شبيبة الجواسم: بين المطرقة النوستالجية وسندان التبخيس

من يتحدث عن الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب بنبرة يختلط فيها الحنين بالمظلومية، والتقدير بالتبخيس؟ بعضُ هذه الكتابات ينطلق من محبة صادقة للجواسم، لكن بعضها الآخر يزعم احتكار الحقيقة المطلقة حول تاريخ هذه المؤسسة، ويحاول تقديم الجيل الجديد وكأنه مجرد امتداد باهت لما سبق، عاجز عن حمل المشعل، أو حتى فهم ماهية العمل السينمائي الثقافي.
لكن، دعونا نضع الأمور في نصابها: هل الجواسم ملكية فكرية محفوظة لحقبة بعينها؟ وهل للأجيال السابقة حق وصاية مطلقة على مستقبل الأندية السينمائية؟ لماذا يتحول البعض إلى «شرطة النوستالجيا»، وكأن أي محاولة للخروج عن القالب القديم هي خيانة للتراث السينمائي المغربي؟

أندية سينمائية أم نوادي حنين؟

لنكن صرحاء، الجواسم لم تكن يوما مجرد كيان جامد يدور في فلك أمجاد الماضي، بل كانت دائما فضاء متجددا يحمل في طياته دينامية شبابية تتغير بتغير الزمن.
ولو عدنا إلى أي مرحلة من مراحل تطورها، لوجدنا دائما صراعات بين أجيال مختلفة، لكن الفارق أن الأجيال السابقة كانت تحصل على الفرصة الكاملة لإثبات ذاتها، دون هذا الحصار النوستالجي الذي يفرض اليوم على الشباب الحالي.
هل المطلوب أن نبقى أوفياء لمنطق «هكذا كنا نفعل»، وكأن السينما المغربية والعالمية لم تتغير؟ هل ينبغي أن يلزم الجيل الجديد بنسخ تجربة الماضي، حتى وإن تغيرت آليات العمل والتلقي والتفاعل مع الصورة السينمائية؟

القيادات الحالية: نضال رغم كل الصعوبات

قيادة الجواسم اليوم ليست امتيازا بقدر ما هي مسؤولية ثقيلة. الأوضاع الاقتصادية والثقافية التي تعيشها السينما المغربية اليوم تختلف تماما عن سياقات السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات.
في الماضي، كان للثقافة السينمائية حضور قوي في الأوساط الطلابية، وكان النقد السينمائي جزءا لا يتجزأ من الوعي الجماعي، أما اليوم، فقد أصبح الشباب محاصرا بمنصات الفيديو السريعة والمحتوى الترفيهي الاستهلاكي، مما يجعل العمل داخل الأندية السينمائية أكثر تعقيدا.
ورغم ذلك، فإن القيادات الحالية تعمل على تجديد الخطاب السينمائي، وإعادة تعريف العلاقة بين النادي السينمائي والجمهور، دون السقوط في فخ التكرار أو إعادة إنتاج نفس الأساليب التي ربما لم تعد مجدية اليوم.

من التلقين إلى الحوار: فلسفة جديدة في العمل السينمائي

الفرق الجوهري بين الجواسم اليوم والجواسم في العقود الماضية هو التحول من منطق التلقين إلى منطق الحوار.
لم يعد النادي السينمائي مجرد فضاء لنقل المعرفة بشكل عمودي، بل أصبح منصة للنقاش التفاعلي، حيث يلتقي الطلبة والنقاد والمخرجون الشباب لصياغة رؤى جديدة حول السينما، بعيدا عن «التقديس» الذي يريد البعض فرضه على تجارب سابقة.
الجيل الجديد لا يرفض الماضي، لكنه يرفض أن يكون مجرد تلميذ في مدرسة لا تسمح له بالخروج عن المناهج القديمة. يريد أن يعيد تعريف دوره، وأن يصنع لغته السينمائية الخاصة، سواء عبر التفاعل مع السينما المستقلة، أو استكشاف إمكانيات الإنتاج الرقمي، أو حتى عبر التفكير في صيغ جديدة لعروض الأفلام والنقاشات.

برنامج الجواسم اليوم: استمرارية أم قطيعة؟

من يتابع أنشطة الجواسم حاليا يلاحظ أن هناك جهدا حقيقيا للموازنة بين الإرث الثقافي والتجديد الضروري. المهرجانات التي تنظمها الأندية السينمائية، والورشات التكوينية، والنقاشات النقدية، كلها تأتي ضمن رؤية لا تنكر ما تحقق في السابق، لكنها أيضا لا تقبل أن تتحول إلى مجرد «إحياء» لحقبة ماضية.
القول بأن «الجواسم لم تعد كما كانت» هو اعتراف ضمني بأن الزمن قد تغير، لكن هل هذا التغير سلبي بالضرورة؟ أم أن المشكلة الحقيقية تكمن في بعض العقليات التي لا تريد أن ترى أن للأجيال الجديدة الحق في رسم طريقها الخاص؟

دعوا الجيل الجديد يعمل!

ليس مطلوبا من الأجيال السابقة أن تتنحى، لكن مطلوبا منها أن تفسح المجال.
الجواسم ليست «ناديا مغلقا» لمن صنعوا أمجادها في السبعينيات أو الثمانينيات، بل هي مشروع مستمر، يحمل كل جيل جزءا من مسؤوليته، ويضيف إليه وفق رؤيته وإمكاناته.
النقد مطلوب، لكن التبخيس مرفوض. التوجيه ضروري، لكن الوصاية غير مقبولة. شبيبة الجواسم اليوم لا تدعي أنها تملك كل الإجابات، لكنها على الأقل تطرح أسئلة جديدة، تحاول أن تجد موقعها وسط عالم سينمائي متغير. فإن كنا نؤمن فعلا بروح الأندية السينمائية، فعلينا أن نمنح الجيل الجديد فرصته، ونكف عن معاملته كضيف غير مرحب به في بيت بناه أجداده.

*النادي السينمائي لمؤسسة كرنفال تطوان للدراما والإبداع تطوان – المضيق الفنيدق


الكاتب :   ابن الجواسم، محمد العاقل

  

بتاريخ : 22/03/2025