بجعد، مدينة تحميها بركة الأولياء الصالحين

 

بجعد مدينة عتيقة تمتد جذورها لعدة قرون، وعلى خلاف العديد من المدن التاريخية في المملكة، فهي لا تتوفر على سور دفاعي. فقد كانت بركة مؤسسها، الشيخ أبو عبيد الله محمد الشرقي، منذ القرن العاشر الهجري، بمثابة السور الذي يحميها. هذا الشيخ اختار هذا المكان غير المأهول لتأسيس الزاوية الشرقاوية، التي أصبحت مع مرور الزمن مركزًا روحانيًا وعلميًا بارزًا.
تكمن قوة هذه المدينة في موقعها بين فاس ومراكش، وفي كونها مركزًا علميًا وتجاريًا هامًا في الطرق المؤدية نحو تمبكتو. وقد خُصّص لها كتاب يحمل عنوان: «بجعد التراث المعماري وهندسة المدينة» من تأليف عبد الغني خلدون، وصور للفنان جمال المرسلي الشرقاوي، نُشر ضمن منشورات « كولوركوم مراكش» وعُرض خلال ندوة في المعرض الدولي للكتاب مساء أول أمس الأربعاء.
الكتاب مكتوب باللغة الفرنسية، ويقع في 218 صفحة، ويضم فصلين: الأول حول الإرث الحضري، والثاني حول الإرث المعماري للمدينة. كما يحتوي على صور ولوحات رائعة تعكس جمال وتنوع هذه المدينة، التي تضم عددًا من أضرحة الأولياء الصالحين الذين يعتقد أن بركتهم حمت المدينة لقرون طويلة.
وقد كانت الندوة مناسبة للاحتفاء بتاريخ بجعد، والتراث المعماري الغني الذي لا تزال تحتفظ به حتى يومنا هذا. وكما أشار مؤلف الكتاب خلال الندوة: «مع تطور العولمة، أصبح العالم يميل نحو الحداثة والهندسة المعاصرة، متجاهلاً التراث وكل ما هو قديم. إلا أن العالم بدأ يشهد اليوم تحوّلًا في هذا التوجّه، نحو إعادة الاعتبار للمدن العتيقة والتراث المعماري.
وأضاف المؤلف أن الحريق الذي اندلع في كاتدرائية نوتردام بباريس والتعبئة الدولية الكبرى التي شهدها الحدث لإعادة ترميم هذا المعلم التاريخي، باستخدام نفس التقنيات التي استُعملت في بنائه قبل قرون، يعكس بوضوح الأهمية المتزايدة التي يُعطى بها اليوم لترميم التراث، وهي دعوة للاهتمام بكنوز مثل مدينة بجعد التي تزخر بمعالم معمارية وتاريخية فريدة.
وفي تقديمه للكتاب، دعا الوزير السابق الحبيب المالكي القراء للاهتمام بهذا العمل الاستثنائي، الذي يتناول منطقة ينتمي إليها ويعتز بها، مشيرًا إلى أن الكتاب يدعو إلى سفر عبر الزمن، لاكتشاف الطابع الحضاري والمعماري الذي يميز مدينة بجعد منذ قرون طويلة. مدينة وصفها بأنها «تمنح السعادة وتثير إعجاب كل من يزورها»، سواء كانوا زوارًا للأضرحة، كتابًا، فنانين، مؤرخين، أو حتى الزوار العاديين. إنها مدينة تكشف أسرارها عبر عظمة آثارها التاريخية.
منذ تأسيسها، حظيت المدينة بمكانة متميزة، وتحولت بسرعة من رباط ديني صغير إلى تجمع عمراني مهم، ومركز علمي وثقافي، يستقبل الطلاب، والزائرين، والقوافل التجارية، ويوفر لهم المأوى والطعام والأمان، خاصة أولئك القادمين من أو نحو شمال غرب المملكة وجنوبها الشرقي.
يسلط الكتاب الضوء على التراث المادي وغير المادي للمدينة، وعلى كنوز مكتبتها، ومدارسها العتيقة، وعلمائها، وشخصياتها التاريخية والمعاصرة، فضلاً عن حياتها الاقتصادية، ودور الأقليات غير المسلمة، خاصة اليهود، في تطورها. كما يُبرز الدور المحوري الذي لعبته الزاوية الشرقاوية، التي ساهمت في تطور عمراني بارز أفرز مدينة عتيقة، تزخر بمعالم تضاهي في روعتها أشهر المباني التراثية في البلاد. وقد صُنّفت بعض هذه المعالم كرموز دينية وتاريخية، من أبرزها ضريح الشيخ المؤسس محمد بوعبيد، والمسجد العتيق، والأزقة المحيطة به.
هذه المدينة، بطابعها الصوفي والديني، كانت دومًا ملاذًا للوافدين، وساهمت في إغناء الثقافة المغربية عبر تاريخها الطويل، واحتضنت العديد من الجاليات، من بينهم اليهود المغاربة الذين ساهموا في نموها.
ومن خلال مئات الصور الجميلة التي التقطها الفنان جمال المرسلي الشرقاوي، ابن المدينة، يكشف هذا الكتاب عن غنى وتنوع التراث المعماري والتاريخي لمدينة بجعد، التي تختلف عن باقي المدن العتيقة في المملكة، بفضل طابعها المتفرد وتعدد أحيائها المستقلة.
هذه المبادرة الجماعية، عبر إصدار هذا الكتاب، تسعى إلى لفت الانتباه إلى هذه المدينة العريقة، ذات المعمار المتميز، والتاريخ الروحي العميق للزاوية الشرقاوية، والتي تُعدّ من أهم الزوايا في المملكة. مدينة حفظتها البركة، وينبغي تسجيلها بسرعة في قائمة التراث العالمي لليونسكو.
هي مدينة لا تزال غير معروفة بما يكفي، لكنها تستحق الزيارة… وكما يقول أهل بجعد
.»اللِّي جَانَا، يِمْشِي فَرْحَان»


الكاتب : الرباط: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 26/04/2025