ترجمها الراحل أحمد الدرعي منذ نحو قرن وبقيت حبيسة الأدراج
دأبت دار الكتب الوطنية، منذ سنوات، على تلقي عدة هبات وإهداءات من مبدعين وكتاب ومن ورثة مثقفين فارقونا لكن وعيا من عائلاتهم بأهمية مكتباتهم وضرورة توسيع دائرة المستفيدين منها، قرروا وضع مكتباتهم على ذمة رواد المكتبة الوطنية.
وفي هذا السياق يأتي إصدار رواية «باتوالا» التي ترجمها التونسي الراحل أحمد الدرعي (1902-1965) بعد أن أهدى ورثة الفقيد مخطوط الرواية، لدار الكتب الوطنية وتولى تحقيقه الأستاذ الباحث عبد الوهاب الدخلي. تقول الكاتبة والجامعية ومديرة دار الكتب الوطنية رجاء بن سلامة في تقديمها لهذا الكتاب الصادر منذ أيام عن دار نقوش عربية «رجل من المارتنيك اسمه روني ماران (1987-1960)، كان موظفا صغيرا غير منضبط بالإدارة الاستعمارية الفرنسية، عمل بإفريقيا، وكتب رواية تصف قسوة «البيض» على البشر والحيوانات، وقسوة الحياة على «بتوالا»، زعيم القبيلة الذي هرم ودارت عليه الد وائر، وتسخر بمرارة من الإرث العنصري الذي يعود إلى مونتسكيو نفسه.
وتضيف بن سلامة قائلة «هذه الرواية، رغم نقدها اللاذع لمظاهر الظلم والجبروت في الاستعمار الفرنسي، في مقدمتها وعلى لسان بطلها «بتوالا»، ورغم أن مؤلفها «زنجي « ووصفها في عنوانها الفرعي بأنها «رواية زنجي ة حقيقية»، تفوز بجائزة الغونكور سنة 1921.
لا أحد يعلم كيف وصلت الرواية إلى أحمد الدرعي (1902-1965) بتونس، فترجمها، أو بالأحرى تجشم مصاعب ترجمتها، فهي تنتمي إلى عالم بعيد غريب، هو أدغال إفريقيا الاستوائية، ومعجمها الذي يسمي الحيونات والنباتات والعادات والأشياء ثري وصعب، وفق تأكيد بن سلامة، التي أوضحت قائلة «ما يمكن أن نؤكده، في انتظار المزيد من الأبحاث المتخصصة، هو أن الدرعي ترجم الرواية انطلاقا من طبعتها الأولى التي صدرت سنة 1921، وتضمنت 12 فصلا، خلافا لطبعة سنة 1938 التي أضيف إليها فصل ثالث عشر». وقد توفي أحمد الدرعي سنة 1965 وبقيت مسودة ترجمته حبيسة الأدراج، وحين تبرعت أسرة الدرعي بمخطوطات والدهم لدار الكتب الوطنية في آخر سنة 2020، وقف القائمون على دار الكتب الوطنية على نص الترجمة الذي انتبه إلى حقيقته الأستاذ عبد الوهاب الدخلي، وقبل بمسؤولية تحقيقه.
وتؤكد رجاء بن سلامة أن «المهمة كانت عسيرة لأن المترجم لم يبيض النص، وترك فراغات كان لابد من ملئها، وإشكالات لابد من توضيحها، تدل عليها في النص معقفات المتن والهامش».وتضيف متحدثة عن سيرة الراحل أحمد الدرعي : كان مزدوج اللسان، يراسل الصحف الفرنسية ويترجم النصوص النقابية، وكان مناضلا ضد الاستعمار، ونصيرا لفئات متنوعة من الضعفاء والمظلومين : العمال، بنشاطه في جامعة عموم العملة منذ سنة 1924، والنساء بدفاعه عنهن وعن صديقه الطاهر الحد اد، والمكفوفين، بتأسيسه جمعية المكفوفين التونسيين سنة 1956، ونشره مجلة تهتم بقضاياهم، وعن السود بترجمته لهذه الرواية التي تعد صيحة فريدة في وجه العنصرية الاستعمارية.