لم يكن في حسبان كثيرين أن القوى العظمى الأولى في العالم من الممكن أن تعيش أجواء من الخوف والقلق كتلك التي عاشتها في شتاء 1944، حين خاضت الولايات المتحدة كبرى معاركها في الحرب العالمية الثانية في غابات الأردين، حينها واجهت الولايات المتحدة آخر هجوم مضاد لنخبة القوة البرية للقوات المسلحة الألمانية صاحبة التجهيزات الميكانيكية الأفضل في العالم آنذاك.
إذ كانت المرة الأولى لواشنطن في اختبار أولى مسارح الحرب على تخوم تضاريس جرمانيا القديمة، وبالفعل حققت القوات الألمانية تقدماً كبيراً في هجومها المضاد جعل تشرشل يطلق علي المعركة اسم معركة “الثغرة”.
من عاصر تلك الأجواء التي امتزجت فيها هيبة القوة المدرعة الألمانية بتضاريس جرمانيا الحادة والمنبسطة، بسطوة سلاح الجو الأنجلو-أمريكي. كان أحد أفضل العقول الاستراتيجية بالعالم المعاصر، “هنري كيسنجر”. فماتزال تلك الأجواء في ذاكرته، حين كان جندياً في فرقة المشاة، وقد استعدت أزمة كورونا بتباعاتها النفسية من تفشي الخوف والذعر، هذه المشاهد الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
قبل أن يتغير شكل ونظام العالم بعدها بصورة دراماتيكية. كيسنجر في مقالته الأخيرة بصحيفة “وول ستريت جورنال” صنّف أزمة كورونا بـ “لا مثيل لها”، وتنبئ بتداعي المجتمعات.
الإرباك الذي أحدثه كورونا، دفع إدارة الرئيس ترامب بإعادة تفعيل قانون الإنتاج الدفاعي، لكن ثمة إرباكِ تشهده القطاع المجتمعي الأمريكي يفوق ارتباك الإدارة بوجود حالة من الخوف ترجمتها تفاعلات سوق السلاح.
صحيفة نيويورك تايمز، بعدما تحصلت علي بيانات فيدرالية، وقامت بتحليلها، لتجد أن الأمريكيين خلال شهر مارس فقط، قاموا بشراء نحو مليوني قطعة سلاح. ليصبح شهر مارس، ثاني أكثر شهر إشغالاً لسوق السلاح بعد يناير 2013، حين تزامن مع فوز الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بفترة رئاسية ثانية، وحادثة إطلاق النار الجماعي بمدرسة “ساندي هوك” الابتدائية التي قُتِل فيها 28.
مخاوف الأمريكيين، من أن تدفع حالة تفشي الوباء لحالة من الاضطرابات المدينة، جعل الإقدام على شراء الأسلحة الشخصية يرتفع بمنحي أكبر من الحالات السابقة، إذ فرضت إدارة أوباما العديد من القيود لشراء الأسلحة الهجومية ما وضعها بسعر أعلي مقارنة. حتي جاءت أزمة كورونا لتنسف السابق وتعبر عن قلق ومخاوف عميقة لدي الأمريكيين من حدوث الاضطرابات المدنية التي تهدد حياتهم وحياة ذويهم. وخاصة بعدما تدافع الآلاف منهم للحصول علي مستلزمات المعيشة من الغذاء والدواء ما أثار الذعر أكثر.
“الناس مذعورون، إن ثمة إضرابات مدنية قد تحدث مع ارتفاع عدد المصابين بالمرض، وعدم قدرة الأجهزة الحكومية علي القيام بمهامها في ظل هذ الأزمة”، هكذا تحدث “تموثي ليتون” ، أستاذ القانون بجامعة جوروجيا وخبير صناعة الأسلحة، لنيويورك تايمز.
وبالفعل، سُجِلت العديد من حوادث إطلاق النار المرتبطة بحالة الخوف من تفشي الوباء لدي الأمريكيين.
تم ربط العديد من الحوادث الأخيرة المتعلقة بالبنادق بالمخاوف المحيطة بالوباء. في الأسبوع الماضي ، ألقت الشرطة في ألفاريتا، جورجيا، القبض على رجل اتهمته بتوجيه مسدس إلى امرأتين ترتديان أقنعة وقفازات طبية لأنه يخشى أن يصاب بالفيروس. واتُهِم رجل في نيومكسيكو بالقتل العرضي لابن عمه البالغ من العمر 13 عاماً بمسدس قال للشرطة إنه كان يحمله “للحماية” وسط تفشي المرض. وفي ولاية “مين” ، اتهم رجل لديه إدانة جناية، بحيازة سلاح بشكل غير قانوني زعم أنه يحتاج إلى أسلحة لحماية نفسه أثناء تفشي المرض.
أرقام المبيعات الشهرية، تستند لعدد من عمليات التحقق التي تجريها المباحث الفيدرالية، والتي تنشر هذه البيانات منذ العام 1998، خاصة في الولايات التي لا تدقق في خليفات المشترين.
وفي الأسابيع الأخيرة قفزت المبيعات من السلاح في عدة ولايات، مقارنة بشهر فبراير، ففي يوتا تضاعف مبيعات السلاح لثلاثة أضعاف، وفي ميشيغان التي أصبحت بؤرة تفشي للفيروس في الولايات المتحدة، تضاعفت لأكثر من ثلاثة أضعاف.
أثار النهم علي شراء على الأسلحة النارية مخاوف تتعلق بالصحة العامة ودفع المسؤولين المحليين إلى مناقشة ما إذا كان يجب إغلاق متاجر الأسلحة مؤقتًا. يزعم المدافعون عن تدابير السلامة الأكثر صرامة أن الزيادة الكبيرة في المشتريات يمكن أن تشكل تهديدًا للسلامة إذا لم يتم تدريب المشترين بشكل صحيح، ولم يتم تخزين الأسلحة الجديدة بأمان ولم تكتمل فحوصات الخلفية.
ولكن بعد الضغط من رواد صناعة الأسلحة النارية، قالت إدارة ترامب هذا الأسبوع إن المتاجر مؤهلة لأنشطة تجارية أساسية ويجب أن تظل مفتوحة أثناء الإغلاق إلى جانب الصيدليات ومحطات الوقود ومحلات البقالة.