انطلاق الجيل الخامس رسميا المغرب وتوقع 4 إلى 6 ملايير دولار من العوائد الاقتصادية حتى 2030

زيادة الاستثمارات الرقمية بـ 40 مليار درهم وتأثيرات مباشرة على 20 قطاعا

في تحول نوعي يؤشر على دخول المغرب رسميا عصر الاقتصاد الرقمي المتقدم، أعلنت كل من اتصالات المغرب وأورنج المغرب وإنوي، يوم الجمعة 7 نونبر 2025، عن التشغيل الفعلي لشبكات الجيل الخامس (5G)، ليصبح المغرب واحدا من أوائل البلدان الإفريقية والعربية التي تعتمد هذه التقنية الجديدة. هذا الإطلاق المتزامن، الذي يأتي بعد المصادقة على الإطار القانوني المنظم لتوزيع رخص الجيل الخامس، يشكل نقطة تحول في مسار تحديث البنية التحتية الرقمية للمملكة، ويمثل بداية مرحلة جديدة من النمو الاقتصادي القائم على الابتكار والتكنولوجيا.
ويوفر الجيل الخامس سرعات اتصال تتجاوز 2 جيغابايت في الثانية، مع تأخير لا يتعدى 10 ميلي ثانية، ما يتيح استخدامات متقدمة في ميادين الإنتاج الصناعي، النقل الذكي، التعليم، الصحة، والخدمات الإدارية. وفق تقديرات BMCE Capital Global Research (BKGR)، يمكن أن تبلغ الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لهذه التقنية بين 4 و6 مليارات دولار في أفق 2030، أي ما يعادل نحو 2% من الناتج الداخلي الخام. كما تشير الدراسة إلى أن حجم الاستثمارات الإضافية في البنى التحتية والخدمات المرتبطة بها سيصل إلى 40 مليار درهم، ستضخها كل من الشركات المشغلة والقطاعان العام والخاص في إطار الشراكات الرقمية الجاري إعدادها ضمن مخطط «المغرب الرقمي 2030».
وقد أعلنت اتصالات المغرب، الفاعل التاريخي في القطاع، عن عروض 5G بأسعار تبدأ من 119 درهما شهريا، مع خدمات مضافة تشمل منصات TOD التابعة لـ»بي إن سبورتس»، وStarzPlayوGlovo Prime، إضافة إلى باقات شاملة لخدمة التجوال الدولي ابتداء من 199 درهما. كما أطلقت الشركة عرض “El Manzil 5G”، الذي يوفر جهاز BOX منزليا جديدا بسرعات فائقة واتصال ثابت، يستهدف فئة الأسر والمكاتب الصغيرة.
أما أورنج المغرب، فقد باشرت تغطية أكثر من 100 مدينة مغربية في المرحلة الأولى، مع خطط لتوسيعها تدريجيا إلى باقي التراب الوطني. الشركة، التي تعتمد على شبكة من 12 ألف كيلومتر من الألياف البصرية، تقدم باقات مرنة للأفراد والشركات مع خدمات سحابية متقدمة موجهة لمجالات التعليم والصحة والصناعة.
من جهتها، أعلنت إنوي عن تشغيل شبكتها الجديدة في المدن الكبرى بشكل فوري، دون أي رسوم إضافية أو تغيير في شرائح الاتصال، حيث تتمتع بطاقات SIM الحالية بقدرة تلقائية على الولوج إلى الجيل الخامس. وتقدم الشركة حلولا رقمية متقدمة للأعمال عبر «inwi Business»، تشمل الصيانة عن بعد، والآلات المتصلة، و»التوائم الرقمية» (Digital Twins)، والطب عن بعد، إضافة إلى إطلاق جهاز “5G i-Box” ونسخته الموجهة للمؤسسات “5G Business Connect”.
اقتصاديا، تتوقع التقارير أن يؤدي انتشارG5إلى خلق ما بين 40 و50 ألف فرصة عمل جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة في قطاعات الهندسة، البرمجة، الصيانة الرقمية، والخدمات المرتبطة بإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي. كما ينتظر أن يرتفع حجم السوق الرقمية في المغرب بنسبة 35% سنويا بين 2025 و2030، مع زيادة مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي من 7% حاليا إلى نحو 12% في أفق 2030.
وتتعدد القطاعات الاقتصادية المستفيدة من الجيل الخامس. ففي الصناعة، ستتيح الشبكات فائقة السرعة تطوير أنماط إنتاج اتوماتيكية بالكامل ضمن نماذج «الصناعة 4.0»، مما سيخفض تكاليف التشغيل بنسبة تقدر بـ 15 إلى 20% في المتوسط. وفي قطاع الزراعة، ستسمح الاتصالات الفورية بين أجهزة الاستشعار والطائرات المسيرة بمراقبة المحاصيل وتحليل البيانات البيئية لحظة بلحظة، ما قد يرفع الإنتاجية الزراعية بنحو 10 إلى 12% سنويا. وفي قطاع الصحة، ستمكن الجراحة عن بعد والطب الافتراضي من معالجة المرضى في المناطق النائية، مما يساهم في تقليص الفوارق المجالية. أما في النقل، فستتيح 5G تطوير أنظمة المرور الذكية والربط بين المركبات والبنية التحتية، وهو ما سيخفض حوادث السير بنحو 20% وفق تقديرات أولية لوزارة النقل.
وتأتي هذه التحولات في ظرف دولي خاص، إذ يستعد المغرب لتنظيم كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال. ومن المنتظر أن تسهم شبكة الجيل الخامس في إدارة ذكية لتدفقات الجماهير والمعطيات اللوجستيكية خلال هذه الأحداث الكبرى، عبر تقنيات النقل الذكي، التذاكر الرقمية، وأنظمة المراقبة عالية الدقة.
إضافة إلى الأثر الاقتصادي المباشر، تمثل تكنولوجيا الجيل الخامسرافعة استراتيجية لـ تعزيز السيادة الرقمية وتقليص التبعية التكنولوجية، خاصة في ظل الرهان على استضافة مراكز بيانات إقليمية ومختبرات ابتكار مشتركة مع شركات عالمية. ويعمل المغرب حاليا على إطلاق برنامج دعم بقيمة 5 ملايير درهم مخصص لتمويل مشاريع الابتكار الرقمي والشركات الناشئة في مجالات الجيل الخامس وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي، في إطار شراكة بين وزارة الانتقال الرقمي ووكالة التنمية الرقمية وصندوق محمد السادس للاستثمار. ولا يقتصر التحول على تحديث الشبكات فحسب، بل يشكل خطوة استراتيجية لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني نحو نموذج قائم على الإنتاج المعرفي والخدمات الذكية. ومع استثمارات تتجاوز 40 مليار درهم وآفاق أرباح تقدر بـ 6 مليارات دولار في أفق 2030، يضع المغربنفسه في مقدمة الدول الإفريقية الساعية إلى بناء اقتصاد رقمي مستدام، قادر على خلق الثروة وفرص العمل، وتعزيز مكانته كمركز إقليمي للابتكار والتكنولوجيا في القارة.
على الرغم من هذا التطور الكبير الذي شهده قطاع الاتصالات مع إطلاق شبكات الجيل الخامس، يشتكي بعض مستخدمي الهواتف المحمولة في المغرب من سرعة نفاد رصيد التعبئة، خصوصا مع الانتقال إلى هذه التقنية الجديدة. فعدد من الزبناء أشاروا إلى أن استخدام خدمات الإنترنت عبر الجيل الخامس، التي تقدم سرعات عالية جدا، يتسبب في استهلاك سريع لرصيد البيانات، مما يؤدي إلى نفاد الرصيد بشكل أسرع من المعتاد. هذا الوضع يثير استياء لدى المستخدمين الذين لم يكن لديهم هذه المشكلة مع شبكات الجيل الرابع. بعضهم طالب الشركات المشغلة بتعديل عروض البيانات لتكون أكثر توافقا مع سرعة الجيل الخامس، خاصة في ظل الاستخدام المكثف للتطبيقات الحديثة مثل البث المباشر للأفلام، الألعاب الإلكترونية عبر الإنترنت، والتعليم عن بعد.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 10/11/2025