اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة ٠فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز
خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.
الدكتورة ابو المعز حريصة على السر المهني وعلى هوية الملفات المحالة عليها لا تتحدث في التفاصيل بقدر ما تتحدث في العموميات خوفا من تسرب معلومات مازالت في طور التحقيق.
فمصلحة الطب الشرعي، تتعامل مع مصالح الشرطة والدرك والقضاء، وهي الجهات المخول لها طلب تدخل المصلحة لاستقبال أية جثة مشكوك في سبب وفاتها.
لكن دون تسريب أية معلومة تخص التشريح أو نتائجه ففور عثور مصالح الامن على ضحية مفارقة للحياة، تنقل جثة الضحية بغرض تشريحها لمعرفة سبب وفاتها.
وبعد نقل الجثة إلى المصلحة ، يتم القيام بالإجراءات الإدارية اللازمة من لدن النيابة العامة لبدء عملية التشريح. ومباشرة بعد تسلم الوثائق الإدارية
تسرع الدكتورة ابو المعز إلى غرفة التشريح، حيث يوجد جثمان الضحية، لتقوم بعملها الذي دأبت عليه منذ ما يناهز العقدين.
تقول الدكتورة إن عملية التشريح لا تستثني أي عضو من أعضاء الجسد، ولا يجب الاقتصار على تشريح الرأس مثلا دون بقية الأعضاء، وذلك للوصول إلى نتيجة دقيقة ومضبوطة.
وتتطلب عملية التشريح، حسب المتحدثة، كثيرا من الدقة، «فمثلا عندما نكون أمام جثة مصابة بطلق ناري ومضروبة بآلة حادة، فإننا نثبت من خلال التشريح أي الإصابتين أدت إلى الوفاة، لأن من شأن ذلك أن يساعد القاضي على معرفة المتسبب في القتل وبالتالي إعطاءه ما يستحقه من عقاب».
وتوضح أنه «في بعض الحالات ترد علينا جثث تبدو ظاهريا وكأن أصحابها انتحروا، لكن بعد التشريح يتضح أن الأمر يتعلق بعملية قتل».
وتتذكر أبو المعز حالة من هذا النوع عندما عثرت مصالح الأمن على جثة مرمية وسط خلاء بدون أية آثار اعتداء، فكانت الفرضية الأولى هي أن هذه الوفاة نتيجة انتحار، لكن التشريح أثبت أنها الضحية تعرض للخنق من طرف شخص آخر تكفل بنقلها إلى ذلك المكان لإيهام الشرطة بأن الأمر يتعلق بعملية انتحار.
بين التشريح وظهور النتائج، مدة قد تعد بالساعات أو بالأيام أو بالشهور، بحسب كل حالة، لكن المصلحة تبقى دائما على اتصال مع الجهة التي تحيل عليها الجثة، إذ يبعث بتقارير مفصلة عن كل مستجد.
بعد إجراء التشريح، ترسل النتائج مفصلة إلى وكيل العام الذي يقرر بناء على تلك النتائج إما الإذن بدفن الجثة أو الاحتفاظ بها داخل المركز إذا كان الأمر يقتضي مزيدا من التحاليل. لكن الدكتورة ابو المعز أكدت أنه في غالب الأحيان، تغسل الجثامين وتكفن وتسلم إلى ذويها ليقوموا بدفنها بعد نقلها بواسطة سيارات الإسعاف.