ايامات ادويوير..المجتمع والناس في قبيلة هوارة

ايامات ادويوير.. المجتمع والناس في قبيلة هوارة، هذا العنوان الذي اختاره بعناية الروائي والباحث في التراث الأستاذ مصطفى أصدور لآخر منجز سردي له، والذي يعتبر بمثابة وثيقة اجتماعية وبحث أنثروبولوجي رصد فيه الروائي مجموعة من العادات والتقاليد والثقافة التي طبعت قبيلة هوارة بمنطقة سوس في تاريخنا المعاصر.
يرى الروائي، نفسه، بأن مشروع هوارة قد انتظم في ثلاثية، أولها هذا الجزء المعنون بايامات ادويوير الذي حاول فيه إعادة بناء التقاليد والعادات التي اندثرت أو تلك التي في طريقها للاندثار، معتمدا في ذلك على ما ترسخ في الذاكرة من أحداث وحكايات، وما جمعه الكاتب ولايزال يجمعه حول حياة الآباء والأسلاف.
إن ادويوير بالنسبة للروائي هو الرمز لباقي دواوير قبيلة هوارة بجنوب المغرب، فليست هناك اختلافات جوهرية معينة، معتبرا أن العمل هو محاولة روائية إبداعية تعتمد الخيال بالدرجة الأولى حتى وإن بدت بعض شخوصه مطابقة لأسماء واقعية عاشت بالفعل في زمن الحكي لكنها بحسب رأيه، لا تتعدى أن تكون مجرد عناصر إلهام وتحفيز على الكتابة ليس إلا.
ويرى الدكتور عمر بنعياش، الباحث في علم الاجتماع والأستاذ المحاضر بجامعة محمد الخامس بالرباط، في مستهل تصديره للعمل الروائي ذاته، أن العمل تقاطع حقيقي بين جنس الرواية وعلم الانثروبولوجيا بوصفه علم الإنسان حينما سعى لاكتشاف نفسه والعالم المحيط به، وعلم الإثنوغرافيا التي تعرف بالدراسة المنهجية للناس والثقافات.
وتؤسس الرواية نفسها لدى د. عمر بنعياش، سواء من حيث لغتها أو بنائها المعماري، لنوع جديد من الحكي الأنثروبولوجي المغربي المبني على التخييل، وفي الوقت ذاته على معطيات وتواريخ وأحداث واقعية تم جمع معطياتها من الميدان، علما بأن هذا النوع من الحكي مارسه، في شكل من أشكال السيرة الذاتية، أقلية قليلة من الأنثروبولوجيين المغاربة، منهم الراحلة د. فاطمة المرنيسي في حكيها : «نساء على أجنحة الحلم»، وحسن رشيق في كتابه: «عودة إلى زمن والدي»، والأنثروبولوجي عمر بوم في كتابه: «يهود المغرب وحديث الذاكرة».
اعتبر د. بنعياش بأن العمل يلامس البحث الأكاديمي بنكهة روائية تتقاطع فيها الأحداث الواقعية مع التخييل، فالرواية أقرب ما تكون لسيرة جامعية مفتوحة على عوالم شبه مغلقة، بدل أن تكون سيرة ذاتية، خاصة أن الدوار الذي خلق وترعرع فيه الكاتب كان منغلقا على نفسه وسط غابة الأركٓان والأحراش الكثيفة ومزارع الفرنسيين التي تطوقه، وهو ما جعل أهل ادويوير منغلقين على نفسهم لا يربطهم بالعالم الخارجي إلا الطريق المؤدية إلى السوق الأسبوعي، وطريق الوادي، المتنفس الطبيعي للحيوان والبشر.
يعد المقدم للعمل السوسيولوجي عمر بنعياش، بأن العمل نصفه الأول رواية ونصفه الآخر أنثروبولوجيا، وهما يتداخلان معا بشكل يجعل القارئ لا يميز بين مصطفى أسدور السارد وبين مصطفى أسدور الأنثروبولوجي الملاحظ، والذي دوّن فيه ما كل ما رآه وعاشه وسمعه وفق وقائع وأحداث في ذهن الراوي «اصطيف» وشكلت الملامح الأولى لهويته داخل أجواء قروية مفعمة بالحياة البدوية البسيطة بعدة طقوس من قبيل الاحتفال بالأعراس وأيام «الرمى»ويوم «الشريح أو الكديدة» الخاص بالعرائس اللواتي مر عليهن حول كامل دون أن ينجبن، وهو الطقس الذي حرص فيه أسدور بحرص الملاحظ الأنثروبولوجي ناقلا الواقع كما يراه لا كما يريد له أن يكون في سرد تفاصيل طقوس شعبية لطلب الإنجاب لكل عروس لم تنجب بعد.
الباحث السوسيولوجي عمر بنعياش، تجاوز في تقديمه للعمل الروائي، حفريات في الأنثروبولوجيا إلى التأسيس للزواج بين الانثروبولوجيا والسرد وهما ينهضان معا على إعادة بناء عادات وتقاليد تكاد تنقرض مع زحف الرقمنة والسرعة.
العمل الإبداعي المعنون ب «ايامات ادويوير» عمل يعود بنا إلى مكونات الهوية الثقافية والاجتماعية لقبيلة هوارة العربية على ضفتي نهر سوس ما بين الأطلس الصغير والكبير في تمازج عربي أمازيغي بين عادات وتقاليد مغربية أصيلة متجذرة في عمقنا للأبد بلغة سردية امتزجت فيها العربية الأخاذة والدارجة النفاذة اللتان تحكيان كل التفاصيل بلغة الأدب والأهل معا.


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 17/03/2023