باستثمار يفوق 683 مليون درهم.. « تيانيواي» تعزز موجة استثمارات صينية تجاوزت 4 ملايير دولار في قطاع السيارات المغربي

 

أعلنت شركة ” تيانيواي” Tianyouwei Electronics الصينية، المتخصصة في صناعة المكونات الإلكترونية الموجهة لقطاع السيارات، عن إنشاء فرع جديد لها في المغرب باستثمار يقدر بنحو 683 مليون درهم مغربي، أي ما يعادل 65 مليون يورو، يتم تمويله بالكامل من الأموال الذاتية للمجموعة. الفرع الجديد، الذي سيحمل اسم “Tianyouwei Electronics Morocco Co., Ltd”، سيتولى مهمة تصنيع العدادات الإلكترونية وتطوير مقصورات ذكية موجهة لمصنعي السيارات. اختيار المغرب كموقع لهذا المشروع ليس معزولا، بل يندرج ضمن استراتيجية توسع دولي مدروسة وضعت المملكة في صلب خريطة الاستثمارات الصينية في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية.
ويمثل هذا الإعلان محطة إضافية في سلسلة الاستثمارات الصينية المتزايدة في المغرب خلال السنوات الأخيرة، حيث باتت كبريات المجموعات الصناعية الصينية تعتبر المملكة بوابة استراتيجية نحو الأسواق الأوروبية والإفريقية على حد سواء، ومركز إنتاج عالي الكفاءة بفضل البنيات التحتية الصناعية المتطورة والحوافز الاستثمارية المتوفرة. دخول ” تيانيواي” إلى السوق المغربية يأتي في سياق دينامية توسعية واضحة، أطلقتها المجموعة عبر وحدات إنتاجية في كوريا الجنوبية والمكسيك، وينتظر أن يمنح المشروع المغربي للشركة موقعًا متقدمًا على مستوى سلاسل الإمداد العالمية، خاصة في قطاعات السيارات الذكية والكهربائية.
التحول في اتجاه البوصلة الصينية نحو المغرب أصبح اليوم ملموسا، ليس فقط من خلال ” تيانيواي” ، بل عبر موجة استثمارات ضخمة أعلنت عنها شركات صينية أخرى في مجالات مرتبطة مباشرة بصناعة السيارات الكهربائية، مثل البطاريات وموادها الأولية. فقد أعلنت مجموعة Gotion High-Tech عن إقامة مصنع عملاق لإنتاج بطاريات السيارات في القنيطرة باستثمار أولي يناهز 1.3 مليار دولار، مرشح للارتفاع إلى 6.5 مليارات دولار مستقبلا. كما اختارت مجموعة BTR New Material Group، الرائدة عالميا في صناعة الكاثودات، الاستثمار في مصنع بطنجة بكلفة تفوق 3 ملايير درهم. وتضاف إلى هذه المشاريع استثمارات شركات صينية أخرى على غرار Hailiang وShenzhen Senior Technology Material، ليرتفع إجمالي الاستثمارات الصينية في سلسلة تصنيع البطاريات إلى ما يزيد عن 4 ملايير دولار خلال عام 2024 فقط.
هذا التوسع الصيني في المغرب لا يمر دون ملاحظة، خصوصا في ظل اشتداد التنافس العالمي حول سلاسل التوريد الاستراتيجية للسيارات الكهربائية. والمثير أن الشركات الصينية لم تكتف بتصدير منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية، بل أصبحت تزاحم فعليا الشركات الأوروبية نفسها على الأراضي المغربية. فبينما كانت شركات مثل رونو وستيلانتيس تهيمن على المشهد الصناعي المغربي لعقود، بدأت الشركات الصينية تنافسها على عقود التوريد، واستقطاب اليد العاملة المؤهلة، والاستفادة من نفس البنية التحتية والخدمات اللوجستية التي جعلت من المغرب أحد أبرز قواعد الإنتاج في شمال إفريقيا.
ولم يكن هذا التحول المغربي نحو استقطاب هذه الاستثمارات اعتباطيا، بل ناتج عن رؤية ملكية واضحة تسعى إلى تعزيز تموقع المملكة في سلاسل القيمة الصناعية العالمية، وخاصة في القطاعات الخضراء والتكنولوجية. فالمغرب، الذي أصبح أول مصدر للسيارات في إفريقيا بإجمالي صادرات تجاوز 14 مليار دولار سنة 2023، يطمح إلى جعل 60% من صادراته من السيارات كهربائية أو هجينة بحلول عام 2030. ومع توفره على موارد استراتيجية مثل الفوسفاط والكوبالت، وعلى بنية تحتية متقدمة كميناء طنجة المتوسط ومنطقة طنجة تيك الصناعية، بات يمثل منصة مثالية للمجموعات الصينية التي تبحث عن بدائل موثوقة لآسيا في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة.
وتواصل الصين، من جانبها، تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع المغرب، حيث بلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين حوالي 9 مليارات دولار في 2023، ما يجعل بكين ثالث شريك تجاري للرباط عالميا. ويبدو أن الشراكة تتجاوز منطق التبادل التجاري التقليدي إلى نوع من التكامل الصناعي المتقدم، تعيد من خلاله الصين رسم خرائط إنتاجها العالمي، واضعة المغرب في موقع مركزي، خصوصا في القطاعات المرتبطة بالانتقال الطاقي والتحول الرقمي.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 02/09/2025