يشتكي العديد من الفنانات والفنانين المغاربة من الإنذارات المتكررة التي يتلقونها من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يطالبهم بتسديد مبالغ مالية مترتبة عن استفادتهم من نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض ونظام المعاشات. حيث تفاجأ عدد منهم من تسجيله بالنظام ومطالبته بأداء مساهمات متراكمة لعدة أشهر، وعبر كثير منهم عن صعوبة قدرتهم على السداد مما يزيد من ضغوطهم المالية وسط أوضاع مهنية غالبا ما تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار.
ما فاقم الوضع هو عدم اطلاع عدد كبير من الفنانات والفنانين بأن حصولهم على البطاقة المهنية قد ألزمهم تلقائيا بالانخراط في نظام الحماية الاجتماعية، تنفيذا لمقتضيات القانون رقم 98.15 والقانون رقم 99.15. هذه القوانين، التي تهدف إلى تعميم الحماية الاجتماعية، تنص على أداء الفنانين لمساهمات شهرية تحتسب بناء على دخل جزافي. إلا أن معظم الفنانين لم يكونوا على دراية تامة بتفاصيل هذه الالتزامات، ما جعلهم يفاجؤون بإنذارات تدعوهم لأداء مبالغ كبيرة دون سابق إشعار.
البطاقة المهنية، التي يفترض أن تكون أداة لتمكين الفنانات والفنانين من حقوقهم الاجتماعية والصحية، تحولت في نظر الكثيرين إلى عبء ثقيل. على اعتبار أن المجال الفني يواجه العديد من التحديات لأن طبيعة الاشتغال غالبا ما تكون موسمية وغير منتظمة، مع غياب دخل قار أو فرص عمل مستدامة. هذا الواقع يجعل الوفاء بالمساهمات الشهرية للتأمين والضمان الاجتماعي صعب جدا بالنسبة للكثير، مما يسهم في تفاقم أزمات الاجتماعية لحاملي البطاقة.
في الوقت الذي كان فيه الفنانات والفنانون يأملون أن تحقق البطاقة المهنية فوائد ملموسة، كالتغطية الصحية والحقوق الاجتماعية، أصبحت بالنسبة للبعض مصدر قلق دائم. وعبر العديد منهم عن رغبتهم في التخلي عن البطاقة وشطب أسمائهم من السجلات، لكنهم يواجهون عراقيل إدارية وقانونية تحول دون تنفيذ هذا القرار إلا بعد انتهاء مدة صلاحية البطاقة، ما يعقد الأمور ويتركهم في حالة من الإحباط والشكوى.
أمام هذا الوضع، يطرح بقوة سؤال حول ضرورة مراجعة السياسات المرتبطة بهذه البطاقة المهنية، بما يضمن ملاءمتها مع واقع الفنانين. فالقطاع الثقافي والفني في المغرب بحاجة إلى إصلاحات جذرية لتكييف أنظمته مع طبيعة عمل الفنانين وظروفهم الاقتصادية. ويشمل ذلك إعادة النظر في نظام المساهمات المالية، واعتماد آليات مرنة تتيح للفنانين الاستفادة من الحماية الاجتماعية دون أن تثقل كاهلهم بالالتزامات المالية التي لا تتناسب مع واقعهم المهني المتقطع وغير المستقر.