انقطاع الأدوية و «قيود» صرفها تزيد من محن المرضى

يعرف النقاش الخاص بالأدوية التي تصرف لعلاج الأمراض النفسية والعقلية في عدد من الحالات «شيطنة» لأسباب غير مفهومة، علما بأن الأمر يتعلق بأدوية تخفّف من الألم وتحافظ على وضع المريض الصحي وتساهم في علاجه، وبالتالي فهي كمثل أي أدوية تصرف لعلاج الأمراض المزمنة المختلفة، خاصة وأن العديد من المصابين بهذه الأمراض النفسية باتوا يتابعون علاجهم في منازلهم ووسط أسرهم دون الحاجة إلى الاستشفاء، كما هو الحال بالنسبة لمرض ثنائي القطب أو الفصام أو تعلق الأمر بالانهيار العصبي، مما يجعل المريض يعيش بشكل طبيعي باستعمال الدواء، وقد يكون ذلك لمدة محدودة وليست بالضرورة طويلة الأمد.
إننا حين نتحدث عن أن المصاب بالأمراض النفسية يمكنه استعمال الدواء في منزله كأي مصاب بمرض مزمن فهذا ينطلق من واقع الأشياء والتطور الذي يعرفه العلاج، لكي الفرق بينهما يكمن في أن الثاني إذا لم يستعمل الدواء لمدة محددة في يومين أو ثلاثة قد لا يتعرض لانتكاسة كبيرة، حسب طبيعة المرض، وهذا لا يلغي تعرضه لمضاعفات، لكن خلافا للمصاب بمرض نفسي الذي إذا ما لم يستعمل الدواء لمدة بسيطة فإن مسارا علاجا قد يكون امتد لسنوات يمكن أن يهتزّ في لحظة ويتسبب في انتكاسة، فيصبح المريض عدوانيا وقد يتسبب في خطر لنفسه وللغير على حد سواء.
هذا الوضع يجعلنا نقف عند معضلة كبيرة، الأولى تتمثل في انقطاع الأدوية مع ما قد يترتب عن ذلك من تبعات، ولا يستطيع المريض الحصول على الدواء بسبل أخرى، كأن يأتيه بها قريب من دولة أخرى، بسبب القيود القانونية التي تُفرض عليها، وطبيعة التعامل معها وتصنيفها، وهي نفس القيود التي تجعل الصيدلاني في وضع غير مريح حتى في حال توفر الدواء، إذا ما أتاه مريض في عطلة ما يرغب في الحصول على الدواء الذي اعتاد تناوله، لكن في غياب وصفة طبية، لتعذر زيارة الطبيب في ذلك الوقت، فهل يسلم الدواء لمريض في حاجة إليه، وهو يعلم أنه بالفعل يستعمله، أم يحجم عن ذلك مخافة تعرضه للمساءلة؟ هذا الواقع بتعقيداته العديدة يضع قيودا على صرف الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض النفسية، علما بأن نسبة 98 في المئة منها، هي عبارة عن مهدئات وليست بـ «مخدرات»، يستعملها المرضى للعلاج ولتخفيف الألم، لكن الخلل أن نسبة معدودة تستعملها بعضها في مجال التخدير.
هذه الأدوية يتم تحوير الهدف المخصصة له من طرف البعض، علما بأنه تكون هناك فعلا حالات لمرضى فعليين تعذر عليهم زيارة الطبيب لظرف من الظروف، أو كانوا في زيارة لقريب لهم في مدينة أخرى ولم ينتبهوا لقرب نفاذ علبة الدواء مثلا، بعيدا عن الذين يأتون بشواهد طبية مزورة أو أخرى تحمل أختاما طبية تستعمل للتدليس، وكذا بعيدا عن القصص التي قد يختلقها البعض، أو التهديدات المباشرة التي يستعملها البعض الآخر للحصول على نوع معين منها، أخذا بعين الاعتبار أن من يعيش «التخدير» فإن يمكنه أن يصل لهدفه المنشود باستعمال مواد أخرى.
هذه الإشكالات لا تعرفها بعض الدول، كفرنسا نموذجا، حيث يتم استعمال الوصفات الطبية المؤمّنة التي تعرف مراقبة صارمة، وهي من بين الحلول التي نقترح العمل بها للخروج من هذه الوضعية غير السلمية التي يعيشها المريض والصيدلاني على حد سواء، أو العمل على تصنيف الأدوية المعنية وتحديد لائحتها، فهناك أدوية في الجدول «ألف» وثانية في جدول «س» وأخرى «غير مصنّفة»، أو منح الصيدلاني حق تجديد الوصفة الطبية لمرة واحدة بدون العودة إلى الطبيب إذا ما تعذر على المريض ذلك لظرف من الظروف، حتى لا يتم حرمانه من حقه في العلاج، وهنا نستحضر واقع زمن الجائحة الوبائية لكوفيد نموذجا للاستدلال، أو أن يتم تسريع العمل بالملف الرقمي للمريض، وفي هذه الحالة يمكن للصيدلاني الاطلاع على مساره العلاجي ومعرفة سوابقه المرضية وما إذا كان بالفعل يستعمل هذا الدواء أو ذاك.
يجب أن نعرف بأنه بسبب الحالات المعدودة على رؤوس الأصابع، التي يسعى أصحابها للحصول على هذا النوع من الادوية بدون «وجه حقّ»، يتم عقاب المرضى الفعليين الذين هم في حاجة له، والذين قد يتعذر عليهم الحصول عليه لظرف من الظروف كما أشرت، وبالتالي من غير المقبول أن يستمر هذا الوضع دون تسريع الآليات الكفيلة بضمان حق المريض في العلاج، خاصة المصاب بأمراض نفسية.

 

* صيدلاني مهتم بمجال الأدوية والصيدلة


الكاتب : عبد الرحيم دراجي

  

بتاريخ : 16/01/2025