«بذور من أرض الاختلاف” لأحمد بلحاج أية وارهام دراسات في فلسفة المكان والشعروالعرفان من زاوية الاختلاف

الاختلاف سنة في الكون،وفي الطبيعة والحياة،وفي بني الانسان،فهم مفطورون عليه لتعميرالكون بما يتناسب وفطرتهم لا بما يعني التفرقة والتنابذ . وهو غيرالتفرُّق والتشتت والانقسام. فالاختلاف يعني التنوع والتعدد والتكامل في ظل وحدة متماسكة متجذرة في تربة الوجود كالشجرة المتعددة الفروع والأغصانوالأوراق.
ولاشك أن رفعَه إلى درجة القيمة العليا يقتضي أن يقوم على أسس قويمة تربط المختلف بمحيطه المادي والإنساني، وتجعله يعطي اعتبارا للآخر،واعترافا كليا به، وبحقه في الاعتراض أو الاتفاق،وتحديد التزامات كل طرف.
وبهذا تتحقق التعددية، وتمحي أحادية التفكير والسلوك. فالعالم القائم على التعددية يتقوى أكثرمن العالم المبني على التطابق الفكري ،لأن الأنساق الفكرية المسلمة بالتعددية والاختلاف هي القادرةعلى الصمود في وجه التطرفات والانحرافات. فالنمسق الفكري المنفتح يتطوركلما دخل في حوارمع الأنساق الفكرية الأخرى، بينما غيره يبقى في خندق التسلق بحكم انغلاقه، وميله إلى القضاء على كل من يخالفه الرأي؛ إذ لا اختلاف ولا تسامح ولا تعددية في دائرته.
وفي هذا المنحى صدرللشاعرالدكتورأحمد بلحاج آية وارهام منذ شهورفي القاهرة كتاب موسوم ب:(بذور من أرض الاختلاف) يدورالحديث فيه عن مباهج الاختلاف، وعن فلسفته التي لن يتأتى لنا العيش في عالم اليوم إلا بانتهاجها، لكونها النبض الحي للتعايش والتسامح والتخلي عن النظرة التصادمية القائمةعلى تقسيم العالم إلى أصدقاء وأعداء.
فالحقيقة متعددة الجوانب، وليست في جيب أحد،ولا في مكنته أن يحيط بها،ولاسبيل إلى الإلمام ببعض جوانبها إلا بالحوار، لوضع حد لمختلف التصادمات، فقد غدا واضحا أنه لم يعد من الممكن قبول التطرف في النظر والعمل، وادعاء طرف ماأنه وحده من يمتلك الحقيقة، وعلى الأطراف الأخرى الخضوع لأوامره،ولذا ينبغي التخلي عن المفهوم المطلق للحقيقة، والتسليم بنسبيتها، وتعدد سبل الوصول إليها؛فالحقيقة تُبنى،وليست مُعطى جاهزا وقائما بذاته. فالهوية لاتقوم على ماهو الشيء،وإنماعلى تفاعل الشيء مع نقيضه ،فكثيرمن النزاعات مرجعها الهويات العمياء، والعرقيات والمعتقدات الدينية واللغوية.
فإذا كانت الهوية ترد إلى الوحدة، فإن الوحدة لاتُقصي الاختلاف؛ بل تُعلي من شأنه بوصفه مَعبَرا منفتحا على الغير.
فالاختلاف تحفيزعلى التفكيرفي مختلف الجوانب،وإبداع مستمر للمعنى وللقيم، وتحريرللفكر ولطاقاته من مستنقع آسن، ورغبةٌ دائمة في مجابهة صعاب الحياة.
إنه – كما يرى الكاتب – فلسفة تأمُّل الخارج،وليس فلسفة تأمل الداخل .فالحياة من منطلق فلسفة الاختلاف هي الحقيقة في بعد من أبعادها، بها نكون نمارس التفكير الحر، وهذا لايعني أن هذا التفكير في الحياة يعد ركونا إلى المبتذل، وإلى الحس المشترك؛ فالارتباط بالحياة مسألة ضرورية لأي فكر ناهض بالاختلاف.
ولتوضيح هذا كله بنى المؤلف عمله على فصول ثلاثة:
* كرس أولها لمكر المكان وفلسفته ولغاته التي تتكلمها الذوات.
*وثانيها للاحتماء بالعرفان كقوة روحية، ومظلة واقية للنفس من التفسخ والانهزام في الحياة.
* وثالثها للرؤيا والحلم في الشعر كلغة اللغات التي يستقر بها معنى الوجود، ويتألق ثم أتبع ذلك بخاتمة تجعل المتلقي ينشدُ الاختلاف، ويحاضنه محاضنة العاشق.


بتاريخ : 20/06/2023