اَلعشم

ذلك الانعكاس لكمّ الشعور الذي نكنه للأخر، وكل ما نحمله لهم و يحملنا إليهم , هو بالضرورة شعور يخصنا نحن، ليس إلا نتاج تضافر جمل أسباب؛ أتوسم فيك الخير ما هي إلا الفطرة التي فطرنا عليها رب العالمين فالخير فينا أصيل؛ والأصل خير، وإلا كيف نفسر كل تلك المسافات التي نقطعها بحثا عن علة تبرر حسن طوية الآخر حتى نراه طاهرا مطهرا من كل شبهة، ذلك ما جُبلت عليه النفس الأصيلة،إنني لا أميل إليك وفي سويداء القلب مضغة أذى؛ مهما كان تجبرك؛ ومهما طال حبل ظلمك وآذاك، هذا ما تفرضه سنة صون الذات؛ وصونا لنفسي وانسجاما مع عقيدتي وإيمانا مني بناموس كوني يُسير هذا العالم الغارق في غفلته؛ لا أخفيكم سرا أن قلبي لا يحلق ولا يخفق إلا مع كل صرخة ألم أو أنين تعيس حزين.
إن التفاصيل هي خلاصة حقيقة الذات، إنها ليست شيئا آخر غير ما نحن عليه؛ إنها حقيقة ما يفيض عنه القلب، إن الحكم والعقاب والزجر ليس إلا ما نطمئن إليه ونرضاه ولا يمُت للآخر بصلة. من نحن إذن وسط فوضى وضجيج العالم؟
نحن الجريمة والعقاب؛ نحن الظالم والمظلوم؛ نحن من نتطلع إلى أن يُكال لنا بنفس المكيال ولو أن المقاييس نسبية وغير بريئة هي الأخرى؛ ولم تكن موازين الدنيا يوما منصفة مهما بدا لك الأمر واضحا والميزان عادلا، إنني أقول وسط هذه الفداحة؛ وسط ظُلمة الدروب؛ ومهما بلغت قوة الهزة؛ أهلا بالخسارة ولا ضير في كم الخسائر.
قد يتراءى العشم طبقا من ذهب يحمل أحلاما طالما انتظرناها، وحين طول انتظار، كانت الحسرة رفيقة الوسادة، وإن كان الأمل دافعنا إلى المبادرة والفعل؛ وعدم الاستسلام لليأس والقنوط. وأنصحك، والنصيحة واجب؛ إن المبادرة تفترض العمل وتقترن بالجهد والتعب؛ لأن الكثير من البشر قد تكون راغبة في إهدائك ذلك الطبق الذهبي المليء بالأحلام، لكنها لا تحسن الرصف ولا تجهل طقوس ومراسيم التقديم وتقاليد الإهداء؛ ولا تُراعي ظروف المُهدى إليه؛ فالناس مراتب، والناس مقامات، والناس حال وأحوال؛ فهناك من الناس من يتجنب السكر رغم المرارات التي عاشها؛ ورغم ظلم الزمن، و آخرون ألغوا الملح من قائمة نظامهم الغذائي؛ لأنهم فقدوا طعم الحياة بتوالي الخيبات، أعلم أحيانا أن الفضول، أو التيه، قد يدفعنا إلى تفضيل طلب قائمة أكل الأطفال؛ ونحن نعلم علم اليقين أن ذاك الطعام لا يلبي حاجاتنا، وفي النهاية نستسلم لتلك الحقيقة الموجعة، وهي أن سحنتنا تظل ممتقعة تعلوها الصُفرة ويغلفنا الشحوب.
قد يحدث يوما أن نُصاب بالضجر والسأم، وحينها نكفر بقانون «العشم»، نتألم نضرب به عرض الحائط، حينها ندرك أيضا حجم اللامبالاة، لأنه لا احد سيهتم بك، أو يهتم بتفاصيلك في أدق دقائقها؛ ولن يلتمس لك الأعذار، ولن يبحثوا لك عن قشة في ظلمات التيه ليغفروا لك زلتك كما كنت تفعل أنت؛ لذا أنصحك؛ كن قارئا جيدا لمن حولك، صونا لفسك وكرامتك، كن متعاليا عن قبح هذا العالم؛ مستحما في طهارة مائك، كن غنيا بعفتك؛ حينها ترى نفسك أغنى الناس.
كن عارفا ومعروفا، شاعرا ومستشعرا متى وقفت أوانطلقت في مسيرتك، كن منصتا لآلامك متى تجرعت كأس مرارة سقته إياك يد من يوما إليه أحسنت، وله غفرت وتجاوزت، هذه ميزات من كانت الأصالة جوهر حياته، وهي ملكة لا يملكها كل الناس، ملكة تتعالى وطاقة أغلب البشر. كن واقعيا و أنت تنسج عباءة عشمك، كن محتسبا لشيء واحد وحيد، الظاهر والباطن من الأفعال والأقوال، ما قيل علنا أو همسا، أو مر بهواجس أحدهم، استقبل بحواسك ما يُقال من عبارات مسكوكة رنانة؛ وبحدسك ستعلم الصادق منها من المزيف، كن لواما لنفسك قبل الآخرين، ابحث عن الخير والحب والعشم في دواخلك فالنفس أصدق مرآة ترى فيها حقيقة ما بداخلك وخارجك، كفى من الخيبات التي لم تكن محلاة إلا بطعم توابل أوهامك.


الكاتب : سهام الكاس

  

بتاريخ : 29/03/2023