امرأة في مواجهة الموت -9- العيش وسط الأموات، يذكرك بالموت

اختارت أن تعيش بين الثلاجات وطاولات التشريح، أن ترافق الأموات طيلة 15 سنة تقريبا وهي تستنطق الجثت بحثا عن عدالة فوق الأرض قبل تحتها، مشاريط متنوعة ومناظير مختلفة وحقائب وقناني بيولوجية بمشرطها تُعلي الحقيقة، كما ان تقاريرها لا يدخلها باطل فهي مهيأة لتنصف المظلوم، مشاهد الموت اليومية لم تضعف قلبها أمام موت متكرر ليل نهار وعلى مدار السنة. فقد اعتادت العيش وسط أجساد متحللة وأشلاء بشرية واجساد متفحمة واخرى فقدت ملامحها٠من أجل أن تعلن عن الحقيقة كاملة انها الدكتورة ربيعة ابو المعز خلال هذا الشهر الفضيل سيبحر معنا القارئ لتفكيك جزء من مرويات الدكتورة ربيعة ابو المعز إخصائية الطب الشرعي بمستشفى محمد الخامس.

 

ما إن يفتح لك الباب المؤدي إلى مستودع الأموات بمصلحة الطب الشرعي حتى ينتابك شعور بالخوف وتسري في جسدك قشعريرة باردة، ليس بسبب انخفاض درجات الحرارة هناك ولكن لإحساسك بأنك انتقلت من عالم الأحياء إلى آخر عالم الأموات…
أشخاص لقوا حتفهم في ظروف غامضة، وآخرون قضوا جراء الاختناق بالغاز أو بفعل حوادث السير، أو تسببت حوادث للشغل في وفاتهم، أو انتحروا.. كلهم راقدون هناك في سبات عميق داخل ثلاجات «بشرية» يثير أزيزها المزعج الخوف في نفس كل من يسمعه.
وتتوفر المصلحة على عدة وسائل وتجهيزات تستخدم لأغراض التشريح ومواد كمياوية تحشى بها الجثث لكي تبقى على حالتها الطبيعية٠
ورغم لقاءها يوميا مع الموت، إلا أن الدكتورة ابو المعز ، رئيسة مصلحة الطب بالجديدة ، ما زالت تتفرد بقوتها المعهودة، التي مكنتها من سبر أغوار عالم يتهرب منه الرجال قبل النساء
لتكون من بين قلة قليلة من النساء في المغرب التي تحمل على عاتقها مهمة استنطاق الجثث، بهدف تعبيد الطريق أمام العدالة لتقول كلمتها، دون ترك أي مجال للشك.
غير أن منظر الاموات والجثت المنتشرة بالمصلحة لم تفقدها والعاملين معها تلك الابتسامة الجميلة،
الاستقبال الجيد والبشوش للدكتورة ربيعة ، والطاقم الذي يشتغل معها، لا يخفي تلك الخدوش التي تسببت في رسم ذكريات حزينة كانت وراء التأثير في نفسها والفريق العامل معها ، خصوصا وفيات الأطفال والرضع الذين تصفهم بالملائكة ، ذلك أنه حتى لونهم الوردي لا يتغير بعد التشريح حسب ذكرها مما يؤثر بشكل لا يتصور على نفسية الجميع.
إن العيش يوميا مع الموت ليس بالشيء الهين والهاديء، مشيرة إلى أن حياتها كلها تغيرت بعد دخولها هذا العالم.
فالأفضل أن ينسى الانسان الموت، عكس الفريق الذي اشتغل فيه حيث نعيش في وسط حزين يوميا ، ونرى الناس يبكون ويتألمون.تضيف الدكتورة ربيعة
فقد كانت ابو المعز تتمنى أن تعالج المريض وتعطيه الحياة أكثر من العيش في هذا الميدان الصعب.فهي لا تخاف من الموت لأنها أصبحت بالنسبة إليها شيء تافه، لكن العيش في وسطها أثر في نفسيتها ، فكل يوم تقف امام المشرحة تتذكر موتها هي الأخرى تعتقد أنه يمكن أن يكون اخر يوم في حياتها ، فهي الأخرى يغادر ذات يوم هذا العالم ربما بشكل عادي فوق السرير أو في مقر العمل أو في الطريق، ويتعرض هي الأخرى على طبيب شرعي قصد تحديد أسباب الوفاة ٠
فقد كانت ابو المعز تتمنى أن تعالج المريض وتعطيه الحياة أكثر من العيش في هذا الميدان الصعب.الا ان إرادة ولوج الطب الشرعي كانت اقوى من غيرها فكان ما كان. وتلك قصة أخرى


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 12/04/2022