خلال الأسبوع الماضي شبت النيران بسوق الرصيف، الذي يعد من بين أبرز المعالم التاريخية لمدينة فاس. ويعد هذا السوق الذي بني على طريقة الأسواق الإسلامية القديمة، القلب النابض لاقتصاد المدينة العتيقة، إذ يقع قرب جامع القرويين وضريح المولى إدريس الأزهر.
وحسب مصادر من عين المكان، فإن اندلاع الحريق نتج عن تماس كهربائي، حيث استمرت النيران في التهام الدكاكين المتواجدة بالسوق لساعات طوال، قبل أن يتم إخمادها بفضل المجهودات الجبارة التي بذلها أفراد الوقاية المدنية بمساعدة المواطنين، كما انتقل إلى موقع الحادث والي فاس السيد زنيبر، وياسر جوهر رئيس مقاطعة فاس المدينة، ورجال الأمن والقوات المساعدة والعديد من المسؤولين، ولحسن الحظ أن النيران لم تخلف خسائر في الأرواح، إلا أنها خلفت حزنا عميقا وسط تجار السوق، خاصة الذين فقدوا مورد أرزاقهم، وسكان فاس عامة الذين كانوا يرتادونه للتسوق باستمرار.
ولسوق الرصيف طابع معماري خاص، فدكاكينه متراصة ومتقابلة، وهي قريبة في بنائها إلى المعمار الأندلسي ،كما أنه معروف، ومنذ القديم، ببيع الفواكه الطازجة النادرة التي كانت ترد عليه من البساتين القريبة منه سابقا كـ «التين الشعري والتفاح العكري والأجاص المسكي والرمان السفري، الى جانب الورد البلدي وزهور الارنج» التي كان ولايزال أهل فاس يقطرونها بطرق تقليدية حيث يعلبون مياه الزهروالورد العطرة في قارورات زجاجية، بالإضافة إلى بيع الخضر واللحوم والألبان والمعجنات والأسماك، خاصة سمك الشابل الذي كان يزخر به نهر سبو قبل ان ينقرض في الثمانينات نتيجة التلوث المائي.
ومن أبرز ما يميز السوق المنكوب، مسجد الرصيف العظيم، الذي بناه السلطان مولاي سليمان العلوي، وسقايته المتفردة بزخارفها ودار للوضوء استمدت أسلوب بنائها من المعمار الأندلسي، وكذا مجمع الحمالين “زرزاية ” عند مدخل زقاق المدارج المفضي لساحة «رحبة الزبيب»، حيث كان هؤلاء يحملون مشتريات زبناء السوق إلى داخل دروب وأزقة فاس، وكانوا يعرفون كل سكان أحياء المدينة العتيقة، وكان هؤلاء معروفين بأمانتهم وصدقهم.
لقد عرف سوق الرصيف إصلاحات هامة في السنوات الماضية، حيث تمت تغطية «وادي الجواهر» الذي كانت تنساب بجانبه مياه، مما ساعد وسائل النقل وأصحاب السيارات الخاصة والسياحن على الدخول اليه بسلاسة ن.و أدى إلى انتعاشه اقتصاديا، كما أقيمت في مدخله باب كبرى تحتوي على ثلاثة مداخل زينت بالفسيفساء والنقوش الخشبية، بالإضافة إلى إعادة هيكلة ساحة «سيدي العواد» التي أقيمت فيها باب أخرى بنفس الطريقة التي بنيت عليها باب الجديد، وهما بابان من أبواب فاس السبعة المؤدية الى عمق المدينة العتيقة، ورصفت أرضية السوق بأحجار تازة، وتجنبا لأشعة الشمس الحارقة صيفا، أقيمت فوق فضائه سقيفة خشبية «ماموني». كما تم توحيد أبواب دكاكينه حيث أصبحت كلها خشبية، زيادة على فتح باب كبرى قرب ساحة سيدي العواد تؤدي إلى السوق، وقد ساعدت هذه الإصلاحات على ازدهار سوق الرصيف والأسواق المجاورة له اقتصاديا.
والآن، وبعد هذا الحادث المأساوي، الذي عرفه سوق الرصيف وتجاره، فإن سكان فاس عامة، يناشدون السلطات المحلية والمنتخبة ووكالة إنقاذ فاس، الإسراع بإعادة بناء ما دمره الحريق، وتعويض التجار عن الأضرار التي لحقت بهم، لأن هذا السوق ليس سوقا عاديا، فهو سوق تاريخي ومحطة سياحية تغري الزبائن والسياح بزيارته واقتناء ما يحتاجونه من منتوجات متميزة.