بسبب القيود التجارية التي فرضتها على فرنسا وإسبانيا بعد مواقفهما المؤيدة لمغربية الصحراء : الاتحاد الأوروبي يلجأ إلى التحكيم ضد الجزائر وعقوبات تجارية تلوح في الأفق

 

في خطوة غير مسبوقة، تعكس تصاعد التوترات بين الطرفين، أعلنت المفوضية الأوروبية عن إطلاق إجراءات تحكيم ضد الجزائر بسبب سلسلة من القيود التجارية والاستثمارية التي تفرضها بالخصوص على فرنسا وإسبانيا، بسبب مواقفهما المؤيدة لمغربية الصحراء، وهي القيود التي يعتبرها الاتحاد الأوروبي خرقا لاتفاقية الشراكة الموقعة بين الطرفين عام 2002 والسارية منذ 2005. تأتي هذه الخطوة بعد فشل المشاورات الدبلوماسية التي بدأت في يونيو 2024، في محاولة لتسوية الخلافات بشكل ودي.
وتتمحور الخلافات بين الطرفين حول السياسات الاقتصادية التي تنتهجها الجزائر، والتي تشمل فرض قيود صارمة على الواردات والاستثمارات الأجنبية. وتشمل هذه الإجراءات، نظام تراخيص الاستيراد، الذي يعتبر بمثابة حظر جزئي على بعض المنتجات، مما يحد من وصول الشركات الأوروبية إلى السوق الجزائرية. حظر كامل على منتجات معينة، مثل الرخام والسيراميك، مما أثر سلبا على الصادرات الأوروبية. تشديد القيود على الملكية الأجنبية، من خلال وضع سقف للحصص الأجنبية في الشركات المحلية، ومتطلبات إدارية معقدة، مثل إعادة التسجيل المتكرر للشركات المستوردة، مما يشكل عقبات إضافية.
هذه السياسات، التي تبررها الجزائر بحماية الإنتاج المحلي والاحتياطيات النقدية، أدت إلى تراجع كبير في الصادرات الأوروبية إلى الجزائر بنسبة 31% ، حيث انخفضت من 24.6 مليار يورو في 2014 إلى 17 مليار يورو في 2024. ومع استمرار الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري للجزائر، حيث يمتص حوالي 60% من تجارتها الخارجية، فإن هذه القيود أثارت استياء واسعا في بروكسل. وبعد فشل المشاورات الدبلوماسية، قرر الاتحاد الأوروبي اللجوء إلى آلية تسوية النزاعات المنصوص عليها في المادة 100 من اتفاقية الشراكة ، والتي تنص على تشكيل لجنة تحكيم حول موضوع الخلاف، وستكون قرارات هذه اللجنة ملزمة قانونا للطرفين، بهدف استعادة حقوق المصدرين والشركات الأوروبية المتضررة.
ورغم أن الخلاف بين الطرفين، يبدو في ظاهره اقتصادي، إلا أنه في العمق، يحمل أبعادا سياسية، حيث أن الشركات الفرنسية والإسبانية هي التي تتعرض بشكل خاص لقيود إدارية وتأخيرات جمركية، ما يؤكد وجود نية مبيتة لاستهداف هذين البلدين، بعد موقفهما المساند لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي المغربية.
ويرى عدد من المتتبعين، أنه في حال فشلت الجزائر في الامتثال لقرارات لجنة التحكيم، قد تواجه عقوبات تجارية أو خسارة امتيازاتها في السوق الأوروبية. علاوة على ذلك، فإن تصنيف الجزائر ضمن قائمة الدول عالية المخاطر في مجال تمويل الإرهاب وغسيل الأموال يضاعف الضغوط عليها، مما يعزز انطباع بعدم الاستقرار والموثوقية لدى المستثمرين الأجانب.
كما يحذر المحللون من أن استمرار الجزائر في سياساتها هذه، قد يعيق جهودها لتنويع اقتصادها، خاصة في ظل اعتمادها الكبير على عائدات الهيدروكربونات. ففي سياق عالمي يتسم بالتنافسية، فإن بناء الثقة والالتزام بالاتفاقيات الدولية يعد أمرا حيويا لجذب الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي.


الكاتب :   الاتحاد الاشتراكي

  

بتاريخ : 19/07/2025