بإهداء متميز خص به المجاهد عبد الرحمان اليوسفي … مصطفى الرايس يصدر «السياسة البربرية الفرنسية في المغرب من خلال مجلة الفتح»

عن منشورات «باب الحكمة» بتطوان، صدر حديثا للباحث المغربي في مجال التاريخ، الدكتور مصطفى الريس، كتاب «السياسة البربرية الفرنسية في المغرب من خلال مجلة الفتح (1926ـ 1948)». يقع الكتاب في 252 صفحة من القطع المتوسط، ويضم خمسة فصول، بالإضافة إلى تقديم كتبه واحدٌ من خيرة الباحثين الذين لهم باع طويل في مجال التاريخ والكتابة التاريخية بالمغرب، الأستاذ محمـد معروف الدفالي، كما يضمّ مقدمة وخاتمة بقلم المؤلف، ثم ملحقا يتضمن صورا لبعض المقالات من مجلة الفتح المصرية موضوع البحث، وأخرى لمقالٍ من جريدة المنهاج، ويُختتم بجردٍ ببليوغرافي للمراجع التي اعتمدها الدكتور الرايس في إنجازه لبحثه.

 

يتطرق الفصل الأول لمُؤسِّس مجلة الفتح، مُحب الدين الخطيب، أحد أبرز أبناء الشام مساندةً للحركة الوطنية المغربية، ويفصل الحديث في جوانب كثيره من حياته، منذ الولادة إلى مرحلة النضج ودخولهِ معترك النضال الصحفي متنقلا بين منابر صحفية عديدة، والتي يقدم الدكتور مصطفى الريس جردا بها كلِّها بدءا بجريدة «ثمرات الفنون» وانتهاءً بمجلة «الزهراء»، مرورا بتجارب أخرى  كثيرة، كجريدة «المؤيد»، و»القِبلة»، و»العاصمة»، و»الإخوان المسلمون»، و»المنهاج» و»الأزهر».
أما الفصل الثاني فيتطرق لتجربة تأسيس مجلة الفتح، في غمرة دعوات الإصلاح الديني، فيتحدث عن ولادتها العسيرة والاستثنائية،  كما يفصّل الحديث في كونها كذلك مجلة إسلامي.
الفصل الثالث عبارة عن بحثٍ في ظاهرة التنصير كآلية استعمارية كانت ترومُ تفكيك الوحدة الدينية واللغوية للمغاربة. لقد ركز هذا الفصل على تفاعل  مجلة الفتح مع معضلة التنصير، حيث أنها قامت برصد الظاهرة رصدا نقديا ومفصّلا، من خلال تتبعها لسياسة فتح المجال  أمام البعثات التبشيرية، بإطلاق يد القساوة الآتين من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والجزائر، ومن خلال تعيين سلطاتِ الحماية لأشرس المتعصبين للمسيحيةِ والحاقدين على الإسلام في الوظائف الدينية، مثل تعيينها الضابط بول مارتي مستشاراً للعدلية الإسلامية، والضابط ماركو في مكتب المطبوعات العربية، ولويس برونو مديراً للتعليم الإسلامي. كما يتطرق هذا الفصل كذلك لكيفية تتبع مجلة الفتح لمظاهر سياسة اليوطي البربرية، وكيف تفاعلت  مع الظهير البربري، مبرزة اهتمامَها بقضايا المغرب رغم  بُعد المسافة، مما  يدل على توجهها  القومي الإسلامي، الداعي  إلى وحدة الأمة العربية الإسلامية.
أما الفصل الرابع، فخصصه الدكتور مصطفى الرايس لمسألة الظهير البربري، حيث تتبع  أصداء الاحتجاج في المغرب وخارجه، ورَصَد تباين المواقف تجاهه، باعتباره آلية لزرع التفرقة بين المغاربة، وكل هذه التفاعلات  والأصداء استقاها  الباحثُ من مقالاتِ وتغطياتِ مجلة الفتح. كما تطرق من جهة أخرى  لكلٍّ من الموقف السلطاني والموقف الفرنسي من حركة الاحتجاجات ضد الظهير البربري؛ قبل أن يُختتم بتطرق مجلة الفتح لردودِ فعل الوطنيين المغاربة في الخارج؛ حيث رصدت  المجلة الدور الذي قام به الطلبة المغاربة في باريس للتعريف بالسياسية البربرية، وفضح مراميها وخباياها لدى الرأي العام الفرنسي، والذي ظلّ يعاني من التضليل بواسطة الصحف والمطبوعات والكتب المغرضة التي كان يكتبها دعاةٌ من المستعمرين والمبشرين المتواطئين. كان على رأس أولئك الطلبة المغاربة الذين أتت المجلة على ذكر اسمهم، عمر بن عبد الجليل ومحمـد بن الحسن الوزاني. ومن بين التفاعلات الأخرى التي أبانت عنها مجلة الفتح، تطرقُها لصدور كتيّبٍ باللغة الفرنسية في باريس يحملُ عنوانا مثيرا:  «عاصفة في المغرب، أو أخطاء سياسة بربرية» “Tempête sur le Maroc ou les erreurs d’une politique berbère..”، وكان ذلك من بين أوجه الدعم التي قدمتها المجلة للمغاربة ضد سياسة الظهير البربري، حيث نشرت ترجمةً لمقدمة الكتاب الذي يقع في 74 صفحة من حجم الصغير، كما نشرت فهرسه الذي ضم سبعة فصول، وبذلك ساهمت في نشر الوعي بأبعاد هذه السياسة وخلفياتها لدى المشارقة، وعززت بذلك لحمة العروبة والإسلام بين أبناء الأمة الواحدة.
في الفصل الخامس، يتطرق الدكتور مصطفى الرايس للموقف العربي وكذا موقف اليسار الفرنسي من الظهير  البربري في المغرب، حيث يرصد موقف الجمعيات الإسلامية، كجمعية «شباب المسلمين» وجمعية «الهداية الإسلامية»،  ويتتبع أصداء صدور الظهير البربري في المؤتمر الإسلامي العام بالقدس، ودور المصلح شكيب أرسلان في التعريف بالقضية البربرية في المحافل الدولية،  ويتتبع  أخبارها باعتبارها مصدر جدلٍ بين جريدة «الأهرام» و»الفتح»، ثم يرصد تفاعلات الصحافة اليسارية الفرنسية مع القضية نفسها… ومن بين الأمور التي تسترعي الاهتمام في هذا الكتاب التقديم الذي خصّه به الأستاذ محـمد معروف الدفالي، ومن بين ما جاء فيه إشادته بعمل الدكتور مصطفى الريس باعتباره من مقتحمي مبحث التأريخ اعتمادا على المتن الصحفي المشرقي، إذ رغم وجود محاولات سابقة في هذا المجال، إلّا أنها ظلت في نظره «محتشمة وتميزت خصوصا في بعض الحالات بعدم التوثيق». هذا تحديدا ما تمكّن الدكتور مصطفى الرايس من تجاوزه من خلال حرصه على توثيق المادة التي اشتغل عليها، إذ نجده في أحد فصول الكتاب يقدم جدولا بمقالات مجلة الفتح التي اعتمد عليها، ويصنفها من حيث جنسها وكاتبها والعدد الذي صدرت فيه، والصفحة التي ظهرت فيها، وهذا إنما يدل على أن عمل الدكتور مصطفى الرايس يكرّس تقاليد البحث العلمي الجاد، المتّسِم بالكرم ونكران الذات، حيث أنه يوثق المتن الصحفي الذي اعتمد عليه، ويسهل المهمة على باحثين آخرين ممن قد يرغبون في مزيد من التحقيق في هذا المجال. كما يتميّز كتاب الدكتور مصطفى الرايس بتشريحه لسياسة فرنسا الاستعمارية في المغرب، والتي اعتمدت في تنفيذها على ثلاثة محاور أساسية: استقطاب النخب بغية تحييدهم من الصراع على السلطة، اعتماد «سياسة إسلامية» ظهرت بمقتضاها فرنسا مدافعة ومحافظة على الأسس الثقافية الإسلامية للمغرب، حيث بدا ذلك جليا من خلال تثمين المعمار الإسلامي المغربي وتكريسه في بناياتها الإدارية النفعية، مثل المحاكم والبنوك «بنك المغرب خصوصا» والعمالات وبعض المساجد، ثم السياسة البربرية، موضوع هذا الكتاب.
هناك ملاحظة أخرى تسترعي الانتباه في هذا الكتاب، وهي الإهداء المتميز الذي خص به الأستاذ الرايس المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، أحد رموز النضال الوطني سواء ضد الاستعمار أو من أجل بناء المغرب الديمقراطي.

أستاذ باحث ومترجم
كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانيةـ سطات


الكاتب : إدريس ولد الحاج

  

بتاريخ : 18/05/2022