بإقليم تارودانت : تلميذات وتلاميذ ثلاث جماعات بدون تعليم إعدادي ولا داخليات

هناك من المسؤولين على اختلاف مسؤولياتهم ومراتبهم من يجهلون، ومنهم من يتجاهلون، أن الهجرة من البوادي إلى الحواضر وإلى خارج الوطن ساهمت مساهمة فعالة في تعليم أبنائهم وبناتهم لدرجة أن كل قرية وكل جماعة تتوفر على دكاترة في الطب، وعلى مهندسين، ومحامين، وأساتذة في أسلاك التعليم، ورجال الأعمال في جميع المجالات، الذين ساهموا ويساهمون في التنمية الوطنية في هذه المدينة وتلك، وفي نفس الوقت حملوا منازلهم وقراهم وحقولهم وكل ما يملكون من أشجار وغيرها داخل أوعية أفئدتهم، مما جعلهم يقومون بزيارتها، وبإعالة من بقي من أقاربهم ويكتتبون لإعانة فقرائهم وطلبة مناطقهم ويقومون بتوزيع جوائز نقدية على المتفوقين منهم نهاية كل سنة دراسية.
فئة ساهمت في مناطق عديدة ومنها تلك التي تنتمي لجهة سوس ماسة، التي يساهم هؤلاء فيها لتعبيد الطرق وبناء المدارس قصد الاحتفاظ بما تبقى من السكان في مناطقهم، بل وحفروا الآبار وقاموا بتجهيزها، في الوقت الذي لا يلتفت إليهم عدد من المسؤولين إلا في الانتخابات، الذين يعتقدون بأن نجاحهم يكمن في ضمان الدراسة والصحة والسكن الفاخر للمقربين منهم، والحصول على الملايين كأجرة وتعويضات، بينما النجاح الحقيقي بالنسبة لكل مسؤول كان منتخبا أو غيره، هو توفير القطاع الذي يشرف عليه على ضروريات الحياة من ماء، وصحة، وتعليم، وعمل، وعدالة، إذ وبكل أسف لايزال بعض المسؤولين ينظرون إلى البادية المغربية عامة، وإلى بادية جهة سوس ماسة خاصة، نظرة دونية تصنف من المغرب الغير النافع، رغم أن رجالات ونسوة هذه المناطق يساهمون في ميزانية الدولة وفي التنمية الوطنية، مقابل التهميش في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والماء والشغل، دون إغفال سعي البعض لكي تظل جبال سوس العالمة محرومة من التعليمين الإعدادي والثانوي.
سوس، التي تساهم جبالها بما تختزنه من نحاس وذهب منجم تيزيرت على سبيل المثال، ومناجم أخرى في دائرة إيغرم إقليم تارودانت، وغيرها من المناطق، مقابل ما تمت الإشارة إليه، إلى جانب المسؤولة عن الهجرة شبه الكلية بعد الجزئية، خاصة إذا علمنا أن في بدايتها كانت لطلب لقمة العيش، وفي السنوات الأخيرة قرابة أربعين سنة الأغلبية هاجروا بحثا عن الدراسة والصحة والماء لأبنائهم، وكنموذج لما أشرت إليه من تهميش صارخ في مجال التعليم.
وللتذكير منذ التقسيم الجماعي لسنة 1992 والجماعات القروية الثلاثة جماعة والقاضي، جماعة النحيت وجماعة تيسفان تطالب المسؤولين بواسطة دورات عادية واستثنائية ومراسلات عادية إلى العمالة وإلى نيابة التعليم بإقليم تارودانت، ببناء إعدادية وداخلية لأبناء وبنات ساكنة هذه الجماعات خاصة، وجماعة النحيت ومنذ عشر سنوات تتوفر على المدرسة الجماعاتية، كما تتوفر على النقل المدرسي لمائتين وسبعين تلميذا وتلميذة في بدايتها، كما تتوفر جماعة والقاضي وجماعة تيسفان على نفس العدد فأكثر لكل منهما، مع العلم أن أحد المحسنين من جماعة والقاضي منح هكتارين من ملكه الخاص كوعاء عقاري لبنائها وحفظها وسلمها لمديرية التعليم بتارودانت إلى جانب رؤساء الجماعات الذين عقدوا شراكة مع السيد المدير الإقليمي للتعليم، وتكونت لجنة سداسية مساعدة تقوم بالمتابعة وبالاتصال بالمسؤولين في النيابة وفي العمالة وفي الأكاديمية بأكادير منذ بداية 2015 ونحن في نهاية 2024 ولا جديد؟
لقد سبق لنا أن نشرنا تحقيقات عن إيغرم، أوضحنا فيها أن إعدادية وثانوية الأرك المتواجدة في مركز الدائرة لا تستوعب تلامذة ستة عشر جماعة قروية، وبلدية واحدة هي بلدية إيغرم قد تستوعب أبناء ساكنة بلدية إيغرم لكون إعدادية وثانوية الأرك لا تتوفر أولا وقبل كل شيء على ماء الشروب، ساعة واحدة لألف تلميذ وتلميذة يوميا بداخليتها، بل ساعة في اليوم لساكنة إيغرم أحيانا، ورغم أن المسؤولين وقفوا على هذا الخصاص الخاص بمادة حيوية كالماء فقد قاموا ببناء ثلاثة دور للطالب، والداخلية طبعا للحاصلين على المنح بمعدل أقل من واحد في المائة من المستحقين لها غير الممنوحين من الذكور (يكدسون) في الخيرية، التي لا تتوفر على أدنى الشروط المادية والمعنوية، التي سبق أن عرفنا بها وبمعاناة من ولجوها، وقلة قلية يستطيعون الصمود، وتغادرها الأغلبية قبل منتصف السنة الدراسية مساهمة بذلك في الهدر المدرسي المفروض خاصة في فصل الشتاء فصل البرد القارس!
للتخفيف أو القضاء على جمع المنح من طرف المحسنين للفتيات ولإنقاذ الذكور من معاناة خيرية إيغرم ولإعادة الأسر التي هاجرت مرغمة إلى تارودانت وأيت إيعزا أو البيضاء وغيرها متحملين الكراء تاركين منازلهم في قراهم مغلقة لإنقاذ أبنائهم ومن أجل ذلك تم عقد الشراكة المشار إليها بداية 2015 بين الجماعات الثلاثة والقاضي، النحيت وتيسفان مع نيابة التعليم بتارودانت. ورغم أن الأطراف المعنية عقدت اجتماعات مع عامل الإقليم، وداخل مكتب المدير الإقليمي بتارودانت، وداخل مكتب مدير الأكاديمية بأكادير، وهو الوحيد الذي لم يقم بإمضاء الاتفاقية لكونه على مشارف التقاعد آنذاك. ورغم وجود روافد من الجماعات المجاورة أبناء جماعة امي نتيرت حيث منجم تيزيرت أبناء جماعة أضار، أبناء جماعة سيدي أحمد اوعبد الله، فلازال نصيب أبناء الجماعات الثلاثة المشار إليها، وعود ووعود كل سنة، مع العلم أننا حملنا الملف مباشرة إلى وزير التربية الوطنية بالرباط وشرحنا له معاناة الساكنة لكن يظل الوضع كما هو عليه في غياب جواب فعلي على أرض الواقع من أي جهة من الجهات لتحقيق مطالب السكان؟


الكاتب : محمد مستاوي

  

بتاريخ : 14/10/2024