من الواضح جليا أن نظامنا التعليمي يعاني تقلبات واختلالات وإشكالات على مستويات مختلفة يمكن ملاحظتها في الأداء المدرسي وفي التقويم ونظام الامتحانات ، وهذا دليل على غياب نضج ثقافي تربوي واجتماعي ، وغياب رؤية و إرادة إصلاحية لمواجهة المشكلات المطروحة لاسيما حينما لا يسعى المجتمع التربوي من اجل حل هذه المشكلات والاختلالات عبر سن بيداغوجيا متوجهة للتلميذ تأخذ في حسبانها بشكل واضح الحاجات التي تمكن التلميذ من فرص التعلم والنجاح.
إن التلميذ يحتاج أن يجد نفسه داخل منظومة متجانسة، ويحتاج إلى أن يتكيف مع القوانين والضوابط التربوية، ويحتاج ومعه المجتمع إلى نظام تعليمي مدرسي عادل، ونظام تقييمي للامتحانات يكفل تكافؤ الفرص بين الجميع ولا يقيم آو يقوم الفرد في اللحظة الزماكانية للامتحانات .
انه إذا كان التقويم هو صناعة المستقبل عبر تأهيل وصناعة الأجيال ، فإن هذه الصناعة هي جزء من صناعة الاستراتيجيات المنهاجية بغاياتها وأهدافها وبرامجها وكتبها المدرسية وأساليبها التقويمية، وهي تعد من الخطوات الأساسية في الإصلاح الكلي للنظام التربوي قصد تحقيق الانسجام بين النظام التعليمي ومختلف أساليب التقويم . ومن الأسس الإستراتيجية في أي إصلاح وجود رؤية مستقبلية تتضمن التغيرات المنتظرة في أساليب التقويم ونظمه، حيث (لا يمكن الحديث عن تقويم تربوي بدون التوفر على مشروع أو رؤية تربوية…كما لا يمكن الحديث عن تقويم للتحصيل أو البرامج… بعيدا عن هذا المشروع أو هذه الرؤية التي يجب أن يتولد عنها مشروع ديداكتيكي تستند إليه عملية التقويم ) لأن (التقويم ليس عملية تقنوية أو تعريفا صوريا لمفهوم التقويم ..انه جزء من البحث الديداكتيكي والتربوي عموما وما يتطلبه ذلك من شروط وإجراءات).
وضعت الأدبيات التربوية التقويم ضمن مكونات المنهاج الدراسي لأنه يساير بناء التحصيل، ويؤشر على تراكم المكتسبات المهارية والمعرفية والوجدانية للمتعلمين، كما انه يمكننا من معرفة مدى تحقق أهداف المنهج ومن لمس نقاط الضعف والقوة فيه فاتحا الباب لإمكانية تجديده أو تطويره.
لقد شبه احد علماء النفس مكانة التلاميذ في وضع كهذا بصناديق سوداء لها مداخل ومخارج يغذى مدخل الصندوق من قبل المدرس الذي يمتحن التلميذ في المخرج، فإذا وجد جميع ما قدمه في المدخل من المعلومات والمعارف فمعنى ذلك أن الصندوق (التلميذ) منظم تنظيما جيدا ويستحق مكافأة، لان التقويم لا ينصب سوى على قياس المدى بين ما قدم التلميذ وما استرجعه هذا ألأخير وفي جميع الأحوال، فإن المدرس في مثل هذا النظام المدرسي لا ينتظر أبدا الحصول في المخرج على أكثر مما قدمه في المدخل. (د.احمد اوزي – علم النفس التربوي – ص: 9).
إن الشكل الذي ترد فيه الامتحانات الاشهادية – البكالوريا – ساعد على ظهور واستفحال الكثير من الظواهر السلبية التي تمس بمبدأ تكافؤ الفرص والإنصاف وتخلق تنافرا بين نظام التحصيل ونظام تقويمه ومنها:
انتشار الساعات الإضافية للتحصيل خارج الفصل الدراسي وخارج المؤسسة المدرسية مؤدى عنها ودون ضوابط مهنية أو أخلاقية أو تربوية.
تنامي سلوك الغش في الامتحان وتطور أساليبه وتزايد المشجعين عليه من مواقع مختلفة والتلكؤ في تنفيذ مساطر ردعه ومنعه.
إرهاق المصححين بإعداد كبيرة من الأوراق في وقت ضيق مما يدفع البعض بالانسحاب من هذه المهمة بدواعي متعددة ، آو يقبل على التصحيح بمعنوية مهزوزة ، أو يصحح بوثيرة سريعة لا تحقق الإنصاف والموضوعية و الوثوقية.
عدم استعمال التقويم لأدوات متنوعة ومتكاملة، كاختبارات السرعة والدقة والنطق والاختبارات المقننة أو تنويعها من حيث الأسلوب والمراحل والأدوات .
ضعف المردودية الداخلية، حيث أن نسب الهدر والتسرب الدراسي والتكرار من جهة ونسب التخرج من الأسلاك من جهة ثانية ما تزال تجسد مشاكل حقيقية، سواء لتعميم التعليم أو لتحقيق مردوديته الداخلية والخارجية، فالأرقام ما تزال مخيفة ومقلقة من نسب الهدر والتسرب والتكرار وخصوصا في السنوات الاشهادية .
التقويم الحالي لا يهتم إلا بالتلاميذ الناجحين و يهمل الراسبين والمهددين بالفصل ، رغم أنهم مؤهلون مبدئيا من الجانب التربوي والمعرفي .
عدم تغطية كافة جوانب المنهاج الدراسي وما يتضمنه من رصيد معرفي ومهارات و مواقف .
أمام اكتساح هذه الظواهر غير التربوية للواقع التعليمي وارتباطها الوثيق مع نظام وأساليب الامتحان، يطرح من جديد مشكل المفهوم نفسه هل هو تقويم منتظم مضبوط لتحصيل تراكمي ومبني عبر مسار محدد ؟ أم انه امتحان في لحظة معينة يحمل كل الثقل التاريخي للدلالة الأخلاقية للمكانة (العزة أو المهانة) وليس تقويما خاصا بالتحصيل الدراسي؟
وهل نظام الامتحانات ينسجم مع مسار اكتساب المعارف والمهارات أم انه بقي فعليا مجرد لحظة مختلفة تخلق الخوف والتوجس لدى التلاميذ والتلميذات وتنهي بعلاماتها مرحلة أو مستوى تعليميين ؟( المنتدى الوطني للإصلاح – المكتسبات والأفق – يونيو 2005)
إن الامتحانات أو تقويم مكتسبات التلاميذ تبقى هي المدخل الأساسي لكل الإصلاحات،وبالتالي فلابد من تطوير أساليب التقويم والامتحانات وتجاوز المشكلات التي أفرزتها الأنظمة السابقة والحالية للامتحانات، من قبيل النظر العميق في صيغ الاختبارات المختلفة وربطها مع سيرورة التعلم ، واعتبارها جزء لا يتجزأ من التكوين لمواجهة التجاء التلاميذ إلى اعتماد أساليب الغش مع تفعيل دعم متوازن ومدروس للتلاميذ المتعثرين في دراستهم وكل ذلك من خلال النظر إلى التطوير المستمر للمناهج.
وعلى الرغم من بعض التحسينات الذي عرفتها امتحانات البكالوريا في إطار الأكاديميات، إلا أن البحث عن صيغ أخرى للتقويم تكون ناجعة ومنصفة من الصيغ الحالية، فان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في وثيقته التشريعية التربوية (الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030) قدم القليل من المقترحات العملية – عموميات – يراها المجلس كفيلة بتحسين أدوات تقييم التحصيل الدراسي والتكويني على نحو يكفل تكافؤ الفرص بين المتعلمين من قبيل:
تطوير دلائل مرجعية دقيقة حسب المستويات والأسلاك للأنشطة التقييمية سواء التشخيصية منها أو التكوينية أو الاشهادية أو المندرجة في إطار المراقبة المستمرة.
تخصيص المناهج والبرامج لحيز يتناسب ومكانة التقييم وأهميته من حيث التوجيهات التربوية والزمن والأنشطة والوظائف.
تبسيط ومعيرة آليات التقييم والدعم التربوي ضمانا لتوفر المتعلمين على حد مقبول للنجاح ومتابعة الدراسة فيما بين المستويات والأسلاك التعليمية.
إعادة الاعتبار والمصداقية للامتحانات الاشهادية وخاصة البكالوريا والرفع من جودتها من خلال إعطاء الأولوية في السنوات الاشهادية للامتحانات الموحدة جهويا ووطنيا تحقيقا لمبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص .ص39/40
البكالوريا : هل هي شهادة على النجاح الاجتماعي؟
تحظى شهادة البكالوريا في مجتمعنا بمكانة قصوى من الناحية الاجتماعية، لأنها لا تعكس فقط نجاح الفرد ،وحصوله على البكالوريا، وإنما أيضا تعكس نجاح الأسرة، فهذه الشهادة تخول لحاملها ولوج المعاهد والمدارس العليا والجامعات من جهة ومن جهة أخرى فهي تعتبر من الناحية الاقتصادية مصفاة للتموقع في سوق الشغل، ومن الناحية التربوية فهي تتويج لمرحلة ما قبل الجامعة.
هذه القيمة التي تحظى بها شهادة البكالوريا جعلتها مقياسا عالميا يقاس على أساسه أداء المنظومات التربوية، وهذا ما أدى إلى تزايد اهتمام الباحثين والخبراء وكذا المنظمات العالمية بهذا المعيار (الشهادة)، ولقد أنجزت دراسات عديدة ومختلفة تدور إما حول طبيعة البكالوريا أو تبرز أهميتها بالنسبة للفرد أو المجتمع. (تعتبر الشهادة والمدرس رموزا أساسية في النظام التعليمي)- محمد بوبكري.
يرى ايفان ايليتش Ivan Illich أن النظام المدرسي ليس سوى نظام سباق من اجل الحصول على الشهادات ، انه نظام مغلوط يهدف إلى إنتاج تلاميذ طيعين مستعدين لاستهلاك مقررات مهيأة من لدن «السلطات «ومن اجل طاعة المؤسسات وبذلا منها يجب أن تحل محلها علاقات بين «أطراف متساوية « وتربية حقيقية تعد التلاميذ للعيش في الحياة .د احمد اوزي – علم النفس التربوي – ص:1
هذه الأهمية القصوى التي تحظى بها شهادة البكالوريا محليا وعالميا جعلها مقياسا للجودة والجدوائية التربوية, وهي حمالة للقيم الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتي اكتسبتها من قوانين وأنظمة ومؤسسات المجتمع المدني ومنها:
القيمة الأولى :قيمة اجتماعية تبوأ حامل الشهادة مكانة اعتبارية داخل المجتمع والأسرة.
القيمة الثانية : قيمة اقتصادية تسمح لحاملها ولوج سوق العمل لأنها تحل محل مصفاة للتموقع في سوق الشغل.
القيمة الثالثة :قيمة علمية وهي مفتاح الولوج إلى المؤسسات الجامعية العليا حيث سيكتسب فيه الطالب خبرات ومؤهلات ترفع من حظوظ انتمائه بسرعة بعالم الشغل آو التوجه إلى الحياة العملية.
البكالوريا شهادة مكلفة
ماديا ومعنويا
في نهاية كل موسم دراسي تعلن الوزارة حالة الطوارئ في كل المراكز والمديريات والأكاديميات تأهبا لخوض معركة البكالوريا، فتجند كل جنود التربية والتعليم من الأساتذة و الإداريين والمفتشين والأعوان والحراس والسائقين والمنظفات وكل الأفراد المحسوبين على القطاع… والكل في أهبة واستعداد لمعركة اجتماعية مسلحين بالصبر ونكران الذات ومهمتهم السهر على تنفيذ المهمات والعمليات الدقيقة الواردة في دفتر المساطر ودلائل الإجراء دون أخطاء آو خسائر تربوية وإلا فإن الحساب سيكون عسيرا على الإجرائيين (رؤساء المراكز ومراقبو الإجراء) الذين تنزل عليهم «اللعنة» الإدارية .
انه في كل موسم من مواسم الامتحانات تقوم الجهة الوصية على القطاع بتحيين آو استنساخ المساطر التنظيمية مرفقة بالمذكرات والدلائل الإجرائية تحدد فيها مهام كل الهيئات والمؤسسات التربوية المتدخلة في هذا الامتحان، ويحتوي دفتر المساطر الصادر هذه السنة – 2019 – على عشرة أبواب مفصلة إلى 127 مادة تبدأ من عملية الترشيح ومعالجة الترشيحات إلى محاربة الغش، آما الوثيقة الإدارية التنظيمية الرديفة، فهي دليل رئيس مركز الامتحان وفيها يتم تحديد مهام رئيس مركز الامتحان وفق مقتضيات دفتر المساطر ويهم هذا الدليل كل العمليات التي على رئيس المركز القيام بها، بدءا من الإجراءات التحضيرية إلى إعداد مركز الامتحان، وتوزيع المترشحين ، وختم أوراق التحرير و التسويد ، وتسليم وتسلم المواضيع ، وحفظ مواضيع الامتحان ،وتنظيم الحراسة والمداومة، وتحصين ظروف الإجراء وإجراءات الحد من الغش إلى،،،،إلى,,,,الى إعلان النتائج وتوزيع الشواهد …كل هذا وغير ذلك على عاتق رئيس المركز وآي خلل فهو المحاسب، وهو المتهم والمقصر .
ولا أدل على هذا الحرص الإداري الشديد ، إطلاق أسماء جديدة على المؤسسة التربوية التي يجرى فيها الامتحان وعلى أطرها وأعوانها من قبيل :مركز الامتحان (عوض الثانوية) – رئيس المركز(عوض مدير الثانوية) – كتابة الامتحان (عوض الحراس العامون والنظار والملحقون التربويون ) – مراقبو الإجراء (عوض اطر التدريس) – ملاحظ الجودة (عوض المفتش)– المداوم …
إن قيادة فيلق الإجراء تسند للمدير أو المفتش بتكليف مكتوب وهي ليست وظيفة أو مهمة دائمة ، وهذا يعني أن المسؤول التربوي لا يملك حق القيادة بمجرد انه موظف أو مسؤول إداري لان هذه المهمة محدودة في الزمان والمكان و الإجراء وهذه المهام أو الإجراءات لا تدرس في معاهد التكوين وإنما تكتسب بالدربة والتجربة وتكرار التجارب على مر الحياة الإدارية والتربوية، وهذا ما لا تفهمه النصوص التنظيمية التي تتعامل بلغة بيروقراطية سلطوية مع رؤساء المراكز وتخاطبهم بلغة التحذير والتهويل والتهديد …. كما أن المفاهيم المعتمدة في هذه المساطر فيها إغراق في التقنيات والشكليات الإدارية، وابتعادها أكثر عن المنظور التربوي مما أدى إلى ما نجنيه اليوم من تفاقم الظواهر السلبية كالغش والتحايل والحظ في الامتحان .
إن تكلفة تنظيم الامتحانات تبقى باهظة ماديا ومعنويا، ونخص بالذكر تزايد عدد المترشحين لامتحانات البكالوريا سنة بعد أخرى. إنها تكلفة ضخمة تخص التنظيم المادي والبشري واللوجيستي: بدءا من تنظيم لجان إعداد المواضيع حسب الشعب والمواد وتحديد مراكز الامتحان وتهييئها ، تم مراكز التصحيح وتحديد قوائم المراقبين والمصححين، وقبل ذلك تحديد قوائم رؤساء المراكز وكتابة الامتحان ثم تاتي مرحلة استنساخ الاستدعاءات بمئات الآلاف من النسخ حسب عدد المترشحين ، و ما يستهلك من أوراق التحرير والتسويد الخاصة بالامتحان بمئات الآلاف من النسخ الورقية ،وعدد مماثل من نسخ مواضيع الامتحان وبعدها تأتي تكلفة عمليات التصحيح والمداولات . انه استنزاف مالي ضخم وبنتائج لا تعكس هذه التكلفة ؟
كوابيس الامتحان: الخوف – الفشل – الألم – التمرد
ما يزال الامتحان مصدر خوف وتهديد ومحاكمة شخصيه حيث ما يزال هدفا في حد ذاته بالنسبة للتلاميذ وللآباء والأسر والمؤسسة التربوية والمجتمع عامة. وتزداد كوابيس الامتحانات والأحلام المزعجة خلال هذه الفترة فتزيد في إضعاف شخصية التلميذ وتدفعه بالهروب من واقعه ومحيطه, بل تكون أحيانا هذه الكوابيس المزعجة أكثر سادية رغبة في تحطيم الآخر (المدرس – المؤسسة -) أو مقاومة محيطه الصادم.
إن القلق والاكتئاب خلال الامتحانات تسبب في الاضطراب الاهتياج والهوس والخوف الزائد وهذا يؤدي ويصيب كثيرا مشاعر التلميذ وعواطفه وينتقل ذلك إلى قدراته الأخرى بما فيها قدراته على التفكير السليم والتركيز الذهني.
إن الممتحن يعيش أجواء الامتحان وهو تحت تأثير الضغط النفسي والمحيط مع إحساسه بمخاطر الفشل. انه يكون في حالة اختلال أو يكون غير متزن , ويعيش عدم استقرار نفسي لشعوره بالقلق والتوتر الناتج عن تعرضه لضغوطات اجتماعية ونفسية وإحباط وخوف من الفشل.
عند اقتراب ألامتحانات تزداد معاناة التلاميذ من كثرة القلق و الاضطراب وقلة التركيز الناجم عن الخوف من الفشل في الامتحان مع ارتفاع درجة الإعياء والإنهاك إلى مستوى الانهيار النفسي والجسماني والذهني، فالتلميذ ينهك كل قواه الذهنية والنفسية والعقلية والجسمية خلال المراجعة الشاملة لمقرر الامتحان. فتزداد وتيرة الخوف والقلق والفزع والكوابيس المزعجة عند التلميذ والطالب الممتحن, أما الآباء والأمهات وأولياء الأمور فيعانون من ضغوطات اجتماعية ونفسية, ومن تخوفات لا تمكنهم من مساعدة فلذات أكبادهم من التخفيف عليهم من هذه الكوابيس الامتحانية.
هكذا يضاعف نظام التقويم الأكاديمي من معاناة التلاميذ وحتى الأساتذة والأطر الإدارية والتربوية والآباء والأمهات وتتكرر هذه المعاناة في كل سنة خلال فترة الامتحانات فيزداد الضغط النفسي والقلق الذي يعيشه التلميذ من جراء هاجس البكالوريا، والذي ما يزال شبحا مخيفا وهاجسا مسيطرا على النشاط الدراسي للتلميذ.
إن الخوف من الفشل يزيد من التوتر والتعصب, كما أن العوامل الثقافية المتوارثة ووسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، كلها تساعد في تنامي وثيرة الخوف والقلق وكذلك التنشئة الاجتماعية وأساليب المكافأة والعقاب التي يتلقاها التلميذ المراهق في حياته إما من خلال : القوانين التربوية الزجرية أو قوانين السلطة الاجتماعية الأبوية والمؤسساتية.
إن الخوف من الفشل أو الإحباط أو الألم الذي يحدث خلال الصراع مع الآخر أو يحدث حين الفشل من الامتحان قد يتحول إلى عدوان أو يسبب الشعور بالكراهية تجاه الآخر (السلطة التربوية).
يقول أمبري Embree أن ازدياد التوتر و التعصب هو نوع من أنواع النرجسية أو عشق الذات . فمغالاة الأفراد في حبهم لأنفسهم أو إعجابهم بها وكل ما يماثلها أو يلوذ بها تجنح بهم إلى ضروب مختلفة من كره ومقت للآخرين الذين يختلفون عنهم.
لكن من العجب أن نرى في العصر الراهن علماء الاجتماع وعلماء النفس الإجرامي ورجال القضاء، يهتمون بوضعية هؤلاء الأفراد الجانحين الذين يرتكبون بعض المخالفات التي منها تعنيف الأستاذ والاستهتار بالقوانين الضابطة للعمليات التربوية (محاربة الغش)، يقرون بان هؤلاء الأفراد أو التلاميذ الجانحين يجب أن ننظر إليهم على أساس أنهم مرضى لا على أساس أنهم مجرمون ، الشيء الذي يدفع لعلاجهم، لا التفكير في عقابهم . لذا تلجا العديد الأنظمة التربوية الأجنبية إلى الاستعانة بالإرشاد السيكولوجي خلال فترة الاستعداد للامتحانات قصد:
العمل على تسهيل التغيير في السلوك العدواني.
محاولة تحسين كفاءة التلميذ في الامتحانات الاشهادية.
تقوية فعالية التلميذ وكذا قدرته على مقاومة المشاكل والضغوطات النفسية.
إن التقويم التربوي آو الامتحانات يجب أن تكون ذي بعد شمولي حتى تقوم بالدور التربوي العلمي المنتظر منها، كما يجب عدم الوقوف عند حدود الحكم النهائي على التلاميذ بالفشل أو النجاح، بل العمل على قياس مدى التقدم الحاصل في اكتساب المعارف والمهارات اللازمة وإرشاد المتعثرين بدعم مجهودهم وتغطية ثغرات تعلمهم دون احتقار أو تصغير أو ترهيب ، مع جلب الفائدة والإمتاع ودون توتر أو معاناة من الأجواء والقوانين المتشددة, لأن تامين الجو النفسي الملائم يزيح الأحلام المزعجة والكوابيس المرعبة ويخفف الضغوطات النفسية عن الممتحن ويقلل من تخوفاته وتوتراته.
* مدير ثانوية – الدشيرة الجهادية