عيسى بن عمر العبدي.. قائد عبدة
لما هزم المولى عبد الله أخاه المولى المستضيئ… وشرده، أقدم عليه الرحامنة وأهل الحوز، وطلبوا منه أن يذهب معهم لمراكش، فعين السلطان ولده سيدي محمد ووجهه معهم. وأصبح نائبا عنه في منطقة الحوز، ولما وصل مراكش نزل بقصبتها، وهي يومئذ خراب ليس بها إلا البوم على الجداران المخربة من آثار السعديين والموحدين، ثم شرع في حفر أساس داره، بالفضاء البعيد عن القصور المخربة بها، من داخل السور، لكي يتخذها مقرا لحكمه، إلا أن عرب الرحامنة لما رأوا ذلك، اتفقوا على منعه. لأنهم ألفوا العبث في أطراف مراكش وأحبوا أن لا تكون بها دولة تكبحهم عن ذلك، فاجتمع طائفة من غوغائهم وتقدموا إلى الخليفة سيدي محمد وواجهوه بالمنع.
يكمن إيجاد تبرير لهذا الموقف من خلال الدعم، الذي قدمته الرحامنة للمولى المستضيئ ضد المولى عبد لله، فلعل احتمالات الانتقام كانت واردة لديهم، من طرف ابنه وخليفته المولى محمد بن عبد لله، لذلك واجهوه بالمنع، وأخرجوه من القصبة، ومن مراكش بعد أن شرع في البناء. فتوجه المولى محمد بن عبد الله الى شيعته من عبدة، فتلقته عبدة واحمر بالفرح والحبور.. ولعبوا بين يديه سرورا بمقدمه، وساروا معه لثغر أسفي، فنزل بالقصبة.. وتسابقوا في خدمته، وأوصلوه بكل ما قدروا عليه، واهدى له تجار أسفي من المسلمين والنصارى واليهود.. فأقبلت الى أسفي المراكب من كل ناحية وترادفت عليه الخيرات، فجلب الأوربيين إلى أسفي، وشجع مجيئهم، وذلك قصد إضعاف دور سلا في التبادل التجاري بسبب موقعها وتمردها على أبيه السلطان مولاي عبد الله .
واستفادت أسفي، واتسعت تجاريا، بسبب إقبال السفن بالسلع والبضائع، ما نتج عن ذلك من رواج أدى الى زيادة الموارد، فكثرت الأموال بيد الخليفة. وعظم أمره وداع صيته، وتزايد مناصروه، وأصبحت أسفي مقرا لخلافته، فدخلت المناطق المجاورة في طاعته، كالشياضمة، وحاحا، وغيرها. ولم تمض الا مدة قليلة، حتى اجتمع عليه عدد كبير الفرسان، كانوا أول جيش أسست عليه الخلافة، ثم شرع في تنظيم أمورها .
ولما داع صيته بمجموع القبائل الحوزية، وتأكدوا مما أدركته عبدة واحمر من أهمية، بدأ الخوف يدب لما بينهما من عداء، فاجتمع أعيانهم وأقبلوا عليه بأسفي بهداياهم والتزموا بطاعته، واعتذروا عما وقع منهم، ونسبوا ذلك إلى السفهاء منهم، وتضرعوا له… وأقسموا أن لا يبرحوا بابه ولا يرجعون لخيامهم إلا وهو معهم. وقد وجد المولى محمد بن عبد الله في هذا الموقف فرصة، لإعادة تجميع قبائل الحوز حوله، واسترجاع مراكش مقرا لخلافته، لذلك طاوعهم بعدما تأكد من صدق موقفهم، فتوجه معهم إلى مراكش بصحبة أعوانه، وخدامه من عبدة وفرسانها في الخيل العتاق والسلاح الفاخر والزي الملوكي ودخل مراكش معززا بعد أن طرد منها، ونزل بمحله من القصبة، وتسابقت أحواز مراكش بهداياهام، وكذلك قبائل الدير، منافسة لعبدة وأحمر، فعادت مراكش مقرا للخلافة بعد أن أقام بها المولى محمد بن عبد الله، وشرع في ترميم ما هدم من أسوارها، وخصوصا القصبة التي حصنها وعزلها عن المدينة .