بعد أن استعرضنا في الجزء الأول أهم الأفكار والأطروحات التي تأسست عليها مواقف منظمة « إلى الأمام» و « منظمة 23 مارس» و» ولنخدم الشعب»،
نستعرض في هذا الجزء أهم الأطروحات النظرية والسياسية للفقيد عبد السلام المودن، وللأستاذ علال الأزهر المنبهي بوصفهما قياديين بارزين من مؤسسي اليسار المغربي الجديد، ومن الكوادر التاريخية لمنظمة 23 مارس. وتلتقي كتابات الفقيد عبد السلام المودن، وكتابات الأستاذ علال الأزهر في دحض الأطروحات الانفصالية، في أبعادها السياسية، والوطنية، والقومية، والاشتراكية في مرحلة دقيقة من الصراع الداخلي الذي كان يتجاذب مواقف التنظيمات الثلاثة، سواء من داخل تجربة السجن ، أو خارجه. ولتيسير مقروئية هذه المواضيع سنعمل على استعراض أهم مضامينها، وخلاصاتها حسب التسلسل الوارد في المصدرين اللذين اعتمدناهما في انجاز هذا الملف.
فشل إجراء الاستفتاء في الصحراء المغربية،
الأسباب الموضوعية القاهرة
ماهي الأسباب التي جعلت الحالات التي تمت الإشارة اليها سابقا لا تنطبق على الوضع (النزاع) في إقليم الصحراء المغربية؟ لنحاول استعراض الحالات السابقة ومدى انطباقها او عدم انطباقها على الوضع في الصحراء المغربية.
أولا ، فهي ليست حالة استعمار دولة أجنبية لدولة أو شعب أجبني كما يروج لها خصوم الوحدة الترابية والجهات التي تدور في فلكهم. صحيح أن الأمم المتحدة وضعيته في خانة تصفية الاستعمار الإسباني ولكن الأمم المتحدة غير معنية بالبحث في التاريخ والسوسيولوجيا، فقد كانت تطلق على مدينة إفني صفة شعب ينبغي تصفية استعماره من طرف اسبانيا. فالارتباط بين المغرب وصحرائه ارتباط تاريخي والشق الأول من حكم محكمة العدل الدولية كان لآنذاك هو قوام السيادة الذي أنكرته المحكمة.
فسكان الصحراء يشكلون امتدادا وطنيا للمغرب بالتاريخ المشترك واللغة والإمتداد القبلي. فالعمق التاريخي معروف لدى الجميع ولدى سكان الصحراء أنفسهم لأنهم صنعوا هذا التاريخ الوطني منذ عدة قرون سواء كقبائل شكلوا دولا على كامل التراب الوطني «المرابطون…» أو الزوايا التي سعت الى توحيد المنطقة، ماء العينين والهبة وجيش التحرير المغربي بعد الاستقلال… ومن المفارقات المأساوية أن حتى قادة البوليساريو هم مغاربة أمن أحدهم بمغربية الصحراء وهو الوالي الذي قتل في ظروف غامضة ففي المذكرة التي بعث بها اليها زعماء الأحزاب الوطنية يؤكد فيها أن المنطقة كانت…» ومرتبطة ارتباطا وثيقا في غالب الاحيان بالسلطة القائمة في المغرب وكثيرا ما كانت تمارس سلطات مركزية من قبل هذه الحكومات على سكان المنطقة. وخصوصا في حالة الحروب، فكانت كثير منها تجند سكان المنطقة لنصرتها ويمكن القول أن المنطقة كانت اقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية الأخرى». هذه هي القناعة التي كانت لدى أحد المؤسسن الرئيسيين لجبهة البوليساريو عن علاقة الصحراء بالمغرب سنة 1973. أما المرحوم عبد العزيز فقد كان المغاربة يسمونه عبد العزيز المراكشي كناية عن أصله المغربي. من هنا يبدو وصف المغرب بالدولة المستعمرة لا يستند الى أي أساس من الأسس التاريخية المعروفة في التجربة العالمية.
كما أن الامتداد السوسيولوجي القبلي والعائلي الذي يخترق المناطق الجنوبية دونما حواجز عرقية أو ثقافية من إفني وطاطا وكلميم وطانطان مرورا بطرفاية الى العيون والداخلة هو امتداد جغرافي سوسيولوجي دون أن نذكر بهذا الامتداد في الاتجاه المعاكس، أي في العمق الوطني في الشمال والوسط الحاضن للأجنحة القبلية القادمة من الجنوب أيضا.
فكيف يمكن استساغة وهضم الحديث عن استعمار مغربي أجنبي للصحراء والدخول في مماحكات بهلوانية بين ممثلي البوليساريو وممثلي سكان الصحراء «المغرب» حول تحديد هوية صحراوية مختلفة عن الهوية المغربية؟ والمغرب لم يتساهل في وصفه بدولة احتلال في الصحراء من طرف الأمين العام المفروض فيه أن يكون محايدا فاتخذت الدولة المغربية إجراءات ردعية بسبب ذلك مست الوجود الامي في الصحراء، ثانيا كما ليس هناك اختلاف في الدين او اللغة يفرض اجراء استفتاء لتقرير المصير فالدين الإسلامي يوحد البلاد بكاملها سواء على المستوى الرسمي (الدولة) أو القانوني (الدستور) بل أكثر من ذلك فهم موحدون ضمن المذهب السني المالكي. كما أن كثيرا من الزوايا الصوفية انطلقت من الصحراء المغربية، واستطات «هذه الزوايا بمختلف طرقها أن تلعب دورا فعالا في تحديد الملامح العامة للأقاليم الصحراوية… وهكذا عرف الإقليم زوايا الشيخ أحمد الركيبي وسيدي أحمد العروسي وزاوية الشيخ ماء العينين… أنا ابنه الهيبة الذي قرر مواجهة الاستعمار الفرنسي للمغرب فقد وصل الى منطقة سيدي بوعثمان في دفاعه عن الاستقلال الوطني لبلاده المغرب».
ثالثا: هل هناك اختلاف قومي أو عرقي بين سكان الصحراء والشمال المغربي يفرض إجراء استفتاء لتقرير المصير القومية الصحراوية؟ أبدا فلا التاريخ ولا الثقافة ولا الاجتماع ولا حتى السياسة يؤكد وجود اختلاف قومي من هذا النوع، بل ان القومين العرب، كما هو معروف يعتبرون أن المنطقة الواقعة من المحيط الأطلسي الى الخليج تنتمي للقومية العربية ولكنهم فشلوا في توحيدها، كما أن قادة المنطقة المغاربية حاولوا مرارا الوصول الى مستوى من مستويات العمل الوحدوي بدافع وحدة التاريخ واللغة والثقافة والدين بين شعوبهم وفشلوا لحد الآن، وبالامكان تحقيق هذا الهدف لولا طموح العسكر الجزائري للهيمنة على المنطقة ولو أدى بهم ذلك الى العمل المثابر على تجزئتها.
والخلاصة ان هذه هي الأسباب الموضوعية القاهرة التي حالت وتحول دون تطبيق مسطرة الاستفتاء في النزاع المفتعل من طرف الجزائر في الصحراء المغربية وبشهادة منظة الأمم المتحدة وهي الشهادة التي سنتعرض لها في المنطقة التالية.