انتهاء الإرسال

1
المكان : شقة في الطابق الثاني، ونافذة تطل على ورشة للبناء .
الزمن : ربما العاشرة ليلا، ولا شيء يكسر الصمت عدا أغنية «حبي» لـ»ريتشارد أنتوني».
2
أمام المرآة امرأة في الخمسين، تصفف شعرها بمسط عاجي، تمضغ شوينغوما بنكهة النعناع، ويبدو أنها مبتهجة وتتمايل بغنج .
3
في أقصى الصالة، رجل تحت الخمسين يحتسي النبيذ، ويغني مع « ريتشارد أنتوني «:
«حبيبتي، إن النوافير جفت، حبي
بسبب الشمس ورياح السهول
والسنوات التي مرت
الوردة في القلب أصبحت حافية القدمين
وبطيئة النمو «
4
الساعة تشير الى العاشرة ونصف، الرجل والمرأة عيناهما على التلفاز، وكالعادة ليس سوى الحرب والجثث على الرصيف. ولأن المشاهد مفجعة وجارحة، أطفأ التلفاز، وصب في جوفه أكثر من كأس، ولا شيء يعكر صمت الليل سوى رشق المطر لزجاج النافذة.
-الحرب امرأة واسعة الحبل ( قال الرجل لافتا نظر المرأة إلى عهارة الحرب )
حركت المرأة حاجبيها للأعلى، زمت شفتيها ثم نظرت إلى السقف، وكأنها تريد أن تحلق بعيدا عن الحرب، وتكفيها ندوب حروبهما الصغيرة التي خسراها كل هذا العمر، ولا تريد أن يموتا غما وكدرا .

5
الرجل مازال يجلس على أحد الكراسي الخشبية، يحتسي كؤوس النبيذ، وأحيانا يفتح كراسته كي يكتب على هامش الورق :
« أريدك أن تعشقيني
على طريقة فان
أن تقطعي أذنك
وتقذفي بها في صندوق البريد
كي يتسلمها جاري
عن طريق الخطأ)

6
المرأة بدورها تجلس على أحد الكراسي الخشبية قبالة الرجل، وتتصفح اليوتوب لتقع عيناها على قصيدة « جسدك بيتي» ليانيسزبتسوس»:
« ليس لي بيت آخر .. أسكن جسدك
تحت جلدك .. أريد أن أبني في جسدك .. بيتي
كم هي شاهقة قبلاتك ..تعلو بي ،
أتيه … أطيب .. ضميني
أنا متشرد .. جسدك ملاذي «
لتشعر باليتم والتشرد والحاجة إلى جسد تشتهيه ليحتويها ،لأنها تعبت داخل هذا المخبأ كما أتان مربوطة إلى حبل طويل، وتدور حول نفسها، ولا شيء أكثر .

7
لا بد أنهما نزلا سلم العمارة في اتجاه المحطة ، وكانا مملوءين بأشياء تركاها في غرفة النوم ، لا..في غرفة الاستحمام .
8
الرجل يودع المرأة في محطة الحافلات بابتسامة متعبة، وتكتفي بابتسامة وبتلويحة خاطفة،وظلت تراقبه من زجاج نافذة للإغاثة، وهو يغادر المحطة، ثم أخيرا انطلقت الحافلة .

9

في الحافلة، خطر ببال المرأة أن تهاتف الرجل، كان هاتفه مغلقا، وحين عاودت الرنين، ردعليها صوت بصيغة المؤنث :
– حبيبك مشغول معي مدام ( وأطلقت ضحكة ساخرة )
سرت في يديها قشعريرة باردة، شعرت بجسدها كما لو يتداعى، وسقط منها الهاتف، كي تلتقطه بالكاد ، وبيدين مرتجفتين فتحت بريد الياهو لتكتب له رسالتها الأخيرة :
« لأن حبي تروتسكي ونقابي، يبدو لي من غير المنطقي أن أستمر معك، ولا أمتلك خيارا غير هذا، أعرف أن هذا سيكون مؤلما لي مؤقتا ، لكن مواقفي علمتني أن التفكير في الخيانة، خيانة، . والآن أنا عاجزة تماما عن الوصول إليك، لأنك متعدد ، خائن … وغامض التفاصيل ..
كن بخير
أنا

10
و.. مازالت الحافلة المنجورة …


الكاتب : عبد لله المتقي

  

بتاريخ : 05/07/2024