بعد أن خاض «حرب نهاية العالم» .. ماريو فارغاس يوسا «يهدي صمته» للأبدية

توفي الكاتب الإسباني-البيروفي ماريو فارغاس يوسا، الحائز جائزة نوبل للآداب، أول أمس الأحد (13 ابريل) عن 89 عامًا في ليما، حيث كان يعيش منذ أشهر قليلة بعيدًا عن الحياة العامة.
وتشكل وفاة فارغاس نهاية حقبة الجيل الذهبي للأدب في أمريكا اللاتينية، والذي كان فارغاس يوسا آخر ممثليه الكبار.
يُعد يوسا أحد أعمدة حركة «الطفرة الأدبية اللاتينية»، وقد أثارت أعماله، التي تجاوزت الخمسين كتابًا وتُرجمت إلى لغات عديدة، إعجاب القراء والنقاد على حد سواء، بفضل أسلوبه الغني وصوره البلاغية القوية في تناول قضايا السلطوية والعنف والنزعة الذكورية.
كان يوسا واحدا من بين 4 كتاب، وصفوا في القارة اللاتينية بأنهم الكبار، من بينهم الأرجنتيني خوليو كورتزار، والمكسيكي كارلوس فوينتس، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وأخيرا البيروفي ماريو فارغاس يوسا. وقد جاء صعودهم في تلك القارة، والانطلاق منها إلى بقية بلدان العالم، اعتبارا من بدايات الستينيات، بالتزامن مع ما بات يُعرف بطفرة الرواية التي شهدتها أمريكا اللاتينية، وكان هؤلاء الأربعة، من بين أبرز ممثليها. في حين كان مجرد ذكر أسمائهم، يستدعي اسم خورخي لويس بورخيس، الكاتب الأرجنتيني الذي كان له الفضل، في تشكيل خريطة الأدب اللاتيني خلال القرن الـ20.
تميزت أعمال فارغاس يوسا بتناول العلاقات المتوترة بين السلطة والشعوب، كما كانت كتاباته انعكاسا لتجاربه الشخصية وأحداث سياسية شكلت تاريخ بلاده، لاسيما خلال فترة ترشحه للرئاسة عام 1990، التي شكلت محطة فارقة في مسيرته.
على مدار مسيرته، خاض يوسا مغامرة أدبية غنية تنوعت بين الرواية والمسرح والمقال، وعكست أعماله اهتماما إنسانيا عميقا بقضايا الحرية والهوية، إلى جانب براعة أسلوبية اتسمت بثراء سردي وتجريب فني فريد، وهو ما برز في أشهر أعماله «زمن البطل»، «العمة جوليا وكاتب السيناريو»، «الفتاة الشريرة، «حرب نهاية العالم»، و»البيت الأخضر» و»حديث في الكاتدرائية».وقد شهدت مسيرته تحولًا مهما عندما انتقل من أسلوبٍ ومنهج مرتبط بالحداثة الأدبية، إلى أسلوب ما بعد حداثة عابث.
كانت رواية «حرب نهاية العالم» هي التي فتحت الطريق أمام فارغاس يوسا، الأمر الذي كان له أثر واضح في وصول جائزة نوبل إليه في عام 2010، تلك الرواية التي يزيد عدد صفحاتها المترجمة إلى العربية عن 700، يتناول فيها الكاتب أحداث الحرب الأهليّة، التي اندلعت في شمال البرازيل، أواخر القرن الـ19، ويروي فيها قصة حرب «كانودوس»، وكأنه يرسم لوحة جدارية مدهشة، ويستعرض فيها تطلعات الإنسان، في عالم لم تغادره تلك المفاهيم التي تتعلق بالمدينة الفاضلة.
تُرجمت أعمال فارغاس يوسا إلى نحو 30 لغة، وكان أول كاتب أجنبي يدخل مجموعة «بلياد» المرموقة خلال حياته عام 2016. وانتُخب عضوًا في الأكاديمية الفرنسية عام 2021.
شهدت مسيرة فارغاس يوسا نشاطًا في مجال السياسة، وعلى الرغم من دعمه أول الأمر لحكومة فيديل كاسترو الثورية الكوبية، فقد تحرر فارغاس يوسا من سحرها لاحقًا بسبب سياساتها، ولا سيما بعد حبس الشاعر الكوبي هيبيرتو باديّا في عام 1971.
ترشح إلى الانتخابات الرئاسية البيروفية في عام 1990 مؤيدًا الإصلاحات الليبرالية الكلاسيكية، لكنه خسر في الانتخابات أمام ألبرتو فوجيموري، وهو الشخص الذي صاغ العبارة التي جابت أنحاء العالم في عام 1990، إذ أعلن على التلفزيون المكسيكي أن «المكسيك هي الدكتاتورية المثلى»، ليتحول هذا التصريح إلى قول مأثور خلال العقد التالي.
وكان يوسا قد بدأ حياته مثل عديد من مثقفي أميركا اللاتينية، متعاطفا مع أهداف اليسار، لكنه مع حلول الثمانينيات، أصبح يدعو بحماس لقيم التجارة الحرة والليبرالية السياسية. ولم يكتف بذلك، بل انتقل إلى مرحلة أخرى عندما شارك كمرشح رئاسي عن تيار يمين الوسط، في الانتخابات الرئاسية البيروفية التي جرت عام 1990، لكنه لم ينجح في حصد النجاح.
وفي أعقاب ذلك، واصل يوسا إبداء حماسه الشديد، وميله الواضح نحو اليمين، وعندها أعلن انضمامه في عام 2014، إلى جمعية مونت بيليرين، المعروفة باحتضانها لليبرالية الجديدة.
وفي رسالة عبر منصة إكس، أعربت الرئيسة البيروفية دينا بولوارتي عن أسفها لوفاة فارغاس يوسا. وكتبت: «إن عبقريته الفكرية وأعماله الكثيرة ستبقى إرثًا دائمًا للأجيال المقبلة».
ووصف رئيس غواتيمالا برناردو أريفالو الكاتب بأنه «مؤرخ عظيم لأمريكا اللاتينية ومترجم فطن لمساراتها ومصائرها».
من جهته، كتب الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي عبر منصة إكس أيضًا: «رحل ماريو فارغاس يوسا، أحد أساتذة الأدب الكبار. ترك لنا أعماله، وروعته، ومثاله. ترك لنا مسارًا لنتّبعه في المستقبل»، بينما أكّد نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو أنّ «مواضيعه واهتماماته خالدة وعالمية».
وفي سياق متصل، قال الكاتب البيروفي ألفريدو بريس إيتشينيكي، مؤلف كتاب «عالم ليوليوس» وصديق ماريو فارغاس يوسا، عبر إذاعة «آر بي بي»/ إن وفاة فارغاس يوسا تشكل «حدادًا للبيرو لأن أحدًا لم يمثلنا في العالم بقدر ما مثلنا هو، بعمله عمومًا، ومثابرته، ونقائه، وعظمته».


بتاريخ : 15/04/2025