بسبب قساوة سنوات الجفاف المتعاقبة : تراجع مقلق في مردودية قطاع الزيتون بإقليم الرشيدية والفلاحون الصغار أكبر المتضررين

 

يعرف موسم جني الزيتون بالرشيدية هذا العام، فتورا غير مسبوق ، نظرا لضعف الإنتاج و المردودية ، وتعود أسباب هذه الطاهرة الى الجفاف الذي ضرب و يضرب الاقليم منذ سنوات ، وكذا الى نضوب الآبار التي كان يسقي بها الفلاح ، إذ أن مياه السد بدورها قلت ، و وصلت حقينته الى أدنى المستويات منذ بنائه و تشييده سنة 1972 ، وبلغت أقل من 10 بالمائة.

نشاط عريق وجهود التطوير

يعد إنتاج الزيتون من أهم أنشطة الأعمال الزراعية بالرشيدية و الإقليم ، ويمثل 23 % من الناتج الإجمالي للزيتون في المغرب . وقد شهد هذا القطاع تطورا ملحوظا خلال العقدين الماضيين، أدى إلى توسع في الإنتاج ، رغم الظروف المناخية الصعبة .
وشهدت منطقة الرشيدية إنتاج الزيتون منذ القديم ، حيث كان المستعمر الفرنسي قد أسس أول تعاونية لعصر الزيتون سنة 1942 للاستفادة من زيت الزيتون «المعصرة التعاونية قصرالسوق» وكان يرسلها الى الجزائر لدعم القوات الفرنسية من حيث التغذية المحلية . وظل الإنتاج ببوادي الرشيدية يتم بطرق تقليدية في معاصر القصور التقليدية ، حتى مطلع القرن الواحد و العشرين ، حيث بدأت نظهر معاصر عصرية ، وبدأ الانتاج يتكاثر و زراعة أشجار الزيتون تتضاعف بطرق عصرية في ضيعات كبيرة ، لكن يبقى عامل المناخ القار و الجاف هو من يتحكم في الانتاج .
انتاج الزيتون بالرشيدية كان له صيت اقليمي و جهوي و وطني في العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين ، وكان تجار الزيتون يحلون بالرشيدية من فاس و مكناس لشراء المحصول الذي كان يعد بمآت الأطنان ، وكانت المدينة تعج بالمروجين لهذا المنتوج وكان الفلاحين وعموم الأهالي يحتفلون بوفرة الانتاج ، وينشط الرواج التجاري و الاقتصادي.
وحسب معطيات رقمية ، «فإن إنتاج الزيتون هذا الموسم بإقليم الرشيدية بلغ ما يقارب 10 آلاف طن ، وهو مردود ضعيف بالمقارنة مع الموسم الماضي ، الذي فاق انتاجه 25 ألف طن «.
تراجع مقلق
خلال زيارتنا لبعض المعاصر و التعاونيات ، عاينا ضعف الترويج و نقصا في المحاصيل وفراغ مطارح الزيتون ، وغياب المنافسة وحتى الجودة ، نظرا لنوعية الزيتون المحلي الذي تظهر عليه آثار الجفاف ، ما أضعف المردودية حسب بعض أرباب المعاصر .
عبد الرحمان ن. مسير معصرة عصرية ، يقول « إن انتاج الزيتون بالرشيدية ضعيف جدا هذا الموسم ، حيث لم نستقبل الكميات الكبيرة المعهودة في المواسم السابقة ، اليوم ننتظر طويلا لاستقبال الزيتون الكافي حتى نتمكن من مباشرة عملية الطحن ، خاصة وأننا نملك معصرة عصرية قدرتها الإنتاجية 60 طنا في اليوم ، وهو الأمر الذي يعطل اقلاع الآلة اذا لم نتوفر على الكمية المطلوبة في اليوم» .
هذا الوضع ينطبق على مختلف وحدات عصر الزيتون بالرشيدية التي لم تتلق الكميات المعهودة من الزيتون ، فجلها تتلقى أقل من نصف الكمية ، والبعض الآخر يستورد الكميات من مناطق أخرى ( أوطاط الحاج، ميسور ، لقباب …) حتى لا تتوقف محركات المعاصر ، وهو ما يجعل الأهالي ممن لا يتوفرون على حقول زيتون يشترونه من معاصر الخواص ويعصرونه ، ما يوفر الزيت ، ولكن بجودة أقل و بمردودية أضعف، حسب مواطنين . و اللافت أن عددا من الفلاحين الذين لهم مزارع زيتون، لم يتمكنوا من جني ولو قنطار واحد هذا الموسم ؟
وتراوح ثمن القنطار من الزيتون هذا الموسم ما بين 600 و 700 درهم بمردودية بمعدل لا تتجاوز 15 لترا في القنطار ، والذي كان يصل الى 22 لترا في القنطار في المواسم السابقة . وبلغ سعر اللتر ما بين 40 و50 درهما، كما أن الاقبال على شراء الزيت تراجع بالمقارنة مع المواسم الماضية ، بسبب ضعف الانتاج و المردودية و الغلاء .
معطيات رقمية وإكراهات

تعتبر زراعة الزيتون إحدى الركائز الأساسية للنشاط الفلاحي بالإقليم ، اذ تمتد الى ما يقارب 10 آلاف هكتار ، ويبلغ عدد الأشجار ما مجموعه 3 .2 مليون شجرة ( 13 في المائة من الثروة الجهوية) كما أن معدل الإنتاج السنوي يصل إلى 144 ألف طن تقريبا ، حسب الظروف المناخية و حسب ظاهرة التناوب التي تعرفها هذه الزراعة . وهو رقم يبقى دون مؤهلات المنطقة.

و على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي، تلعب زراعة الزيتون دورا أساسيا بما تدره على الفلاحين من مداخيل في بداية كل موسم وبتوفيرها فرص الشغل في عمليات الجني و النقل و التحويل .
ويتكون رصيد الاقليم من مزارع الزيتون من صنف (البيشولون المغربية) خاصة في مزارع مدغرة و الخنك التي تعج بأشجار يفوق عمرها القرن ما يجعل توالدها وقوتها و انتاجها يضعف خاصة وأن المنطقة تمر بجفاف حاد ، وهو معرض للموت ، كما تتوزع مساحته بين قطاع مسقي عن طريق مياه سد الحسن الداخل والسقي بالآبار .
ومن أهم مشاكل التسويق ارتفاع مصاريف النقل التي تضعف تنافسية المنتوج المحلي ، و وجود قطاع غير منظم يتكون من وحدات غير مهيكلة تابعة للخواص ، تقدم انتاجا من الزيوت بفضل استقدامها لأطنان من الزيتون من مناطق خارج الاقليم ، وهو ما يزيد من ارتفاع سعر اللتر من الزيت .
وتستوجب كل هذه المشاكل ، العمل على التنظيم المهني و التنسيق بين مختلف الفاعلين داخل القطاع من الانتاج الى التسويق ، علما بأن المنطقة تتوفر على بنيات تحتية متنوعة ، بدءا من المعصرات التقليدية التي بدأت تندثر عاما بعد عام ، وأكثر من 10 وحدات عصرية تصل طاقتها الى 220 طنا يوميا و 8 وحدات شبه عصرية طاقتها اليومية 60 طنا ، فيما تفتقر الى وحدات لتعليب الزيت لعرضها في السوق ، عدا معصرة واحدة دخلت هذا الموسم في غمار تهيئ زيتون بلدي مشقق ، معروف في المنطقة ، «ويتم استهلاكه بطريقة (شق الزيتون) بالموس و تركه في الماء حتى تقل المرورة ، ثم وضعه في ماء مالح ممزوج بالحامض، وهو ما يضفي على الزيتون نكهة و طعما خاصين» .


الكاتب : فجر مبارك

  

بتاريخ : 17/01/2022