الاسم تَأَرْجُحٌ مُسْتَمِرٌّ بَيْنَ صُورَةٍ وَتَرْكِيبٍ، وَهُوَ تَدَاوُلٌ غَرِيبٌ بَيْنَ بِنَاءٍ قَائِمٍ وَوَصْفٍ مُرِيبٍ.
مَاذَا يَقُولُهُ الاسمُ؟ هَلْ حِكَايَةً يَرْوِي لِآتٍ مُبْهَمٍ أَمْ تَفْصِيلاً يُقَارِبُ لِأَزْمِنَةٍ غَابِرَةٍ، رَابِضَةٍ بَيْنَ زَوَايَا الْجَسَدِ وَمَهَارَاتِ الْجِينَاتِ الْمُتَخَفِّيَةِ؟! ثُمَّ مَاذَا يُورِدُهُ الاسم مِنْ تَطَابُقٍ فِي الْمَرْسُومِ شَكْلاً وَالْمَنْطُوقِ حَرْفاً؟ أَثَمًّةَ تَعَالُقٌ؟ هَلْ حَقِيقَة مَا تَعْنِيهِ هذِهِ الرَّابِطَةُ؟
إِنَّهَا حِكَايَةٌ قَابِلَةٌ لِلسَّرْدِ … !
والاسم، ذَاكَ الْمُجْتَرَحُ لِنَوَايَا السَّلَفِ؛ يُعَوَّضُ بِهِ نَقْصٌ أَوْ يُفْتَرَضُ مِنْهُ وَ فِيهِ رَغَبَاتٌ دَفِينَةٌ؛ هُوَ نَفْسُهُ، عَقْدُ شَرَاكَةٍ مَعَ الْغَيْبِ الْمُتَخَصِّصِ فِي إدْرَاكِ الْغَايَاتِ، يَسْعَى عَبْرَهُ الْكَائِنُ إلَى تَحْقِيقِ مَا لَمْ يُنْجِزْهُ وَ إلَى بَسْطِ رُؤْيَتِهِ، أَوْ مَا يُرَجِّحُهُ في قَابِلِ الزَّمَنِ !
“جَوَادُ” اسْمِيَ الثَّانِي،
“بُوبْكَرْ” اسْمِيَ الْأَوَّلُ.
بَيْنَ الْاسْمَيْنِ، امْتَدَّ تَارِيخُ الشَّخْصَيْنِ. لَمْ أَعْرِفْهُمَا أَبَداً. رُبَّمَا تَعَرَّفْتُ عَلَيْهِمَا كَأَطْيَافِ ذِكْرَيَاتٍ أَوْ مَسَارِ قِرَاءَاتٍ أَوْ سَيْلِ أُحْجِيَاتٍ. لَكِنَّنِي بِالنِّهَايَةِ عِشْتُ ظِلّاً لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا مَعاً.. لَسْتُ أدْرِي!!
يُحْكَى لِي وَأَنَا بِكْرُ وَالِدَيَّ، أَنَّ حِكْمَةَ الْجَدِ (مِنَ الْوالِدِ) ، وَخِلَالَ مَنَامِهِ، اقْتَضَتْ حُضُورَ شَيْخٍ مُعَمَّمٍ بِرِدَاءٍ صُوفِيٍّ أَبْيَضَ، مُخْبِرٍ، آذِنٍ وَآمِرٍ (أَوْ مُقْتَرِحٍ.. لِمَ لَا !) بِقُدُومِ ذَكَرٍ يُولَدُ بَعْدَ حِينٍ قَصِيرٍ؛ لَيْلَتَهَا كَانَتْ وَالِدَتِي فِي مَخَاضِهَا الْعَسِيرِ لِلْوَضْعِ، بِالْمُسْتَشْفَى؛ و سَيَكُونُ اسْمُهُ: ” بُوبْكَر” (أبو بَكر).
كَانَ مَا كَانَ وحَلَّ الذَّكَرُ بَيْنَ أَهْلِهِ، جَاهِلاً اسْمَهُ، رَاغِباً فِيهِ، حَقّاً وَوَاجِباً.
ذَاكَ الاسم الْمُحَمَّلُ بِتَارِيخِهِ وَمَاضِيهِ، اَلْمُثْقَلُ بِدَلَالَاتِهِ الْعَقَدِيَّةِ، سَيُشَكِّلُ لَحْظَةَ صِرَاعٍ وَخِلَافٍ أُسرِيٍّ (مِثْلَمَا هُوَ فِي مَحْكِيِّهِ الدِّينِيِّ أيْضاً!) إِذْ أَنَّ الْجَدَّةَ (لَلَّا كَنْزَة) الْقَيِّمَةَ عَلَى حَاضِرِ الْعَائلةِ و حَاضِرَتِها، وبِأَخْتَامِها النُّورَانِيَّةِ ذَاتِ النَّسَبِ الشَّريفِ، ثَقُلَ عَلَى لِسَانِها النُّطْقُ بِكُلِّ حُرُوفِ الاسم، أَوْ تَجْمِيعِ لَفْظِهِ الْمُرَكَّبِ، فَكَانتْ عَاجِزةً عنِ الرَّبْطِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيهِ فِي صَوتٍ وَاحدٍ. هَذهِ السَّيِّدَةُ، الَّتي سَتَتَوَلَّى الْعِنَايةَ وَالرِّعَايَةَ بِي ( لا أدري، هَلْ بِي أَنَا أَمْ بالاسم ؟! ) تَارِكَةً لِوَالِدَيَّ لَحَظَاتِ مُتَعِهِما، تَنْفِيذاً لِقَرَارٍ سَامٍ عَظيمٍ، يَقْضِي بِضَرُورَةِ الْاِكْثَارِ مِنَ النَّسْلِ، إذِ الْعَائلةُ فِي كُنْيَتِهَا (الْمُومْني) لَمْ تُسْعِفْهَا نَوَائِبُ الزَّمنِ وتَفَاصيلُ الْأقدَارِ، إِلَّا بِذَكَرٍ وَاحِدٍ (أبي) وأَرْبَعِ إناثٍ (عَمَّاتي)، وَتِلكَ حِكَايةٌ أخْرَى…!!
هذِهِ الْمرأةُ السَّيدَةُ، جَدَّتِي، لَمْ يَتَسَنَّ لَها قَطُّ ـ رَغمَ الْمُحاوَلَاتِ ـ نُطْقٌ سَلِيمٌ لِاسْمِي (الْحَفيدِ الْمُنْتظَرِ) فَحَصَلَ أَنْ عَجَّلَتْ بِصِرَاعٍ بينَ الْأقطَابِ، لَكنَّ إصْرَارَ الْجَدِّ، الْحاجِّ، كان قَاطِعاً يومَ الْعَقِيقَةِ: سَمَّى اللهَ وَنَحَرَ الْكَبْشَ عَنِ الْمَوْلودِ، أَبِي بَكْر (بُوبْكَر).
طَبعاً، لَنْ تَقِفَ الْأُمُورُ هُنَا، وَسَيَكُونُ لِلْجَدَّةِ رَدَّةُ فِعْلٍ تَحذِيريَّةٌ؛ سَتَشمُلُ غَضْبَةً، تَوَّجَتْهَا بِإضْرَابٍ عَنِ الْكَلامِ (قَدْ يَكونُ اسمي مَصدَراً لِلْكَلامِ حِينَ أكْبُرُ بَعدَ ذَلكَ، يَا لَلْمُفَارَقَةِ !!) وَانْعِزَالٍ في الْمَخْدَعِ. سَتَتَدخَّلُ أطرَافٌ لِتُلَيِّنَ الْمَوَاقِفَ، رَغْبَةً فِي الْحَلِّ؛ (أَلَمْ أَقُلْ إِنَّ الاسم حَمَّالٌ لِمَاضِيهِ!) لِيَقترِحَ وَالِدِي أنَّ الْإشْكالَ يَزُولُ بِتَبَنِّي اسم آخَرَ، ثَانٍ (جَوَاد) تَيَمُّناً بِاسْمِ أصْدَقِ رُفَقَائِهِ، وَالْحَقِيقةُ وَرَاءَ ذَلكَ، رُبَّمَا تَكْمُنُ في حَلْقَةٍ أخرى أَجْهَلُهَا، وَرُبَّما ظَلَّتْ وَسَتَظَلُّ مُتَسَتِّرَةً عَلى الْجَمِيع!
اِسْتَسَاغَتِ الْجَدَّةُ الْفِكرةَ، سَرَى الاسم هَيِّناً طَيِّعاً، وَطَابَتْ حُرُوفُهُ عَلى لِسَانِها، نَطَقتْ بهِ عَالِياً ثم زَغْرَدَتْ. سَيَأمُرُ الْجَدُّ بِإحضَارِ كَبْشٍ ثَانٍ، سَيُسِيلُ دِمَاءَهُ… وَسَأَحْيَى أَنَا … بِاسْمِي الْجَرِيحِ الْآخَرِ (وَ تِلكَ عَقِيدَةٌ أُخرى!)
اسْمَايَ صَنِيعَةُ آخَرِينَ.
اسْمَايَ، لَمْ أَخْتَرْهُمَا، وَلَا أَحَدَهُمَا.
اسْمَايَ تَوَاضُعٌ بَيْنَ أَطرَافٍ أخْرَى، غَيْرِي.
اسْمَايَ وَلِيدَانِ لِأَحْلَامٍ، رُبَّما. تَأسِيسٌ لِصَدَاقاتٍ، اِحْتفَاءٌ بِهَا وَتَأثِيثٌ لَهَا، رُبَّمَا!
اسْمَايَ غَايَةٌ أَمْ رُضُوخٌ؟
اِسْمَايَ مَحْوٌ وَ كِتَابَةٌ..
اسْمَايَ تَحْقِيقٌ لِوُعُودٍ أَمْ بَرٌّ بِنُذُورٍ!!
اسْمَايَ وَرْطَةٌ أَمْ تَوْرِيطٌ؟
اسْمَايَ الاثنان أَحْمِلُهُمَا عَلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ.
اسْمَايَ، أَ عَمْرِي أَنَا أَمْ عَمْرُ صَاحِبَيْهِمَا؟
اسْمَايَ نَبْشٌ فِي عَلَاقَاتٍ لَمْ أَعْرِفْهَا، لَمْ أَعِشْهَا وَلَمْ أُرَتِّبْهَا..
اسْمَايَ لَمْ أُسَمِّهِمَا… لِي!!
أَنَا بِاسْمَيْنِ… أَنِا بِكَبْشَيْنِ.