بحضور الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر في اللقاء الوطني الذي نظمته هيئة جمعيات المحامين بالمغرب المحامون يعلنون «معركة بلا هوادة « ضد التغول الحكومي »

 

بحضور  الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الأستاذ إدريس لشكر، وهيئات سياسية وحقوقية ونقابية، نظمت جمعية هيئات المحامين بالمغرب مساء أول أمس السبت (21 شتنبر2024)، تحت شعار «من أجل مسار تشريعي مسؤول ومحصن للمكتسبات الحقوقية والدستورية»، لقاء وطنيا حاشدا، من أجل الوقوف على ما يعتبره القطاع تراجعات على مستوى المنظومة التشريعية المغربية، وتحديدا المسطرة المدنية الجديدة التي يرى المهنيون أنها انتكاسة حقوقية وتناقض صارخ للدستور المغربي وكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها المملكة.
وقد شدد اللقاء، الذي جمع داخل المسرح الوطني محمد الخامس بالرباط بين نخبة من المحاميات والمحامين والإطارات المهنية والشبابية القادمة من مختلف ربوع المملكة، على أن مشروع قانون المسطرة المدنية لا يسير نحو تنمية وتعزيز ضمانات المتقاضين وحقهم في الدفاع والولوج السهل والميسر والمتبصر للعدالة، والحق في التقاضي، الأمر الذي يدل على وجود أزمة في مجال التشريع، مستنكرا تهميش مهنة المحاماة التي تعد رمزا للحرية في كل أنظمة العالم وأحد الأعمدة التي تقوم عليها كل الديمقراطيات، وجدت لتنتصر لقيم المشروعية، وكانت بالصفوف الأولى لمختلف ساحات نضال المجتمع المدني بجميع أشكاله.
وفي هذا السياق استحضر الحسين الزياني، رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، الرصيد الحقوقي والمهني للجمعية، مشيرا إلى أنه رغم ما يحمله دستور المملكة من مبادئ ومكتسبات وآفاق، فإن مهنة المحاماة لازالت لم تحظ بما يدعمها ويطورها ويؤهلها ويعزز تفاؤل المحامين، وذلك لضمان عدالة ناجعة انسجاما مع المتغيرات الوطنية والدولية، فضلا عن إرساء دعائم عدالة فعالة مواكبة للتطور، وتوفير مجال عمل واضح وآمن بما يعطي مؤسسات الدفاع مكانتها الحقيقية.
وشدد المتحدث على أن المحامين نساء ورجال كانوا دوما رجال قانون وفعل، ولا يتأملون الأشياء للتغني بجماليتها، بل لتصويب الاعوجاج من خلال إسهاماتهم وتوصيات مؤتمراتهم وآرائهم المعبر عنها تاريخيا، موضحا أن إعدام وقتل دور الدفاع هو حتما إعدام وقتل للعدالة ولأحلام المحاميات والمحامين بواسطة قوانين من رحم برلمان الأمة.
وأكد النقيب أن مطالب المحاميات والمحامين المغاربة ليست مادية ولا خاصة، بل هي مطالب تهم المواطن بالدرجة الأولى، كما أنها تشكل مظهرا من مظاهر مقومات دولة الحق والقانون، وهدفا استراتيجيا من أهداف إصلاح منظومة العدالة الذي تم إغفاله والتراخي فيه، مشيرا إلى أن المحاماة لازالت تتخبط في مآسي تشريعات ماسة باستقلالها ومجال عملها ومكانتها، أفرادا ومؤسسات مهنية؛ وهو وضع ناتج بلا شك عن سياسيات مرتبكة أورثت فشلا في تدبير هذا القطاع، مضيفا بالقول «من غير المعقول أن تصدر بلادنا برامج للتنمية في حين تظل المحاماة تعيش على هامشها وفتاتها، وهي من استقبلت أفواجا كبيرة في السنوات الأخيرة من أبناء هذا الوطن دون التفكير في مجال عملهم ومستقبلهم وكيفية اندماجهم  وإدماجهم في واقع محفوف بالمخاطر.. ومن غير المعقول تهميش انتظارات المحامين الذين يتطلعون لقانون مهني حداثي متطور ويتطلعون إلى اتخاذ الخطوات الحقيقية من أجل تطوير مهنة المحاماة، سواء تعلق الأمر بتحديث التشريعات والقوانين، أو التكوين والتدريب المستمر، واستخدام التكنولوجيا، وتقوية المؤسسات المهنية، وتحسين الوصول إلى العدالة، وتشجيع التخصص، ودعم وتعزيز استقلالية المحامي والمهنة، أو من حيث مراعاة الجانب الاجتماعي للمحاميات والمحامين وأنظمتهم الاجتماعية بما يلائم خصوصياتهم، أو من حيث تفعيل مبدأ التشاركية الدستوري بلياقة الحوار الجاد والمسؤول وأخلاقياته».
وتابع الزياني قائلا :»إن المكانة القانونية والحقوقية والمجتمعية للمحاماة أسست في كل بقاع العالم مع جميع مؤسسات الدولة في إطار علاقات تكامل مع رسالة الدفاع. هكذا كان حتى عهد قريب عندما نهج شرفاء هذا البلد مبدأ التشاركية الفعلية في تعاملهم مع جمعية هيئات المحامين بالمغرب في مجال العدالة قبل إقراره في الدستور الحالي، ولاشك ان تغييب هذا المبدأ وضربه بشكل علني واستبداله بسياسة الأمر الواقع واللغة الخشبية لا يمكنه أن يخدم مصلحة العدالة، ولا الوطن، ويدمر حتما مكونات البناء الذي تقوم عليه منظومة العدالة»، مؤكدا على أن مطالب المحاميات والمحامين ليست المساومة أو المهادنة باعتبارها قضايا مركزية متكاملة لمهنة المحاماة، بدءا بقانون مهنتهم ونظامهم الاجتماعي، وتنزيل نظام ضريبي عادل يراعي خصوصياتهم المهنية، ويحافظ على مكانتهم وموقعهم في التشريع والقوانين الإجرائية ذات الصلة بمجال عملهم وأدوارهم واستقلالهم، داعيا إلى تعديل يكون معيارا للرشد السياسي والتطور وأن لا يعدم المبادئ أو يعلقها، حيث تابع رئيس الجمعية مستنكرا: «عندما يصير التشريع أداة للتهديد إلى درجة الاستبداد ووسيلة للتضييق والتهميش، وعندما تشوه المفاهيم، وحين تعود لغة الانتقام وتسبك محاولات تكسير جناح العدالة وإسقاطه، حينها تصبح مسؤوليتنا الاخلاقية والتاريخية هي أن نكرس معركة كبرى لا هوادة  فيها على كل من يريد تدمير المحاماة فوق رؤوسنا. فلا يلومن أحد المحامين إن هم دخلوا في المعارك الكبرى، وقد علمتنا الحياة أن الضربات القوية تفتت وتهشم الزجاج لكنها تصقل الحديد».
واسترسل رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب قائلا: «إن بروز احتجاجات المحامين بالمغرب بمختلف أعمارهم وتعبيراتهم في السنوات الأخيرة بأشكال ودرجات متفاوتة وعودة النقاش حول مكانة الدفاع وموقعه وقضاياه، وإن ذوبته ظرفيا انتظارات الحوار بحرص كبير من المؤسسات المهنية وآمال الانتقال الاستراتيجي للدولة في ظل الدستور الجديد، هو بلا شك نقاش مرتبط بالسياسات العمومية غير المندرجة في حماية الحقوق والحريات وغياب وضع استراتيجية قطاعية منسجمة تعتمد المقاربة التشاركية الهادفة إلى تحقيق الحكامة الناجعة، كما أنه مرتبط بظهور بوادر تهميش الدفاع والتضييق عليه في بعض التشريعات المقدمة من طرف الحكومة وخنق المقاربة التشاركية، وبروز خصاص في عدد من القوانين الداعمة أو المعززة لدولة الحق والقانون والحامية لتوابث القانون والعدالة.  كما أن المحامي الممارس لمهام الدفاع يوميا والحامل لهموم موكله يشارك في صنع القرار القضائي، إلا أنه لا يحظى بالإمكانيات القانونية والواقعية للقيام بمهامه، إضافة إلى أن المجهودات الذاتية لهيئات المحامين لم تعد كافية أمام التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وظهور المحاماة العابرة للقارات، الأمر الذي يفرض على الدولة أن تساهم في برامج التكوين والتكوين المستمر، ووضع برنامج مشترك لتأهيل مهنة المحاماة وتوفير البنية الضرورية لتجهيز مكاتب محامين وتأطير العاملين بها، وتوفير سبل التأهيل وبنياته، لأن مساهمة الدولة في تكوين الفاعلين في منظومة العدالة هو أحد الأركان الجوهرية في ورش إصلاح منظومة العدالة في المغرب، بيد أن هذه المساهمة لا تقل أهمية عن دورها في رفع التحديات التي تلامس استقلال الدفاع على المستوى التشريعي».
من جانبه استحضر عزيز رويبح، نقيب هيئة الرباط، في بداية مداخلته، ما يعيشه قطاع غزة من ويلات رافضا الغطرسة الصهيونية وضعف القانون الدولي.
وأكد المتحدث أن اللقاء الذي يجمع أصحاب البدلة السوداء بالمغرب جاء من أجل الكرامة والمساواة ودولة الحق والقانون، وللدفاع عن مطالب مشروعة تصب في مصلحة المواطن الذي يعد مركز تفكير وانشغالات المحامين والمحاميات، قائلا :» لن نرضى بتقزيم أدوارنا والارتكان في أضيق زاوية وإنهائنا الممنهج والمقصود، بما لا ينفع الوطن والعدالة في شيء. تاريخيا موقع المحاماة في المغرب كان استثنائيا في المحيط العربي والإفريقي، وفي أصعب الظروف التي عاشها المغرب وأخطر المنعطفات السياسية، ولم يتم التضييق عليهم أو المساس بحرياتهم، وعلى النهج نفسه استمر التعامل مع الدفاع في مختلف تموجات الزمن السياسي المغربي وتحولاته. كما أن جلالة الملك محمد السادس عبر، بالفعل والرمز، على هذا النهج والرقي».
وتابع رويبح قائلا :»مع الأسف، إنه في نفس الدولة أصبحنا اليوم نحاكم دون حق في الدفاع من طرف أشخاص ووجوه سياسية هي عارضة على كل حال ودوامها من المحال، نحاكم النقباء ومجالس وهيئات ومحامين، ونشهر بهم في قبة البرلمان دون تحفظ أو مراعاة لمشاعرنا وقداسة مهامنا بالمباشر والوكالة والحواشي كالصيغة التي اقحموها في المسطرة المدنية. لن نصمت أو نهادن لأننا على حق. إن مطالبنا حق، وربما هنالك من لم يستوعب بعد ماذا تعني المحاماة للمحامي والمحامية. صعب على صناع الريع والمستفيدين منه أن يستوعبوا علاقة المحامي بالمحاماة، وأن يفهم الانتهازيون والانتهازيات هذا الرابط، إذ قد نقدم لأجلها كل التضحيات»، مشيرا إلى أن العدد الذي ولج المحاماة في المغرب يعتبر رقما قياسيا.
وأفاد النقيب أن قانون المسطرة المدنية لا يفكر بهؤلاء المحامين والمحاميات، ولا يستحضر مستقبلهم مضيفا بالقول:» بلغ السيل الزبى، لا إفراط ولا هرولة ولا تصعيد بدون سقف. سنتخذ مواقف قوية عندما تقتضيها الضرورة، والضرورة تقتضي اليوم أن نكون أول الملتفين حول بعضنا البعض. نحن هنا، هذه الملحمة والوطنية والقوة في الطرح والشجاعة في الاحتجاج، هي ما تحتاجه المحاماة في مفترق الطرق، وعلينا أن لا نركب سيارة بدون سائق».
«من جهته، أكد سعيد بعزيز، رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، خلال هذا اللقاء، أن المشاركة اليوم إلى جانب المحاميات والمحامين في لقائهم الوطني جاء انطلاقا من قناعة نابعة من حزب الاتحاد  الاشتراكي للقوات الشعبية، بخصوص عدم الاقتناع بمشروع قانون المسطرة المدنية، مشددا على أنه الموقف الذي سبق أن أعلن عنه الحزب، منذ بداية المناقشة العامة في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب قائلا: «أكدنا حينها على أن الأمر يحتاج إلى تأني، وإلى تجاوب حقيقي مع التعديلات التي أتينا بها، وكنا سباقين، في الفريق الاشتراكي- المعارضة الاتحادية، إلى طرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة بالمساواة أمام القانون، والولوج المستنير إلى العدالة ومجانية التقاضي والحق في القاضي ومجموعة من المبادئ التي تعتبر مبادئ كونية، والتي أيضا كرسها دستور المملكة، والتي قلنا أساسا أنه لا ينبغي التراجع عنها. ومن هذا المنطلق، أعلنا منذ البداية أن هنالك أمورا مخالفة للدستور داخل هذا المشروع، وقلنا في لحظتها  بأن موقفنا هو أن نحيل هذا المشروع، وأن نبادر إلى إحالته على القاضي الدستوري باعتباره مختبرا  للنصوص القانونية بعد انتهاء مسطرة التشريع أمام مجلسي البرلمان».
بدوره كشف المحامي وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مصطفى عجاب، أن الغرض من هذا اللقاء هو التعريف بالانتكاسة التي تواجهها مهنة المحاماة مع مشروع قانون المسطرة المدنية، حيث قال:» مع كامل الأسف رغم المرافعات القوية للفريق الاتحادي بمجلس النواب، فقد أبت الأغلبية إلا أن تجيز هذا القانون بكل ما يحمله من تراجعات حقوقية تمس بكل الحقوق المكتسبة للمحامين والمواطنين المغاربة في المساواة أمام القضاء، وفي اللجوء المتنور إلى القضاء، وفي حق التقاضي على درجات، وفرض غرامات لا مبرر لها»، مشيرا إلى أن هذا قانون «يحفل بالتراجعات والنيل من المكتسبات التي حققها المجتمع المغربي، لا سيما بعد دستور 2011، و كان من المنتظر أن يسجل هذا القانون هذا التقدم، ويستبطن هذا التطور الذي يهدف إليه المغرب، من خلال هذا الدستور. مع الأسف الشديد نعتبر في قطاع المحامين الاتحاديين أن هذا القانون يشكل رِدة قانونية في بلادنا، والمحامون عازمون على التصدي لهذا القانون بكل الوسائل المشروعة، ونحن كمحامين اتحاديين نتحمل كامل مسؤوليتنا في دعم وحدة المحامين والمحاميات المغاربة في التصدي لهذا المشروع. حزبنا قام بما يجب أن يقوم به على مستوى الغرفة الأولى. اليوم المشروع عرض على الغرفة الثانية، ونراهن على أن فريقنا في الغرفة الثانية سيواصل هذا الترافع من أجل التراجع عن ما يتضمنه هذا المشروع من نكسة ورِدة وأن نجد الآذان الصاغية للتراجع عن هذا التغول الحكومي في المجال التشريع والذي يشكل نكسة ورِدة حقيقية».
في السياق نفسه، أكد محمد الماموحي، المحامي بهيئة تطوان، أن هذه الوقفة الوطنية جاءت لإيصال صوت المحاميات والمحامين المغاربة إلى كل من يهمه الأمر بصوت مرتفع وقوي يؤكد على أن القوانين المهيكلة للمسطرة المدنية هي قواعد وقوانين مضرة بعدد من المكتسبات، وماسة بالمكسبات الحقوقية التي انتزعها الشعب المغربي والقوى الحية عبر مسار نضال طويل وشاق، وحافظ على هذه المكتسبات الحقوقية ورسخها في الدستور قبل أن تقوم قواعد المسطرة المدنية التي جاءت بالعديد من  التراجعات، ليضيف قائلا :»إن المحاميات والمحامين في هذا اللقاء الوطني يؤكدون على أنهم لن يتنازلوا عن مواصلة الدفاع عن هذه الحقوق التي هي في واقع الأمر ليست حقوقا مهنية خاصة بالمحاميات فقط، بل يدافعون عن تقوية رسالة المحاماة وعلى صيانة هذه المكتسبات الحقوقية التي يتمتع بها المواطن المغربي وحقه في الولوج الآمن والمستنير للعدالة، وأيضا حقه في وجود عدالة تسود فيها المساواة بين جميع الفئات والطبقات، وتضمن المحاكمة العادلة لتقوية العدالة المغربية. إننا نعتبر أن التحولات التي حدثت في المغرب بعد دستور 2011 هي مكتسبات لابد لنا أن نعمل على صيانتها وتطويرها، لكن للأسف هذا التغول الحكومي والسياسة الليبرالية التي جاءت بها الحكومة يضران بكل هذه المكتسبات، لكن المحامين كما كانوا دائما سيظلون في طليعة القوى الحية لمواصلة الدفاع عنها».


الكاتب : مكتب الرباط: مراسلة خاصة

  

بتاريخ : 23/09/2024