الإخضاع في تلك المرحلة، كان هو الإستعمار الكولونيالي الامبريالي. فالكولونيالية إذن في المرحلة الامبريالية، لها مضمون مختلف نوعيا عن الكولونيالية في المرحلة الرأسمالية الكلاسيكية: في الثانية كان الأساس تجاريا، هو تصدير البضائع المصنعة. بينما أصبح الأساس في الأولى رأسماليا يتمثل في تصدير الرأسمال المالي وغرس الإنتاج الرأسمالي في البلدان الكولونيالية (أي أن التصدير التجاري هو نفسه أصبح مؤطرا بالإنتاج الرأسمالي المستحدث في تلك البلدان).


الكاتب : n تقديم وإعداد: عبد المطلب أعميار

  

بتاريخ : 26/03/2025