اليسار الجديد وقضية الصحراء المغربية 19- خلفيات الموقف الجزائري من نزاع الصحراء 01

بعد أن استعرضنا في الجزء الأول أهم الأفكار والأطروحات التي تأسست عليها مواقف منظمة « إلى الأمام» و « منظمة 23 مارس» و» ولنخدم الشعب»،
نستعرض في هذا الجزء أهم الأطروحات النظرية والسياسية للفقيد عبد السلام المودن، وللأستاذ علال الأزهر المنبهي بوصفهما قياديين بارزين من مؤسسي اليسار المغربي الجديد، ومن الكوادر التاريخية لمنظمة 23 مارس. وتلتقي كتابات الفقيد عبد السلام المودن، وكتابات الأستاذ علال الأزهر في دحض الأطروحات الانفصالية، في أبعادها السياسية، والوطنية، والقومية، والاشتراكية في مرحلة دقيقة من الصراع الداخلي الذي كان يتجاذب مواقف التنظيمات الثلاثة، سواء من داخل تجربة السجن ، أو خارجه. ولتيسير مقروئية هذه المواضيع سنعمل على استعراض أهم مضامينها، وخلاصاتها حسب التسلسل الوارد في المصدرين اللذين اعتمدناهما في انجاز هذا الملف.

 

يلاحظ علال الأزهر بأن “معظم الذي ناقشوا خلفيات الموقف الجزائري وقفوا عند ثلاثة أسباب رئيسية اعتبروها تشكل الرافعة الأساسية التي تسند إليها سياسة الجزائر تجاه المغرب في السنين الماضية، و يقع “الخلاف”فقط بين هؤلاء الدارسين حول أي من تلك الأسباب يملك مركز الثقل في تشكيل الموقف الجزائري من قضية الصحراء ومجمل القضايا التي تثار في منطقة المغرب العربي. وحسب الكاتب ، يمكن إجمال هذه الأسباب فيما يلي :
1. السبب الأول، ويتمثل في نزاع الحدود و”مواجهة الحق التاريخي” الذي ظل يمثل شبحا مقلقا بالنسبة للقيادة الجزائرية ويلقي بظلال قاتمة على العلاقات بين البلدين وكانت منطقة تندوف هي موضوع هذا النزاع.
2. السبب الثاني، ويعزوه البعض إلى الاختلاف القائم في طبيعة النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي السائد في كل من الجزائر والمغرب بحيث يعيد هؤلاء أسباب التصعيد في الصراع إلى الاختلاف بين النظامين.
3. بينما يتمثل السبب الثالث في نزوع برجوازية الدولة الجزائرية، التي توفرت لها شروط اقتصادية وسياسية ونضالية، إلى الهيمنة الإقليمية. فباتت ترغب في بعث أمة جزائرية سحيقة في القدم من رماد التوسع الاستعماري. “فإذا كان المغرب الأقصى يشكل إمبراطورية منذ القدم، فلقد اعتبر الرئيس “بومدين” أن المغرب العربي والمنطقة الفاصلة بين القاهرة ودكار منطقة أمن بالنسبة للجزائر، وأنه لا يمكن أن يحصل أي تغيير في هذه المنطقة دون اتفاق مع الجزائر”( أنظر،د. عبد الباقي الهرماسي،” المغرب العربي المعاصر، تطور الوعي القومي”ص204.
أي الأسباب كان يملك التأثير الحاسم وخصوصا بعد سنة 1974؟. مع أخذنا بعين الاعتبار أن مشكل الحدود كان قائما منذ طرح المغرب مطالبه الترابية في الجزائر المستعمرة، وإذا كان الموقف الجزائري قبل الاستقلال قد أجل بحث القضية ،فإن حرب 1963 كنت ردا حاسما على المطالب المغربية، أما نزوع برجوازية الدولة فهو يستند إلى شروط اقتصادية أولا، وسياسية ثانية، ويستثمر الرصيد النضالي للجزائر ثالثا، ولكن الشرط الاقتصادي يبقى حاسما في الموضوع حيث يعطي لهذا النزوع قوامه الواقعي والهجومي.
وانطلاقا من الفهم السابق، فإنه من الصعب الجزم، وبشكل مجرد، بأي الأسباب هو الفاعل دون الآخر. أي هل مشكل الحدود هو سبب الاستنفار الجزائري الدائم ضد المغرب بحيث وصل إلى ذروته في قضية الصحراء، أم أن الطموح إلى بسط النفوذ في المنطقة لدى برجوازية الدولة الجزائرية، وفق توازن معين رسمته القيادة الجزائرية على خريطة المنطقة وترفض المساس به ولو كان من وجهة نظر الدول الأخرى المجاورة مشروعا، هو سبب التصعيد الجزائرية، سواء أخذ شكل العداء السافر أو التقارب الحذر. أم أن الاختلاف في النظامين هو السبب في تصعيد التوتر أكثر؟
وحسب علال الأزهر،فإن ” العامل الذي مارس تأثيرا كبيرا في تشكيل الموقف الجزائري منذ بداية السبعينيات، هو الطموح إلى بسط النفوذ وعدم الإخلال بالتوازن الجيو-سياسي كما بدا مرسوما في خريطة التحرك الجزائري في المنطقة…”. ويذهب علال الأزهر في تفحص هذه المستويات.
فعلى مستوى “مسألة الحدود والحق التاريخي” ،فقد تعرضت الجزائر و المغرب الأوسط دون سائر أقطار المغرب لمحاولة اجتثات ثقافي استهدف محور هويتها العربية- الإسلامية ودمجها بالدولة المستعمرة فرنسا. وتركت هذه المحاولة سلبيات على صعيد الوعي الجزائري نفسه في البداية.(…)
وخلال هذه المرحلة، وخصوصا منذ سنة 1954 إلى سنة 1962 ترسخ الإيمان والوعي بوجود الوطن الجزائري، ولم يكن بإمكان القيادة الجزائرية أن تدمج فكرة وحدة المغرب العربي كهدف حي وواقعي في رؤيتها للحاضر والمستقبل… بل كانت تستخدمها هي أيضا، لدعم الثورة الجزائرية وحسب. ولا كان هناك من قادة الثورة من يؤمن حقا بوحدة المغرب، في أفق وحدوي، فأحرى في أفق اشتراكي ديموقراطي..

 


الكاتب : تقديم وإعداد: عبد المطلب أعميار

  

بتاريخ : 09/04/2025