باحثون ومهنيون يجيبون عن إشكاليات السياسة الجنائية الجديدة بالمغرب : القانون الجنائي.. هل يغلب المشرع المغربي البعد الإنساني على العقاب والانتقام؟

 

شكل سياسة التشريع الجنائي وتوجهاته نحو الحد من التجريب والمعاقبة موضوع اللقاء الدراسي الذي عقده مركز الدراسات والأبحاث «مدى» يوم السبت الماضي، بشراكة مع مؤسسة المجتمع المنفتح بأحد فنادق الدار البيضاء. إذ جاء هذا اللقاء، الذي أدار أشغاله الباحث زكريا أكضيض، قصد المساهمة في النقاش الجاري بين الفاعلين السياسيين والمدنيين والباحثين حول القضايا الخلافية التي طرحها مشروع السياسة الجنائية المغربية، سواء من حيث إعادة النظر في مناهج وأساليب تطبيقها أو من حيث غاياتها الرامية إلى تغيير مرجعياتها النظرية؛ أي بالسعي إلى الحد من التجريم والمعاقبة ومحاولة مطابقتها مع التوجهات الكونية الراهنة.
في هذا السياق، ذكر المختار عمارة، الباحث في القانون الجنائي، بمختلف المراحل التي قطعتها السياسة الجنائية المغربية منذ الستينيات إلى اليوم، مشيرا في الآن ذاته إلى انفتاحها على تجارب الآخرين. كما أكد على أن وجود المغرب اليوم في محفل دولي يحتفي بثقافة حقوق الإنسان يجعله مهتما بإدخال ديناميتها ضمن سياسته العامة عموما. غير أنه نبه إلى أن مشكلة التشريع الجنائي تكمن أساسا في تنزيل مخرجاته، خاصة أن البلاد ملزمة بضرورة تنفيذ التزاماتها بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية وتعهداتها بمكافحة أشكال العنف ضد النساء والأطفال وحماية سلامة المتمدرسين، إلخ. وهنا، لاحظ المتدخل أن تطبيق القوانين الجنائية السابقة انتهى إلى عكس ما كان متوخى منها؛ أي الحد من الجريمة، مشيرا إلى أن السجون والجزاءات العقابية باتت تفرخ مجرمين، ولا تساهم في إعادة تأهيل الجناة.
ولأن اللقاء كان يروم مناقشة إمكانية حذف الجرائم البسيطة، أو ما يسمى في لغة القانون بالجرائم الضبطية، فقد ساءل عمارة مفهوم «البساطة»، من مداخل سلطة القاضي التقديرية. إذ عدَّ المفهوم نسبيا، كونه يخضع ليقينيات القاضي وقابلية تأثره بالقضية، مما يجعل هذا يراها بسيطة، فيما يراها ذاك غير ذلك. ومن ناحية ثانية، تساءل عمارة عما إذا كانت خصوصية المجتمع المغربي تحول دون تجريم بعض السلوكات.
ويرى عمارة أن سياسة التجريم والمعاقبة، خاصة سياسة العقوبات السالبة للحرية، لم تؤت أكلها خلال العقود الماضية، حيث قادت إلى تشبع العديد من الجانحين والمجرمين بسلوكات إجرامية أخطر داخل السجن، مشيرا إلى أن ذلك راجع إلى أن المشرع لم يرفقها بعمليات التأهيل التي من شأنها أن تساعد على إعادة إدماج المجرم في المجتمع بعد انقضاء محكوميته. لذلك، يميل المشرع الحالي، كما يرى المتدخل، إلى اعتماد العقوبات المالية وما يسمى بعقوبات المنفعة العامة.
وتناول الباحث أحمد بوز، بدوره، التشريعات الجنائية الراهنة، بوصفها تميل إلى خيار الحد من «الجريمة والعقاب» وإحلال بدائل عقابية. وقد انطلق في تناوله هذا من اعتبار مفاده أن التشريع الجنائي تحكمت فيه، منذ البداية، المغالاة في التجريم والتشدد في تطبيق العقوبات. كما أشار إلى أن التحول الآخذ في التحقق الآن نابع من الوعي بأهمية العقوبات البديلة، وكذا الوعي الحقوقي الذي أرسته المنظمات ذات الاختصاص عبر توصياتها وآرائها وندواتها ومذكراتها ودراساتها، فضلا عن إسهام المناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية في تغيير منظور التشريع الجنائي من مجاله القانوني المحدود إلى مجال التداول السياسي المفتوح.
وأوضح بوز أن الجرائم التي يسعى المشرع المغربي إلى إزالة لبوس التجريم عنها تهم أساسا الإجهاض والتشرد والإفطار العلني في رمضان والتسول والفساد الأخلاقي. كما أورد مختلف المبررات التي يستند إليها دعاة رفع التجريم، ملخصا إياها في ضرورة تلاؤم القانون المغربي مع التوجهات الدولية، وتكييف التشريع الجنائي مع دستور 2011، وتحقيق الانسجام مع فلسفة الميدان الجنائي الراهن، وإيجاد حل لمشكلة الاكتظاظ في السجون، واستحضار الظروف الخاصة التي تطرحها بعض الجنايات مثل الإجهاض، وتجاوز التعارض بين التجريم والحقوق والحريات (خاصة حرية المعتقد).
يشار إلى أن اللقاء شهد مشاركة أطر وطنية فاعلة في مجال المحاماة والقضاء والنيابة العامة، أغنت النقاش بدفاعها عن الجهة التي تمثلها أو انتقادها للجهات الأخرى، أو طرحها إشكاليات مغيبة في التداول السياسي والإعلامي الراهن، لكنها توافقت على ضرورة تغيير السياسة الجنائية بما يجعلها تنضبط لمقتضيات ومقررات النصوص الكونية، وتستحضر البعد الإنساني في الجنح والجنايات؛ أي إلى مبدأ الإنصاف، بدل اللجوء إلى العقاب والانتقام.


الكاتب : مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 14/04/2021