بسبب مشاكل تشلّ العلاقات و»تجفّف» المشاعر .. الطلاق الصامت .. أزواج تحت سقف واحد بدون خلاف ولا ودّ

في أزقة المدن القديمة والحديثة، في العمارات والأحياء السكنية المختلفة، خلف جدران البيوت المغربية، تعيش العديد من العلاقات الزوجية في صمت قاتل، حيث لا صوت للخلاف ولا أثر للود، فقط حياة مشتركة عنوانها الانفصال النفسي والعاطفي، وإن بقي الرابط «الشرعي» قائما. إنها ظاهرة «الطلاق الصامت»، الوجه غير المعلن لأزمة العلاقات الزوجية في المجتمع المغربي، والتي لا تقل خطورة عن الطلاق الرسمي.

الطلاق الصامت هو ذلك الانفصال العاطفي الذي يحدث بين الزوجين دون أن يصحبه انفصال قانوني أو إجراءات الطلاق الرسمي. هو حالة يعيش فيها الطرفان تحت سقف واحد، لكنهما منفصلان في المشاعر، والحوار، والاهتمام، بل وحتى في تفاصيل الحياة اليومية. إنها حياة تفتقد الدفء والتواصل، وتقوم فقط على الروتين، أو الواجبات العائلية والاجتماعية، أو الخوف من نظرة المجتمع.
الصمت بعد الحبّ

من بين القصص التي تكشف الوجه المؤلم للطلاق الصامت، قصة «أمينة»، ربة بيت تبلغ من العمر 39 عاما، متزوجة منذ 12 سنة، تقول بنبرة حزينة متحدثة لجريدة «الاتحاد الإشتراكي» «أعيش مع زوجي في غربة داخل سقف البيت، لا حديث بيننا إلا عن فواتير الكهرباء والماء وحاجيات الأطفال وغرها من التفاصيل غير الوجدانية. حديث بدون عتاب، بلا نقاش، وفي غياب كل مودة. كل واحد في عالمه، ومع ذلك لا أحد يفكر في الطلاق، لأن المجتمع لا يرحم المرأة المطلقة».
من جهته «مراد»، موظف في الأربعينيات من عمره، يروي تجربته بصراحة قائلا «في السنوات الأولى، كانت العلاقة جيدة. لكن مع مرور الوقت، تحوّلت زوجتي إلى مجرد زميلة سكن. لا نتشاجر، لكن لا شيء يربطنا سوى الأبناء. لا أراها شريكة حياة، بل فقط أم أولادي»، مضيفا «نحن نعيش حالة من الانفصال العاطفي الطويل، لكن مع ذلك قررنا الاستمرار في هذا الوضع واخترت ذلك لأسباب مادية بحتة. أفكر في الطلاق دائما، لكنني أعرف مسبقا أنني لن أستطيع تحمل النفقات والواجبات القانونية، من نفقة الأطفال إلى مصاريف السكن والانفصال… لذلك أفضل العيش هكذا، على الأقل أكون موجودا إلى جانب أولادي حتى لو كان الثمن هو أن أدفن مشاعري كل يوم».
شهادتان من بين شهادات كثيرة، تكشف عن واقع صادم، يحضر وسط الأسر المغربية، فالعديد من الأزواج يعيشون معا، لكنهم فقدوا الرابط العاطفي الذي يجمعهم، دون أن تكون لديهم الجرأة على الاعتراف بانتهاء العلاقة. وبين الخوف من نظرة المجتمع، وضغط المسؤوليات المادية وغيرها من العوامل الأخرى، يجد المعنيون أنفسهم أسرى علاقة خالية من الحياة، لكنها مستمرة فقط بالاسم.
أسباب وتراكمات

الطلاق الصامت لا يحدث فجأة، بل يتسلل إلى الحياة الزوجية بالتدريج، نتيجة تراكمات قد تبدو بسيطة، لكنها تتحول مع الوقت إلى حاجز عاطفي، ومن بين الأسباب الأكثر شيوعا التي تتداولها ألسن المعنيين غياب الحوار وعدم قدرة الزوجين على التواصل بصدق ووضوح مما يؤدي إلى تراكم المشكلات دون حل، إضافة إلى الروتين والملل تحوُّل الحياة الزوجية إلى نمط آلي خالٍ من المشاعر والتجديد، فضلا عن الضغوط الاقتصادية، فالتوتر الناتج عن المصاريف والبطالة قد يُضعف العلاقة ويجعل كل طرف يغرق في همومه، ثم هناك تأثير التكنولوجيا من خلال انشغال كل طرف بهاتفه أو مواقع التواصل الأمر الذي جعل الحوار الأسري يتلاشى.
أطفال في قلب العاصفة

لا يمر الطلاق الصامت دون آثار، خصوصا على الأبناء الذين يعيشون في وسط أسري خال من الحب، فالطفل وإن لم ير شجارا بين والديه، فهو يشعر ببرود العلاقة، وبالتالي يكبر في جو جاف عاطفيا، مما ينعكس سلبا على توازنه النفسي وسلوكياته. كما أن أحد الزوجين أو كليهما قد يعاني من الاكتئاب، الإحباط، أو فقدان الثقة بالنفس، نتيجة استمرار علاقة فارغة تُشعره بالوحدة رغم وجود الطرف الآخر جسديا.
إن الطلاق الصامت هو ظاهرة تحتاج إلى الاعتراف أولا، ثم المواجهة، فالصمت لا يُعالج الخلل، بل يُخفيه حتى يتفاقم، والمجتمع الذي يُحمِّل الطلاق الرسمي وحده كل الفشل، يغضّ الطرف عن الانفصال الصامت الذي يحدث داخل الآلاف من البيوت. هذا الوضع يتطلب إعادة بناء ثقافة الحوار في العلاقات الزوجية، والتصالح مع فكرة أن الانفصال العاطفي أشد خطورة من الطلاق القانوني. كما ينبغي دعم الأزواج بمراكز استماع، وتأطير نفسي واجتماعي، وتشجيعهم على المواجهة بدل الاستسلام.
الطلاق الصامت هو موت بطيء للحياة الزوجية، لا يُدوَّن في المحاكم، ولا يُعلن في الإدارات، لكنه يُسجَّل في القلوب، ويُحسّ في كل لحظة صمت بين شخصين كان من المفترض أن يجمعهما الحب. إنه إنذار اجتماعي يجب الإنصات إليه، والبحث له عن حلول قبل أن تتحول العلاقات الإنسانية إلى مجرد واجبات شكلية تخلو من روحها الحقيقية.


الكاتب : لمياء الرايسي

  

بتاريخ : 26/06/2025