نستعرض في الحلقات الآتية سلسلة من المواضيع المرتبطة بمواقف اليسار الجديد بالمغرب بشأن قضية الصحراء المغربية. ولعل اعتمادنا اصطلاح « اليسار الجديد» يستند على التداول المرتبط بمدلولات هذا المفهوم في علاقته بتنظيمات اليسار الماركسي- اللينيني- الماوي بأقطابه الثلاث البارزة. منظمة « إلى الأمام، ومنظمة 23 مارس، و»لنخدم الشعب». كما نعتمد هذا المفهوم للتمييز الموضوعي بين التنظيمات الديمقراطية واليسارية المغربية» الرسمية» التي اشتغلت في الشرعية السياسية، والتنظيمات اليسارية الراديكالية التي عبرت عن مواقف متطرفة إزاء قضية الصحراء تلتقي في مجملها في إقرار « حق تقرير المصير» بإقامة تمييز بين ساكنة الصحراء والمغرب، أو باعتمادها مفاهيم خاصة من قبيل « الشعب الصحراوي» و « البؤرة الثورية» و «النضال الثوري» و «التناقض مع النظام..» الخ.
خريف 1976 ستصدر منظمة « إلى الأمام «وثيقة « هل يشكل سكان الصحراء الغربية شعبا؟. وإذا كنا قد أشرنا فيما قبل الى أن البيان الصادر أكتوبر 1975 بشأن المسيرة الخضراء لم يستعمل عبارة « الشعب الصحراوي»، فان وثيقة « هل يشكل سكان الصحراء الغربية شعبا» ستتوقف عند حدود التمييز بين « الشعب المغربي» من جهة ، و» الجماهير الصحراوية» من جهة. وفي تقديم الوثيقة سيتم التنصيص على أن « الحركة الماركسية –اللينينية المغربية لا يمكنها أن تستمر في استعمال مصطلحين غير متساويين لتعيين، من جهة الشعب المغربي، ومن جهة أخرى الجماهير الصحراوية». ولعل هذا التمييز يرد بالأساس على موقف منظمة 23 مارس الذي كانت تعتبره « الى الأمام» موقفا رجعيا يمينيا عند القول « ان وثيقة المنظمة لشتنبر 1974 التي ترد على « الأرضية الموزعة من طرف اليمين داخل 23 مارس، أكدت على أنه كانت هناك وحدة وطنية ما بين المغرب والصحراء الغربية حتى نهاية القرن 19. غير أن الوثيقة تقول بأن» جمود وتقهقر الدولة المغربية من القرن 15 الى القرن 19 أدى الى اضعاف هذه الوحدة الوطنية…».
ان الوثيقة المذكورة تعترف، من جهة ، بوجود وحدة وطنية، تاريخيا ،بين المجتمع الصحراوي والمغرب، وبوجود روابط دينية، وتقول من جهة أخرى ب « الحياة المستقلة للقبائل الصحراوية» لأسباب تاريخية.
وترتكز الوثيقة في تحليلها « للأسس التاريخية» على العناصر الأتية
– كان يوجد في الصحراء الغربية مجتمع يمكن نعته بشبه اقطاعي، شبه جماعي. ويعني هذا أن ذلك المجتمع كان مركبا من قبائل حيث كانت الملكية المشتركة للأرض هي السائدة( أراضي الرعي).
-لقد ترسخت الوحدة الوطنية ما بين المغرب والصحراء الغربية ( وكذلك جزء من موريتانيا) أساسا من القرن الثامن الى القرن الرابع عشر كقطر غربي للوطن العربي.
– ان جمود وتقهقر الدولة المغربية من القرن 15 الى القرن 19 أدى الى اضعاف الوحدة الوطنية، خاصة من أسسها الاقتصادية والاجتماعية و اطارها السياسي، وفي المقابل تقوية الحياة المستقلة للقبائل في الصحراء الغربية، وتجمعها في كنفدراليات كبيرة ( أهمهاالركيبات)، والرابط الذي بقي في تلك الفترة هو الرابط الأيديولوجي- الديني.
– بدأ التغلغل الامبريالي في الغرب العربي في الصحراء، منذ الربع الأخير من القرن 19، وقد ردت القبائل الصحراوية على هذا التدخل بتمتين الوحدة القبلية فيما بينها تحت زعيم ديني وسياسي ماء العينين.ومنذ ذلك التاريخ تبلورت « وحة القبائل الصحراوية في أعلى منرحلة من مراحل التكوين الوطني.
– ان الحركة الوطنية المغربية، بقيادة البرجوازية، لم تحاول قط تنظيم النضال المشترك مع السكان الصحراويين.وتشكلت الوحدة ما بين الحركة الوطنية في منطقة الحماية الفرنسية، ومنطقة الشمال للحماية الاسبانية حول البرجوازية التي لم تكن موجودة الا في هاتين المنطقتين. لكن الصحراء الغربية بقيت في الواقع الفعلي مجهولة من طرف الحركة الوطنية المغربية.
– تشكلت الحركة الوطنية الصحراوية في مرحلة أعلى، ابتداء من سنة 1967. وقد كانت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادى الذهب هي التي قادت المظاهرات الكبرى ليونيو 1970 بالعيون.
وتخلص الوثيقة الى اعتبار ما يلي
– وجود كيان وطني صحراوي.
– ان هذا الكيان الوطني الصحراوي مثله مثل الكيان الوطني المغربي، والكيان الوطني الموريتاني يشكل مجموعة واحدة مبنية تاريخيا، وموضوعة في نفس « السيرورة الثورية».
وتسقط الوثيقة في نفس التناقض النظري عندما ستنتقل من الحديث عن « المجتمع الصحراوي» و « الكيان الصحراوي» و « الجماهير» الى القول بأن مصطلح « الشعوب» هو الأكثر ملاءمة» شريطة أن يوضع في ديناميكيته».
هذه الأطروحة توجد أيضا في الوثيقة المعنونة ب « الجمهورية العربية الصحراوية، انطلاقة الثورة في الغرب العربي» والصادرة في نفس السنة خريف 1976. والتي تقول أيضا بأن « المغرب والصحراء وموريتانيا يشكلون ثلاث كيانات وطنية بمجموعها تشكل ما تسميه « القطر الغربي للوطن العربي». وتؤكد بأن « الأسس التاريخية لهذا القطر تكونت في مرحلة المجتمع شبه الاقطاعي وشبه الجماعي الذي كان يميز الغرب العربي الى حدود الدخول الاستعماري. وتعتبر بأن الدخول الاستعماري أدى الى « تطور مختلف لهذه البلدان الثلاث تحت سيطرة الاستعمار. وخلال هذا التطور بدأت تظهر خصوصيات كياناتهم الوطنية.
وتضيف الوثيقة» إن تكوين الدولة المغربية والدولة المريتانية ابتداء من 1956 و 1960، وتكوين الحركة الوطنية التحررية الصحراوية ابتداء من 1967 قد ركزت هذه الكيانات.