بعد أقل من سنة على انتخابه على رأس الفريق ..أخطاء قاتلة من الرئيس البدراوي ومحيطه تعيد الرجاء إلى ما قبل 2018

بنهاية شهر أبريل، يكون الرجاء البيضاوي، تحت رئاسة عزيز البدراوي، قد خسر أكبر الرهانات التي رفعها بمجرد وصوله إلى كرسي الرئاسة، خلفا لأنيس محفوظ الذي لم يدم مقامه سوى سبعة أشهر، اضطر فيها، وبضغط من «الألترا»، إلى التخلي مرغما من منصبه، بعدما تم التهجم عليه بمكتبه وتخييره بين الرحيل الإرادي أو الإجباري.
فبعد الفوز على الوداد في لقاء الديربي يوم 16 يونيو الماضي، وهو اليوم الذي انتخب فيها رئيسا للفريق الأخضر، في جمع عام لم يستغرق أكثر من ساعة، تهيأت له مهام الإشراف على الفريق، وتم تسويقه كأنه «المهدي المنتظر» الذي سيعيد للنسر الأخضر قوته، وهيبته، فصار يطلع الوعود يمينا ويسارا.

بداية ساخنة

دخل البدراوي إلى مركب الوازيس منفوخ الصدر، رافعا شعار الإصلاح، والقطع مع العهود السابقة، حيث بلغ به الأمر إلى حد اتهام بعض الأسماء بسوء التدبير، وتوعد بطرق باب القضاء لاسترجاع حقوق الرجاء، كما وصف بعض اللاعبين بـ»الكرارس»، قبل أن يعد بدخول سوق الانتدابات بقوة، وأنه سيضخ مبالغ مالية مهمة في سبيل إعادة الفريق إلى ريادته محليا وقاريا.
اعتبر البدراوي لحظة انتخابه مركب الوازيس بمثابة زاوية، وأنه سيعطي ماله ودمه، إن اقتضى الأمر في سبيل الرجاء، حيث أكد على أنه سيعتمد في التدبير على الأسلوب المقاولاتي، وأنه سيحول الفريق إلى مؤسسة تعتمد نظاما عقلانيا بشكل يضمن له موارد قاريا، بعيدا عن منطق العشوائية والارتجال.

الانطلاق من الصفر

اعتقد البدراوي أن دعم المناصرين، وخاصة «الأولترا»، التي قدمته على أنه منقذ العالم الرجاوي من الانهيار، سيمنحه صلاحيات مطلقة لفعل ما يريد، وأنه «قطع الواد ونشفو رجليه»، فكانت أولى قراراته قطع الطريق في وجه الأسماء الرجاوية المعروفة، والاعتماد على أسماء جديدة من المسيرين لم يسبق لهم أن خبروا التسيير الرياضي، فحدثت قطيعة بين الماضي والحاضر، وغرق في التسيير الانفرادي، ما جلب الكثير من الأخطاء، التي وصفتها مصادرنا بالقاتلة.
لقد استعان المسؤول الأول عن الشأن الأخضر بأسماء غير مؤهلة لحمل إرث الرجاء على أكتافها، وكان من بينها عضو وجد نفسه في قفص الاتهام بتبديد أموال عمومية، بعدما كان يشرف على فريق يمارس بالهواة، وينتمي إلى مدينة بنسليمان، المدينة، التي غدت مع البدراوي قلب الرجاء النابض، بعدما حول إليها حتى الحسابات البنكية للفريق.

أخطاء بالجملة

لم تكن الصفقات التي أبرمها البدراوي موفقة في مجملها، فباستثناء المدافع إسماعيل مقدم، والمهاجم الجزائري يسري بوزوق، فإن أغلب الأسماء التي استقدمها كانت عادية، وغير مفيدة، بمن فيها المهاجم حمزة خابا، الذي سيعود بنهاية الموسم إلى العربي الكويتي، الذي نجح في الحصول على خدماته، وكان تدبير الإدارة الرجاوية لهذا الملف سيئا للغاية، لأنه دخل في صفقة لا يعلم تفاصيلها، وكاد يتعرض لعقوبة من الفيفا، بعدما انتدب لاعبا سبق له أن وقع عقدا مبدئيا مع فريق آخر، قبل أن يتوصل إلى تسوية مع الفريق الكويتي من أجل استعارة خابا، الذي رفض الانتقال إلى الكويت وآثر اللعب للرجاء بنظام الإعارة، خاصة بعد دخول الوداد على الخط.
وكانت أبرز أخطاء البدراوي التعاقد مع المدرب فوزي البنرزتي، الموقوف لعشر مباريات، ما يعني أن إدارة الفريق لم تجمع المعلومات الكافية قبل التوقيع مع المدرب التونسي، الذي تعذر عليه الجلوس في دكة الاحتياط، بعد الاعتراض الذي تقدم به أولمبيك آسفي خلال الجولة الأولى، ما كبد الفريق سلسة من النتائج السلبية، قبل أن يتوصل إلى اتفاق بفك الارتباط معه، و تسليم مكانه لمواطنه منذر الكبير.
أخطاء البدواري تجلت أيضا في التعاقد مع اللاعب الليبيري ويلسون، دون العودة إلى اللجنة التقنية، ما كبد الفريق خسارة مالية كبرى، بحصول اللاعب على حكم من الفيفا بتمكينه من 400 مليون سنتيم، في انتظار حكم نهائي من محكمة التحكيم الدولية. فضلا عن التعاقد مع الجزائري بوكاسي، قادما من الدوري العراقي، رغم أن الفريق لا يتوفر على مكان لقيد اللاعب، بحكم أن القانون لا يسمح بالتعاقد مع أكثر من خمسة لاعبين أجانب، ليقضي حوالي ستة أشهر دون لعب، مع ما يتطلبه ذلك من مصاريف للإقامة والتنقل ورواتب شهرية، قبل أن يتخلص منه في فترة الانتقالات الشتوية بإعارته إلى الدوري الفلندي.
وحتى اللاعبون الذين يمارسون حاليا لا يقدمون الإضافة المرجوة، فالصبار فقد رسميته والجزائري بنغيث عجز عن فرض مكانته، ونفس الأمر ينطبق على زكرياء الوردي، الذي دخل احتياطيا في لقاء أو لقاءين، بعدما عاد للرجاء عقب تجربة فاشلة مع الزمالك المصري. ولعل عودته كانت فقط من أجل إعادة جدولة ديونه لتفادي اللجوء إلى الجامعة، ومنعه من دخول سوق الانتقالات، وهو الأمر الذي تكرر من الحافيظي، الذي عاد بنظام الإعارة لستة أشهر، قادما من الحزم السعودي.
ومن الأخطاء المكلفة، نجد كذلك إقدامه على التصرف في مكان أحد المشتهرين على قميص الرجاء، حيث منح موضعه لمستشهر جديد، ما فجر غضب المستشهر المختص في الصناعات البترولية، فقام بفسخ عقده، ليخسر الفريق بذلك حوالي 500 مليون سنتيم سنويا.

اكتتاب قضى على ما تبقى

عجز المسؤول الأعلى داخل الهرم الرجاوي عن الوفاء بالتزاماته، وأولها استقطاب مستشهرين جدد، بعدما سوق أخبار عقب سفره إلى دولة الإمارات، أكد فيها توصله إلى اتفاق مع بعض المستثمرين الإماراتيين، وأن خزينة الرجاء ستنتعش، فعاد بصدر أكثر انتفاخا ليفتتح الأكاديمية يوم الخميس 23 شتنبر، وأذاع في الآذان أن شركائه الجدد سيحضرون الافتتاح، لكن الحضور اقتصر على شخص واحد لم يقدم أي تفاصيل بشأنه.
ومن غرائب الرئيس أنه اهتدى أمام شح الأموال، إلى «حلب» جيوب المناصرين، فأطلق مبادرة «راجا معانا»، على أمل جمع ملياري سنتيم، لكن هذه المبادرة لم تجد الاستجابة المنتظرة، حيث أن الأنصار رفضوا هذا الأسلوب من الابتزاز، الذي حول بنظرهم، فريقا جنى قبل سنة أكثر من عشرة ملايير سنتيم، إلى متسول، فلم يتعدى المبلغ المجموع ثلاثة ملايين درهم.

صراع وهمي مع رئيس الجامعة

أدخل البدراوي الفريق الأخضر في «حرب» غير متكافئة مع رئيس الجامعة، بعدما أعلن خلال مروره ضيفا على أحد البرامج الإذاعية عن استقالته من العصبة الاحترافية لكرة القدم احتجاجا على البرمجة، بعد توالي النتائج السلبية للفريق على مستوى الدوري الاحترافي.
استقالة أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، ورافقتها حملة في صفوف المحبين تتهم لقجع بعدم دعم الفريق والسعي إلى تحطيم طموحاته، وتفضيل فرق أخرى، ما خلق حالة احتقان كبيرة أدى الفريق ثمنها غاليا.
وعاب الكثير من المهتمين على البدراوي دفع الجماهير إلى شن حرب خاسرة، لم تخدم مصالح الرجاء، خاصة وأن حكماء الخضراء لم يتبنوها، وظلت حربا عشوائية، انتهت بطلب صلح، واعتذار.

مركز التكوين بدون تموين

بعد مفاجأة قطع التيار الكهربائي عن الأكاديمية، واضطرار المدرب منذر الكبير إلى برمجة حصصه التدريبية في واضحة النهار، الأمر الذي أعاق تحضيرات المجموعة في أول أيام شهر رمضان، مما أثر على منسوب التحضير البدني والذهني، خلافا للتمارين المسائية بعد موعد الإفطار، تفاجأ نزلاء مركز التكوين، خلال الأسبوع الماضي، بعدم وجود تموين يكفي لتغذيتهم، على خلفية رفض الممون تزويد المركز بالمواد الأساسية، بسبب عدم توصله بمستحقاته المالية العالقة.
وحسب مصادر مطلعة فقد خلق رفض الممون حالة استنفار داخل مركب الوازيس، حيث تحركت الهواتف على وجه السرعة، لتتم تسوية الوضع بشكل مؤقت.
وزادت مصادرنا التأكيد على أن سمعة الفريق تضررت كثيرا، حيث عاد الوضع إلى ما كان عليه خلال فترة الرئيس سعيد حسبان، بعدما أصبحت الوحدات الفندقية ترفض استضافة المجموعة الرجاوية بسبب عدم توفر السيولة المالية.
وأشارت مصادرنا إلى أن فندقا متواجدا بالقرب من جماعة سيدي بليوط رفض استقبال الرجاء قبيل مباراة الأهلي، ما جعل المكتب المسير يستنجد بأحد الفنادق المتواجدة بشارع آنفا، اعتادت المكاتب السابقة على التعامل معه.

العجز يقفز إلى 7.5 مليار سنتيم

ارتفعت مديونية الفريق الأخضر بشكل كبير مع المكتب المسير الحالي، حيث تتوقع مصادرنا أن تصل مع متم الشهر المقبل إلى 7.5 مليار سنتيم، في حال عدم تسديد الرجاء الحالي لأي من التزاماته المستحقة، ما يعني أن الموسم المقبل سيكون شاقا وصعبا.
واعتبرت مصادرنا أن الأجور تلتهم القسط الأكبر من مداخيل الفريق، خاصة تلك المتعلقة باللاعبين، الذين نجحوا في فرض شرط لم يكن معمولا به في السابق، ويتجلى في تقسيم منحة التوقيع على أشهر السنة، فعلى سبيل المثال يحصل أحد اللاعبين على 40 مليون سنتيم شهريا، والبعض الآخر تتراوح أجورهم بين 30 و20 و15 مليون شهريا، وهي مبالغ كبيرة عجز المكتب المسير الحالي عن تسديدها، خاصة وأن مصادرنا تؤكد أن الإدارة المالية للفريق لا تؤدي حاليا سوى الأجور التي تقل عن 7000 درهما شهريا، أما التي تفوق هذا المبلغ فإنها مؤجلة إلى حين.
هي وضعية قاتمة يشهدها محيط الرجاء، الذي لاشك أن طريقة تدبير المكتب المسير الحالي ستحول اللون الأخضر إلى رمادي، وستعيد الوضع إلى ما قبل 2018، الأمر الذي قد تكون له انعكاسات سلبية، خاصة في ظل انتشار خبر استقالة الرئيس من منصبه بنهاية الموسم، حيث تؤكد مصادرنا أن المغادرة باتت شبه محسومة، لأن الوضعية المالية لم تعد جيدة، وأنه سيكون محتاجا من أجل انطلاق الموسم الكروي المقبل لحوالي ستة ملايير سنتيم، يسدد بها مستحقات اللاعبين (حوالي أربعة ملايير سنتيم)، خاصة أولئك الذين ستنتهي عقودهم بنهاية الموسم، على غرار الزنيتي والحافيظي والزرهوني، وتسديد الأحكام النهائية، التي ينتظر أن تتقاطر في الأشهر القليلة المقبلة على مركب الوازيس، وكذا القيام بتعزيزات بشرية، يمكن أن يتكئ عليها الطاقم التقني للبصم على انطلاقة موفقة في الدوري الاحترافي.

«ولادها يطيحوها»

راجت في السنوات الأخيرة، وفي ظل استفحال الأزمة المالية، شعار «ولادها يهزوها»، حيث اعتقدت الجماهير، وفي مقدمتهم «الالترات»، أن الرجاء لا يمكنها أن تعيش من دونهم، وأنهم عصب حياة الكيان الأخضر، الذي يفدونه بأرواحهم وأموالهم، حيث يرافقونه أينما حل وارحل، ويدعمونه بالإقبال على بطائق الاشتراك واقتناء التذاكر مهما غلا ثمنها، الأمر الذي يعطيهم الحق في التدخل في طريقة التسيير.
لقد كانت الجماهير سببا في مجيء الرئيس بودريقة، بعدما رفعت شعار «باسطا» في وجه حكماء الفريق، ورافقوه حتى أوصلوه قمة التدبير، فبلغ معهم نهاية الموندياليتو، لكن بعد ذلك دخل الفريق في حالة انحدار كبيرة، بفعل تراكم الديون، والكم الكبير من النزاعات مع اللاعبين والمدربين، التي كلفت الفريق أموالا كبيرة، ذهبت هباء بسبب عشوائية التعاقدات.
كما أن هذه الجماهير هي التي كانت سببا في إنهاء مهام الرئيس جواد الزيات ورشيد الأندلسي، مع العلم بأن الفريق معهما حقق العديد من الألقاب بأقل التكاليف، واقترب الرجاء من إنهاء الأزمة، قبل أن ينهوا بعدهما مهام الرئيس أنيس محفوظ عقب سبعة أشهر من انتخابه، ليعبدوا الطريق لهذا الرئيس الذي سوق لهم الوهم والوعود.

ماذا بعد؟

أجمعت الكثير من الفعاليات الرجاوية، في اتصالات للجريدة، على أن الوضع الحالي للفريق أصبح قاتما، وأن الإدارة الحالية شتت أكثر ما جمعت، الأمر الذي سيكون من الصعب معه دخول الموسم المقبل بنفس الطموحات والرهانات التي كانت سابقا.
فبعد الغياب المؤكد عن دوري الأبطال، لم يعد أمام الفريق سوى كأس العرش، الذي يمكن أن يفتح أمامه بوابة المشاركة في كاس الكاف، وكذا كأس الأندية العربية، هذه الأخيرة سيكون فيها مطالبا بتجاوز أقوى الفرق العربية.
وأمام هذا الوضع دعت مصادرنا إلى ضرورة التحلي بروح العقل، وأن يتم التأسيس لمرحة جديدة، يتم فيها القطع مع مول الشكارة، شريطة ابتعاد الجماهير عن مركب الوازيس واقتصارها على المدرجات، وأن توضع الثقة في أشخاص يحملون المشاريع والأفكار، وأن يتم اعتبار السنة المقبلة انتقالية، يكتفي خلالها الفريق بإعادة ترتيب أوراقه، والتأسيس لمرحلة جديدة، يستعيد معها الرجاء توهجه وشخصيته.


الكاتب : إبراهيم العماري

  

بتاريخ : 03/05/2023