بعد أن استعرضنا في الجزء الأول أهم الأفكار والأطروحات التي تأسست عليها مواقف منظمة « إلى الأمام» و « منظمة 23 مارس» و» ولنخدم الشعب»،
نستعرض في هذا الجزء أهم الأطروحات النظرية والسياسية للفقيد عبد السلام المودن، وللأستاذ علال الأزهر المنبهي بوصفهما قياديين بارزين من مؤسسي اليسار المغربي الجديد، ومن الكوادر التاريخية لمنظمة 23 مارس. وتلتقي كتابات الفقيد عبد السلام المودن، وكتابات الأستاذ علال الأزهر في دحض الأطروحات الانفصالية، في أبعادها السياسية، والوطنية، والقومية، والاشتراكية في مرحلة دقيقة من الصراع الداخلي الذي كان يتجاذب مواقف التنظيمات الثلاثة، سواء من داخل تجربة السجن ، أو خارجه. ولتيسير مقروئية هذه المواضيع سنعمل على استعراض أهم مضامينها، وخلاصاتها حسب التسلسل الوارد في المصدرين اللذين اعتمدناهما في انجاز هذا الملف.
اليسار الجديد وقضية الصحراء المغربية -13- مبدأ تقرير المصير ليس مطلقا

إن العدو الأول للفكر الماركسي هو التجريد الميتافيزيقي. بهذا المنطلق سيعمل الفقيد عبد السلام المودن على تفنيد أطروحة تقرير المصير من منظور ماركسي- لينيني. حيث يعتبر أن أبرز خاصيات هذا التجريد هو التعامل مع المقولات والمبادئ كمنطلقات ثابتة لا تتغير. أما الماركسية فهي تتميز بكونها تخضع جميع المبادئ، مهما كانت قدسيتها، للشروط العينية الملموسة للحالة المحددة التي هي قيد الدرس والتحليل. وعلى هذا الأساس، فمن وجهة نظر الماركسية، أن نفس المبدأ يمكن أن يكون قابلا للتطبيق هنا ، وغير قابل للتطبيق هناك.
وحين يساند أصحاب تقرير المصير ذلك المبدأ، لا لسبب إلا لأن «الشعب» الصحراوي قد طالب به، فهم بذلك لا يضعون فكرهم على أرضية الماركسية النقدية، بل على أرضية التجريد الميتافيزيقي المبتذل.
ولذلك سيستعرض الكاتب الطريقة التحليلية النقدية التي تعامل بها كل من ماركس وأنجلز ولينين، مع مبدأ تقرير المصير.
في سنة 1863 ساند ماركس وانجلز مطالبة الشعب البولوني بحقه في الإنفصال السياسي عن روسيا. لكنهما في نفس الفترة التاريخية تقريبا، قد عارضا بشدة ذلك المبدأ بالنسبة للشعبين التشيكي والسلافي الجنوبي اللذين كانا يطالبان بحق الانفصال عن النمسا. بل ، أكثر من ذلك، لقد ساند بولونيا في مطالبتها بتقرير المصير رغم أن الاقطاع هو الذي كان يتزعم تلك الحركة…
لماذا إذن كان ماركس وانجلز مع مبدأ تقرير المصير في الحالة الأولى، وكانا ضده في الحالة الثانية؟
إن موقفهما يستند إلى تحليل نقدي للشروط الملموسة التي كانت تتحرك فيها كل حالة.
بالنسبة للحالة البولونية: كانا يعتبران أن روسيا الإقطاعية القوية، كانت تخنق وتعيق كل إمكانيات التطور الإقتصادي_الإجتماعي البولوني. لذلك اعتبر أن تأسيس دولة وطنية بولونية مستقلة عن روسيا القيصرية، هو الإطار الحر الذي يسمح بنضج التناقضات الإجتماعية وتطور الرأسمالية وظهور بروليتارية قوية تقود النضال.
بالنسبة للحالة التشيكية_ السلافية، فقد كان تحليلهما هو التالي: في تلك الفترة التاريخية، كانت ألمانيا تعرف تطورا رأسماليا سريعا. لكن فرنسا التي كانت تشكل القوة الإقتصادية الرأسمالية المهيمنة على أوروبا (القارية) ستجد في ذلك المنظور الرأسمالي الألماني صعودا لدولة رأسمالية قوية، منافسة لها وتهدد هيمنتها على أوربا. لذلك لجأت فرنسا إلى كل الوسائل من أجل عرقلة وإعاقة الصعود الألماني .ومن بين تلك الوسائل كان التحالف الذي أبرمته فرنسا مع روسيا القيصرية، التي كانت تعتبر في ذلك الوقت، ليس فقط قوة رجعية بل أيضا ذات هيمنة على بلدان أوربا الشرقية، وسندا رئيسيا لكل الحركات الرجعية على صعيد أوربا.
من هنا ففي رأي ماركس وانجلز، فإن مطلب تقرير المصير الذي كان يرفعه الشعب التشكيكي والشعب السلافي، وحقهما في الإنفصال عن النمسا، لن يؤديا أبدا إلى تأسيس دولا وطنية مستقلة، وإنما سيقودان الى سقوطهما تحت نفوذ الهيمنة الروسية لأنهما شعبين صغيرين ضعيفين، وبالتالي لن يشكلا أكثر من ركيزة في يد روسيا لضرب ألمانيا البورجوازية. إن شعار تقرير المصير للشعبين التشيكي والسلافي الجنوبي، هدفه خدمة مصالح الدولتين الفرنسية والروسية، ولذلك فقد عارضاه بقوة واعتبرا الشعوب التشيكية_ السلافية شعوبا رجعية.
هذا إذن هو موقف ماركس وأنجلز من مبدأ تقرير المصير الذي لم يكونا يتعاملان معه بطريقة مجردة_مطلقة، بل بطريقة نقدية وملموسة، ومشروطة. فما هو الآن موقف لينين؟.
يقول لينين:
«إن مطلب حق الأمم في تقرير مصيرها، ليس مطلقا، بل هو جزء من مجموع الحركة الديموقراطية. وفي بعض الحالات الملموسة، يمكن للجزء أن يدخل في تناقض مع الكل: وهنا يجب معارضته» (لينين_المؤلفات_المجلد 22 الطبعة الفرنسية_ص 367).
ثم يضيف قائلا:
«قد يحدث ألا يمثل مبدأ تقرير المصير، سوى مؤامرة من مؤامرات بعض البلدان: من واجبنا إذن ألا نساند هذه الحركة الملموسة المعطاة» (نفس المصدر).
ويقول:
«لنفترض أن هناك بلدا ملكيا صغيرا يوجد بين بلدين ملكيين كبيرين.
ولنفترض أن ملك البلد الصغير يربطه بملوك البلدان الكبرى ارتباطات عائلية أو غيرها. ولنفترض أن شعب البلد الصغير أراد أن يقوم بثورة ضد نظامه الملكي لإحلال الجمهورية وللاستقلال عن البلدين الملكيين المجاورين. ولنفرض ان قيام الجمهورية وطرد الملك، يعني عمليا نشوب حرب بين البلدين الكبيرين بسبب المنافسة بينهما من أجل إرجاع الملكية للبلد الصغير في ظل ملك تابع لهذا الطرف دون الطرف الآخر.
ماذا سيكون موقفنا في هذه الحالة الملموسة؟ إننا بكل بساطة سنكون ضد الثورة وضد الجمهورية ومع الملكية في البلد الصغير». (نفس المصدر).
نعم إن لينين الثوري الرادكالي، يقول بلا تردد وبشجاعة عالية، بأنه ضد الثورة وضد الجمهورية ومع الملكية في حالات ملموسة. إن الثوريين علماء الجدل هم وحدهم الذين لا يترددون في نعت بعض الشعوب بالشعوب الرجعية (ماركس وإنجلز)، والذين لا يرون في الجمهورية الجمال المطلق، وفي الملكية القبح المطلق. إن الماركسيي هو أكثر المشركين إشراكا بالمطلقات والمثاليات. فلينين نفسه يقول: «إن تغيير الملكية بالجمهورية ليس مسألة مطلقة، بل هو مطلب ديمقراطي خاضع لمصلحة قضية الديمقراطية بوجه عام» (نفس المصدر_ص 372).
الكاتب : n تقديم وإعداد: عبد المطلب أعميار
بتاريخ : 29/03/2025