باحثون وأساتذة يناقشون ظاهرة الأمهات العازبات في لقاء مفتوح للشبيبة الاتحادية بتطوان :

محمد السوعلي: المغرب يسجل سنويا ما يفوق 30000 حالة ولادة خارج مؤسسة الزواج

فاطمة اعليلوش :  المشرع المغربي لا يعترف بالأم العازبة لأنه يرى فيها اعترافا وشرعنة للعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج

فوزية بلال : لابد من تظافر جهود الدولة، المجتمع، الأسرة والمنظومة التربوية لحماية القاصرات

 

كشف الدكتور محمد السوعلي عن أرقام اعتبرها صادمة وتضرب في العمق مسألة التماسك الاجتماعي والمواطنة ،الأمر يتعلق ب 30000 حالة ولادة خارج مؤسسة الزواج  تسجل سنويا بالمغرب، وغالبية الحالات لا تتجاوز أعمارهن 26سنة، في حين يتم التخلي سنويا عن 5000 طفل منهم 24 طفلا يلقى به يوميا في القمامة، وذلك وفقا لتقديرات المنظمات غير الحكومية، وأضاف الدكتور السوعلي، الذي كان يتحدث في ندوة نظمتها الشبيبة الاتحادية بتطوان في سياق النسخة الرابعة للقاءات الوردة، مساء يوم الثلاثاء 8مارس الجاري بمقر الحزب، أن هناك إحصائيات أخرى قام بها المركز المغربي لحقوق الإنسان أشارت إلى 100 طفل مجهول الأب يولد يوميا، وهو ما يجعل المغرب أمام ظاهرة اجتماعية خطيرة تتطلب إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث لتسليط الضوء على الأمهات العازبات للوقوف على حجم هذه الظاهرة وأبعادها الحقوقية والاجتماعية والنفسية .
وأشار عضو المجلس الوطني للحزب من خلال محور الندوة حول ظاهرة الأمهات العازبات»مقاربة قانونية اجتماعية نفسية «، أن هذه الظاهرة تحولت من مشكل اجتماعي فردي إلى ظاهرة اجتماعية ذات أبعاد نفسية واقتصادية وقانونية وسياسية ومجالية وصحية، وهو ما يفرض تصريف خطاب جديد يهدف إلى حماية الأمهات العازبات من كل أشكال الإقصاء والتهميش، واتخاذ كافة التدابير لتغيير نظرة المجتمع لهذه الظاهرة الاجتماعية .
وأوضح الدكتور السوعلي أن الأم العازبة تتعرض إلى المعاملة السيئة والإقصاء، من طرف الأسرة والمجتمع، كما تحرم من صفة المواطنة التي تمكنها من حقوقها، وفي نظر المتحدث نفسه أن المواطنة تقتضي احترام حقوق الإنسان والحقوق الجنسية التي هي جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان، ومن السياسات والقوانين الوطنية.
وأبرز ذات المتحدث أن تفشي هذه الظاهرة ينم عن غياب الأساليب الفعالة لتناول موضوعات التربية الجنسية بطريقة صحيحة ومستمرة بل أكثر من ذلك، يقول السوعلي، بجب أن تتم داخل الأسرة بأسلوب تدريجي واضح ومناسب لكل الأعمار، داعيا إلى ضرورة دمج التربية الجنسية في التربية الصحية والإنجابية التي تسهر عليهما الدولة، مع التركيز على التكوين والتوعية عبر صياغة منهجية واضحة لاسيما في ما يتعلق بالتكوين المدرسي، لأن الظاهرة ترتبط بالخصائص الدينية والثقافية للمجتمع .
وأوضح السوعلي أن التثقيف الجنسي الشامل يعالج النمو الجنسي والعلاقات العاطفية وأدوار النوع الاجتماعي ومقاربة النوع، كما أنه يظل أساسيا للشابات المعرضات للعنف ولمخاطر الحمل غير المرغوب فيه و الإجهاض غير  الآمن والأمراض المنقولة جنسيا والاغتصاب والانتهاك الجنسي والجسدي والإيذاء.
واقترح محمد السوعلى عدة عناصر التي يمكن استحضارها عند الحديث عن الأمهات العازبات، من قبيل إحداث مزيد من مراكز لإيواء الأمهات العازبات مع توفير المرافقة المتخصصة، وكذا مساعدتهن على كسب الاستقلالية من خلال تطوير البرامج والمهارات المدرة للدخل، بالإضافة إلى العناية بأطفال الأمهات العازبات ( تمدرس، رعاية نفسية وطبية …).مع تسهيل إجراءات إثبات الأبوة أمام المحاكم عبر تحليل الحمض النووي .
من جهة أخرى أوضحت الدكتورة فاطمة اعليلوش (أستاذة في شعبة القانون ) في هذا اللقاء الذي سير من طرف أمامة بن زاكور وحضره حميد الدراق، النائب البرلماني عن دائرة تطوان، ونائب رئيس جماعة تطوان أنس اليملاحي، وبعض أعضاء المجلس الوطني للحزب أنه « في الوقت الذي يتم فيه الاحتفال بالمرأة هناك نساء لا أحد يتكفل بهن بل يُعتبرن وصمة عار حيث يعانين من التهميش واللامساواة و الإقصاء الاجتماعي، هذه الفئة هي الأمهات العازبات التي تنجب أطفالا خارج مؤسسة الزواج، وهذا الفعل ينتج أطفالا يتم استقبالهم بالرفض ونعتهم «بابن  الحرام « أو رميهم في القمامة، وأحيانا قد يصل الأمر إلى درجة التخلص منهم عبر قتلهم خوفا من العار و الفضيحة» .
وأبرزت ذات المحاضرة، وهي تتحدث عن الإطار الاجتماعي للأم العازبة،» أن هذه الفئة لا يزال المجتمع يرفضها مما يجعلها تتجرع مرارة النبذ والتمييز، بحيث يتركن لمصيرهن هن وأبنائهن، في غياب أية حماية لهن من هذا الإقصاء «، وتساءلت في هذا السياق لماذا يمارس التمييز فقط على الأم وليس على الشريك أيضا؟ هل المرأة وحدها مسؤولة عن هذا الفعل ؟ الدكتورة  اعليلوش عادت لتؤكد على القاعدة التي تقول «لا مفعول بدون فاعل « و في هذا الجرم لا بد من شريك ومن باب تماثل المصطلحات لا بد أن يكون هناك أب عازب، تؤكد ذات المتحدثة، قبل أن تضيف «أن هذه المعادلة لقيت تجاهلا من طرف المجتمع مما يجعل هذه الفئة منبوذة بحكم أن الأنظار دائما تتجه صوبها «.
وقالت الدكتورة اعليلوش» إن الإسلام لم يميز بين الأطفال الذين يولدون خارج إطار مؤسسة الزواج وغيرهم، لكونهم لا ذنب لهم ولهم كامل الحقوق وأولها الحق في الحياة والوجود، ناهيك عن الحق في الأمومة والأبوة والنسب والعيش الكريم، وكذا الحق في الرعاية من طرف المجتمع . فليس من العيب، تضيف المتحدثة نفسها، أن نعترف بمظاهر الخلل داخل المجتمع وإنما العيب أن نتركها تنخر عظامه وتسري فيه  «.
هذا وعرجت فاطمة اعليلوش على الإطار القانوني للظاهرة معتبرة» أن التشريع المغربي سكت سكوتا غير مفهوم عن هذه الظاهرة مما يفسر عدم الاعتراف بالأم العازبة من قبل المشرع المغربي الذي يرى فيه اعترافا وشرعنة للعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، الأمر الذي يتنافى والمرجعية الدينية التي على أساسها تقوم مدونة الأسرة «، كما تطرقت «إلى العديد من السياقات الأخرى سواء على مستوى  الاجتهادات القانونية، التي تعنى بهذا الموضوع أو على المستوى الجنائي، الذي لايزال يتابع الأم العازبة بجرائم الفساد والمشاركة فيها، وكذا على مستوى المواثيق الدولية «.
وخلصت المتحدثة نفسها إلى كون الأم العازبة تعاني الإقصاء والتهميش واللامساواة على المستوى القانوني والاجتماعي.
وفي سياق آخر استهلت فوزية بلال أستاذة في شعبة علم النفس في كلية الأداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، موضوع» الأمهات العازبات والآثار الاجتماعية والنفسية « بالإشارة «إلى كون هذا الموضوع لا يزال يلفه صمت كثيف، بحيث أن الكشف عنه لعامة الناس هو طريقة للفت انتباه الرأي العام حول هذه الظاهرة التي لم تعد هامشية بل أساسية وتتطلب المعالجة بمزيد من الوضوح والشفافية لكونها في تزايد مستمر نتيجة للهشاشة الاقتصادية، العنف الأسري، اشتغال الأطفال،غياب حماية القاصرين، نقص في التربية الجنسبة ،الاغتصاب، زنى المحارم .»
للوقوف أكثر على هذه الظاهرة الاجتماعية المقلقة انطلقت الدكتورة فوزية بلال من تجربة ودراسة قامت بها في هذا المجال، والتي خلصت إلى كون أغلب الأمهات العازبات ينتمين إلى وسط هش وغير متمدرسات وجزء منهن يتشكل من الخادمات، واللواتي لم يتمتعن بأي عاطفة داخل أسرهن خلال طفولتهن، وهؤلاء الضحايا تجدهم أشخاص مدمرين تماما على المستوى العاطفي لذلك تجدهن يرتمين في أحضان أول شخص يلتقي بهن ويعدهن بالزواج، وهذا ما يجعلهن عرضة للاغتصاب، العنف والحمل غير الشرعي .مشيرة إلى صنف آخر من الفتيات العازبات العاملات اللواتي يأتين من البادية، هذه الفئة تضيف المتحدثة نفسها تهرب من فقر البادية لتأتي للعمل في المصانع، وهي فرصة لهن لتكوين صداقات جديدة بعيدة عن المراقبة الأسرية ويبحثن عن شريك يدعمهن في الحياة ويقدمن أنفسهن له مقابل وعد بالزواج .
وفي حديثها عن الآثار الاجتماعية والنفسية أوضحت الدكتورة فوزية بلال «أن هذه الفئة تظل تواجه عزلة قاتلة مع تعرضهن لجل أشكال التهميش و»الحكرة»، كما يعانين من اضطرابات سلوكية ناجمة عن الإحساس بالذنب والشعور بالتهديد والخوف وكذا من العار والفضيحة والحرمان الوجداني ناهيك عن تحملهن للأعباء الثقيلة المرتبطة بالمهمات المنزلية والتربية «.
وللوقاية من هذه الظاهرة اقترحت الأستاذة فوزية عدة تدابير وإجراءات من ذلك تظافر جهود كل من الدولة، المجتمع ،الأسرة والمنظومة التربوية لحماية القاصرات، وكذا القيام بتعليم الفتاة كيف تحمي جسدها من كل من يريد استغلالها ،مشددة على الدور الكبير الذي يجب أن تلعبه المدرسة في تعليم التربية الجنسية والتحسيس بالظاهرة .
وكانت الأخت هدى الشعرة، عضو مكتب فرع الشبيبة الاتحادية الجهة المنظمة للقاء قد أشارت في بداية اللقاء إلى أهمية الموضوع الذي تم اختياره لتسليط الضوء عليه من طرف باحثين وأساتذة،هذا الموضوع الذي يعتبره المجتمع أحد الطابوهات، سيظل من مسؤولية الجميع، وبالتالي يشكل  فرصة لإثارته ومناقشته مع مختلف شرائح المجتمع، وذكرت هدى بالسياق الذي ينعقد فيه اللقاء المتمثل في أيام الوردة في نسختها الرابعة حيث تمت برمجة العديد من الأنشطة التكوينية، الفنية والرياضية،التي تعيد التميز والريادة للشبيبة الاتحادية بتطوان كتنظيم منفتح على جل القضايا المجتمعية خاصة الشباب.
للإشارة فقد عرف اليوم الثاني من هذه التظاهرة تنظيم ورشة تكوينية لفائدة مناضلات الشبيبة الاتحادية حول التمكين السياسي للنساء من تأطير حنان الخميسي .


الكاتب : مكتب تطوان :عبد المالك الحطري

  

بتاريخ : 12/03/2022