بعد أعوام من التراخي وغض الطرف.. الدار البيضاء تحاول استرجاع ما ضاع من ملكها العمومي المحتل

شنت سلطات الدار البيضاء حملات لهدم الزيادات العشوائية لبنايات استغل أصحابها تواجدهم بطابقها الأرضي، خصوصا بمنطقة دار لمان بالحي المحمدي التي تم إنشاؤها سنة 1981، لبناء غرف ومطابخ وحدائق عشوائية خارج القانون، بل منهم من بنى منزلا متكاملا في الشارع، مستفيدين من هذا الوضع الذي وفر لهم مساحات إضافية لمساكنهم التي أتموا توسعتها بشكل تدريجي، دون ترخيص قانوني، بعضهم عمد إلى كرائها أو رهنها، البعض باع المنزل الرئيسي وسكن في الإضافة التي أضافها خارج القانون ما ساهم في تشويه النسيج العمراني للحي، وأدى إلى مشاكل في البنية التحتية، كضيق الممرات، وصعوبة ولوج سيارات الإسعاف والإطفاء، خصوصا بمنطقة دار لمان، بالإضافة إلى خلافات متكررة بين الجيران بسبب التعدي على الملك المشترك.
هذه الحملة تعد جزءا من مجهود أوسع لتحرير الملك العمومي وفرض احترام قوانين التعمير، وفي هذا الإطار تساءل البعض لماذا طالت سنوات التغاضي والتراخي عن هذا الوضع إلى أن تفشت البنايات العشوائية وتكاثرت في جميع أحياء الدار البيضاء وليس بالحي المحمدي فقط الذي يحتضن حي دار لمان وكذا مشروع الحسن الثاني الذي عرف في وقت سابق نفس الحملة، وما الأسباب التي دفعت إلى غض الطرف عن مثل هذه الممارسات التي زادت من بشاعة البنايات بالمدينة؟ أحياء كثيرة بالدار البيضاء منها حي عادل وحي لمياء وحي المسيرة تعيش الفوضى ذاتها تحت أعين السلطات، دون الحديث عن باقي مظاهر عدم احترام التصاميم وتعمد البناء خارج الضوابط كزيادة الغرف فوق أسطح المنازل وكرائها أو بيعها؟
الزائر لهذه المناطق المهدمة الآن يصطدم من كم المخلفات والركام المنتشر في الأزقة، حيث حولت «التراكسات» فضاءات عشوائية كانت مأهولة منذ ثلاثين أو أربعين سنة إلى مشاهد من الفوضى والخراب في انتظار تنظيف المكان من أكوام الأتربة والآجر والجبص والنوافذ والأبواب المحطمة، وبقايا الإسمنت والحديد، التي تُركت على حالها، ورغم أن عملية الهدم التي باشرتها السلطات تعد خطوة إيجابية لاستعادة الملك العمومي المحتل إلا أنه يلاحظ غياب خطط موازية للتنظيف وتخليص الأزقة مما تراكم فيها من نفايات هامدة.
من جهتها، عبّرت الساكنة البيضاوية عن أملها في أن تستمر الحملة وتشمل جميع الأحياء التي تعاني من تفشي الظاهرة، مع عدم تفضيل فئة على فئة، أو حي على حي، معتبرين أن هذه الحملة يجب أن تطال كل من يخرق القانون في احتلاله للملك العمومي وليس فقط سكان دار لمان أو غيرها متسائلين لماذا لم تشمل هذه الحملة بعض المقاهي والمطاعم التي تحتل أكثر من خمسة أمتار من الملك العمومي، والتي تصل أرباحها السنوية إلى الملايين؟
وفي سياق متصل تطلق الدار البيضاء التي تفشت فيها ظاهرة احتلال الملك العمومي بشكل كبير، بين الفينة والأخرى، حملات واسعة النطاق لتحريره من قبضة البائعين الجائلين، الذين بسطوا هيمنتهم على الأرصفة والطرقات، في مشهد طالما أثار تذمر البيضاويين واستياء زوار العاصمة الاقتصادية. هذه الحملات التي تشمل مقاطعات الدار البيضاء أسوة بباقي مدن المملكة، تهدف إلى استعادة جمالية المدينة وتحسين ظروف التنقل في فضاءاتها العمومية، خاصة بعد تزايد شكايات المواطنين، إلا أن مظاهر الفوضى تعود في ظرف وجيز، ما يطرح سؤال الاستمرارية والمراقبة المستدامة، ورغم ما لهذه الحملات من فوائد إلا أنه لا يمكن تجاهل الخلفية الاجتماعية لهذا الملف، إذ تشير إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط إلى أن ما يناهز 22 % من سكان الدار البيضاء يشتغلون في القطاع غير المهيكل، ما يجعل فئة عريضة من المواطنين تعتمد على أنشطة غير منظمة لكسب قوتها اليومي، وهذه الحملات لتحرير الملك العمومي تزيد من تفاقم وضعيتهم مما يجعلهم في حالة من الكر والفر مع رجال السلطة، وقد تتطور الأمور في كثير من الأحيان إلى نزاعات تعرض على المحاكم، نتيجة طريقة تعامل السلطات مع هذه الحملات، وكيفية تنفيذها، وعدم تقبل الباعة الجائلين لمصادرة بضائعهم أو طردهم من الأماكن التي يزاولون فيها أنشطتهم غير المهيكلة.
يرى مجموعة من المهتمين بالشأن الحضري أن تحرير الملك العمومي خطوة إيجابية، لكن لا بد من استحضار العدالة المجالية، وتوفير بدائل حقيقية كفضاءات بيع منظمة، أو أسواق نموذجية تراعي ظروف هذه الفئة، بالمقابل يرون أن المدينة التي تستعد لاستحقاقات عالمية ككأس العالم 2030، لا يمكن أن تستقبل الزوار وهي تعج بالاحتلال العشوائي للفضاءات العامة.
هذه الحملات تضع العاصمة الاقتصادية أمام سؤال: هل تتوفر المدينة على خارطة طريق واضحة تستطيع الموازنة بين احترام القانون من قبل الجميع وليس فقط السكان، والمحافظة على جمالية فضاءاتها وكذا تأمين سبل العيش الكريم للمهمشين من سكانها أم أنها ستظل رهينة حلقة مفرغة بين فوضى واحتلال للملك العمومي وحملات موسمية، دون إرادة حقيقية وتنسيق فعال بين مختلف الفاعلين والمدبرين لشؤونها ؟

 


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 23/04/2025