وداعا المبدع الجميل لحسن زينون

 ثمة الآن موسيقى تائهة تحتاج إلى من يأخذ بيدها

 

 

انتقل إلى رحمة الله الفنان والأستاذ الكوريغرافي والمخرج السينمائي والراقص/المشخص لحسن زينون، أمس
الثلاثاء بعد تعرضه لوعكة صحية، أدخل على إثرها إلى المستشفى، في الأسبوع الماضي، مما خلف حسرة و ألما
كبيرين في قلوب عائلته و أصدقائه من الفنانين و المثقفين و الاعلاميين.
وكان الشاعر عبد الحميد جماهري قد قدم، ضمن فعاليات الدورة السادسة لمهرجان تاصميت للسينما والنقد، قراءة في كتاب لحسن زينون «الحلم المحظور» جاء فيها:
« من ضروراته الحكي عن الأم، وبدا لحسن زينون كما لو أنه يكتب سيرة والدته، وهو لم يولد بعد من داخل فكرة الخلق نفسها. هي الفكرة تقوم على قسوة رهيبة. هنا أيضا الأم عائشة، زوجة الحسين، تتنقل بين مكناس والبيضاء، لكي تحمل إلى أخيها وأبيها المسجونين بتهمة باطلة، في العاصمة الغول.
عائشة، الحامل، بابنها لحسن، هي سيرته قبل الميلاد في شتنبر 1944. سيرته سيرة كبرياء الأم وشموخها ورهافتها وإنسانيتها. يخيل إليك أنه يضع الديكور لحياته القادمة، ويرسم المشهد قبل ولادته. إنه في المحصلة جنين يكتب من داخل الرحم التي تحملهُ.الراقص البطل مدين كثيرا للمرأة: الأم أولا، لسانا دولسكي، السيدة ماكوفياك… حنا فوس مديرة باليه والوني، طبعا زوجته ميشيل،طريق الأنبياء في الواقع طبعا الذي لابد من قطعه للوصول إلى التتويج الأعلى. وحصل ذلك لما عينت نجما راقصا لأداء الشخصيات الرئيسية في 1969، وكانت انطلاقة جسدية كبيرة عندما تفرغ لحسن زينون لجسده، وجها لوجه مع أفلام تسكن أطرافه.. وأولها قدماهومن المفارقات التي طبعت هاته المرحلة أن هذا الهوس الفني الراقص لم تكن ترافقه عناية حياة الجسد «.
من جهته كتب أيوب العيسي: « شيخنا لحسن زينون: الفنان والأستاذ الكوريغراف والمخرج والراقص/المشخص المعبر الخجول دوما، الذي يترك للإبداع وللإنسانية وحدهما مجالات لتنفذ عبر الوجدان.
وكأن الفضاء بدأ يخلو من الراقصين الصادقين/الفنانين الحقيقيين المكسرين للمسلمات والآخذين على أنفسهم ليبنوا بكل جوارحهم معا هذا المشترك الذي نحبه ونسميه الوطن!! وكم ترجل الكثير من الكبار من أعمدة البناء مع الشعب في سنين ما بعد الوباء الثقيلة. فتمسك بنا أرجوك، كما ندعو لك رب السموات بحجم هذا الحب الشاسع الذي نكنه لك أن تنجو من محنتك الصحية هذه، متمسكين بشخصك المهذب الخلوق وبإبداعك المتفرد الجميل، حتى تكتمل رقصتك بنخوتها وأنفتها الرائعة سنوات أخرى من العطاء، إن شاء الله ».
أما عبد الإله الجواهري فكتب مقالا بعنوان : « لحسن زينون ، راقص السينما المغربية العجيب ..» لحسن زينون ، أو راقص السينما المغربية المبدع ، الكوليغراف الأكثر وثوقا في النفس وإبداعية في العطاء ، صاحب « الصمت « القاتل» و «البيان « المغري و «عثرة « القمع في وطن العشق، بل مبدع « عود الورد «، الذي لم يذبل ولن يذبل رغم موت ورحيل قرص « شمس» و الناقش بكل قسوة على جسد «موشومة « مغربية أمازيغية اسمها « مريريدة « الشاعرة المتمردة « العاهرة ، بنت الجبال الأطلسية المتوسطية الساحرة ، ومصمم « فرحة دكالة » بإيقاعاتها المنتصرة لفن العيطة التراثية المحبوكة في قوالب ورؤى زينونية عصرية، بل مصمم عشرات الرقصات الخالدة، رقصات منحته الشهرة واللعنة في نفس الآن، رقصات جعلته مرات أقرب وأدنى من غياهب الجب وتسلط سيف الجلاد ..لحسن زينون ، أو أستاذي الذي لم أسمع له يوما صوتا إلا ناصحا، لم ألتق به في مكان أو مهرجان إلا وجدته هاشا مبتسما ، لم أتفرج على إبداع من إبداعاته إلا واستكشفت فيه حسا عميقا مرهفا ..لكل ما أعطيت أو لم تعط ، لإنسانيتك العميقة واحترامك لذاتك وجمهورك وأصدقائك، بل لوفائك لأسرتك وبلدك وفنك، أقول لك ، سلاما يا سيد الخطوات المضبوطة والرقصات الجليلة الناضحة بالمحبة… »
أما بنيونس عميروش فكتب:» مِن الكوريغْرافْيا إلى المَعْنى البَصَري، انضم لحسن زينون إلى المعهد البلدي للموسيقى بالدار البيضاء في 1958، لتعَلُّم العزف على البيانو، ثم تلقى دروس الرقص الموصول بنظرة مجتمعية دونية. مع ذلك، تابع دروس الرقص بكثير من الولع والجدية ليحصل على الجائزة الأولى للمعهد في 1964. توجه بعدها إلى بلجيكا، حيث أحدث موريس بيجار Maurice Béjart ثورة في الرقص بإنشاء «باليه القرن العشرين» ومدرسة مودرا Mudra الذائعة الصيت، وأعاد الاعتبار للأدوار الرجالية حينها. وهناك في بروكسيل، انتقل زينون إلى حالة الانفتاح القمينة بتعَلُّم تعابير الرقص، واتجاهاته العابرة للحدود.
ولج التلميذ البيضاوي المعهد الموسيقي لمسرح موني باقتراح من موريس بيجار، وسيتمكن من الانخراط في فرقة محترفة سنة 1965 بعد انتقائه في مباراة باليه والوني تحت إدارة حنّا فوس التي صار يسميها «أمه البلجيكية». توالت العروض التي منحت الباليه الملكي لمنطقة والوني روحا دولية حيوية، ومعها سار لحسن زينون على خطى كبار الراقصين المنفردين (جانين الشراتJannine Charrat، ميجيلنافارو Miguel Navarro، غوستاف موياجول Gustavo Mollajili، مينيا مارتنيزMenia Martinez، وسواهم)، بينما حظي بالرقص مع الراقصة النجمة كلير موت Claire Motte التي أسرَّت له بحقيقة اهتمام الملك الحسن الثاني بالرقص الكلاسيكي، ومن ثم حفزته على العودة إلى المغرب رفقة زوجته ميشيل باريت (الراقصة بالفرقة ذاتها)، على أمل إنشاء فرقة رقص وطنية تقوم على أسس أكاديمية وتحقيق المصالحة مع فن الرقص.
رجع زينون إلى الوطن في 1973 بعد أن صعد نجمه، فتم تعيينه وزوجته أستاذَيْن للرقص بالمعهد الوطني للموسيقى والرقص بالرباط، ليقررا العودة إلى بلجيكا بعد ثلاث سنوات من المثابرة والعمل الجاد، وبعد الإحساس بضبابية الأفق الناتج عن سوء فهم أهدافهما في مجال الرقص. مع يقين العزيمة، سَيُقرران الإقامة بشكل نهائي في الدار البيضاء سنة 1979، وينجحان في إنشاء «مدرسة زينون للباليه والمسرح » (L’Ecole Ballet Théâtre Zinoun)، باعتبارها مؤسسة خاصة لتعليم الخصائص الكوريغرافية والجمالية للرقص الكلاسيكي».
رحم الله الفقيد و أسكنه فسيح جناته

 

 


الكاتب : مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 17/01/2024