حصل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب على تمويل جديد بقيمة 300 مليون أورو من طرف كل من البنك الأوروبي للاستثمار (BEI)، والبنك الألماني للتنمية (KfW)، والاتحاد الأوروبي، في إطار دعم استراتيجي يهدف إلى تقوية شبكة الكهرباء وتعزيز إدماج الطاقات المتجددة. ويأتي هذا التمويل في سياق زيارة ميدانية رفيعة المستوى إلى محطة «جبل الحديد» بجهة الصويرة، شارك فيها مسؤولو المؤسسات المانحة، حيث تم التأكيد على الطابع الهيكلي للمشروع في دعم انتقال المغرب نحو منظومة كهربائية أكثر استدامة.
ويتوخى هذا التمويل، الذي تصل حصة بنك الاستثمار الأوروبي منه إلى 170 مليون أورو، مقابل 130 مليون أورو باسم الحكومة الألمانية، تحديث وتوسيع شبكة نقل الكهرباء الوطنية على امتداد 731 كيلومترا، بما يمكن من رفع القدرة الإجمالية لإخلاء الكهرباء إلى 1.850 ميغاواط. كما يروم المشروع تحسين أمن التزويد، وتقليص انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بمقدار 390 ألف طن سنويا في أفق 2030، فضلًا عن تحسين الجاذبية الاقتصادية لعدة جهات من المملكة، بفضل تعزيز موثوقية الشبكة الكهربائية.
ويمثل هذا الدعم المالي جزءا من خطة استثمارية أوسع أطلقها المكتب، تناهز 220 مليار درهم في أفق 2030، من بينها 177 مليار درهم مخصصة للقطاع الكهربائي، وتشمل إحداث «طريق سيار كهربائي» بطاقة 3.000 ميغاواط وبطول 1.400 كلم بين جنوب المغرب ووسطه، وتوسيع الشبكات المرتبطة بمشاريع الطاقات المتجددة، بما في ذلك 12.5 جيغاواط من القدرات الإضافية.
غير أن هذا الزخم الاستثماري الطموح يصطدم بواقع مالي بالغ الصعوبة. فحسب تقرير المؤسسات والمقاولات العمومية المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2025، يظل المكتب الوطني للكهرباء والماء من بين أكثر المؤسسات العمومية مديونية، حيث بلغت ديونه المرتبطة بالتمويل 27.6 مليار درهم، كما سجل نتيجة صافية سلبية بقيمة 5.6 مليارات درهم سنة 2023، بعد عجز مماثل بلغ 7.1 مليارات درهم سنة 2022. وتشير المعطيات ذاتها إلى أن الوضع المالي للمكتب لم يخرج بعد من دائرة الخطر، رغم مؤشرات تحسن نسبية على مستوى الاستغلال.
وتشير آخر الأرقام الواردة في تقارير وزارة الاقتصاد والمالية إلى أن إجمالي ديون المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بلغت في متم 2023 ما يناهز 63.5 مليار درهم (دون احتساب قروض 2024 و 2025) التي قد ترفع هذا المبلغ فوق عتبة 100 مليار درهم. وهو الرقم الذي أورده المجلس الأعلى للحسابات في أحد تقاريره حول مديونية المؤسسات العمومية.
وفي هذا السياق، دعا تقرير صادر عن مبادرة «إمال» للمناخ والتنمية، نشر يوم 13 مارس 2025 تحت عنوان «الانتقال الطاقي بالمغرب في ضوء التوجهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد»، إلى ضرورة إعادة هيكلة المكتب الوطني للكهرباء والماء، وتمكينه من التركيز على دوره الاستراتيجي في تحديث شبكة نقل الكهرباء. واعتبر أن نجاح هذا التحول يتطلب فصل أنشطة الماء عن الكهرباء، باعتباره شرطا لتحقيق الشفافية في التسعير وضمان عدالة المنافسة. كما أوصى التقرير بمراجعة العقود طويلة الأمد من نوع «Take-or-Pay»، لما تسببه من تكاليف زائدة على الدولة والمستهلكين.
وسجل التقرير ذاته أن المكتب تكبد سنة 2022 خسائر ضخمة ناهزت 20 مليار درهم بفعل ارتفاع أسعار الطاقة، مما استدعى تدخلا عاجلا للدولة بمبلغ 5 مليارات درهم، إضافة إلى تسجيل ديون تجارية بقيمة 3.2 مليارات درهم. واقترح التقرير تحويل المكتب إلى شركة مساهمة تعتمد مبادئ الحكامة الجيدة، مع تركيز نشاطه على النقل والتخلي التدريجي عن الإنتاج لصالح القطاع الخاص في إطار سوق تنافسية. وأشار أيضا إلى أن القانون 83-21 المتعلق بإحداث شركات الخدمات المتعددة يشكل خطوة مفصلية في هذا الاتجاه، وإن كان استمرار بعض الصيغ التعاقدية القديمة قد يعيق تطور السوق الطاقية وتوسيع الإنتاج اللامركزي.
وبينما ترصد للمكتب استثمارات تناهز 6.7 مليارات درهم خلال سنة 2025، فإن هذه الأرقام لا تخفي اختلالات بنيوية تتطلب، بحسب التقرير، تسريع إصلاح نموذج الأعمال وإعادة هيكلة المكتب في اتجاه تحوله إلى شركة مجهولة الاسم، في إطار إصلاح أوسع للمؤسسات العمومية. وهي ورشات هيكلية تنسجم مع التوجيهات الملكية السامية، خاصة ما ورد في خطاب العرش يوليوز 2024، الذي شدد فيه جلالة الملك محمد السادس على ضرورة ترشيد المحفظة العمومية، وإرساء حكامة رشيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتجاوز أعطاب التداخل المؤسساتي وهدر الموارد العمومية.
وتناغما مع هذا التوجه، وجه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب طلبا إلى لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة والتنمية المستدامة، من أجل عقد جلسة استماع بحضور وزير الانتقال الطاقي والمدير العام للمكتب، لتدارس السياسة المالية والاستراتيجية للمؤسسة. وتأتي هذه الخطوة في سياق تفعيل مقتضيات الفصل 102 من الدستور، وفي إطار حرص المعارضة الاتحادية على ممارسة أدوارها الرقابية في تتبع أداء المؤسسات العمومية الكبرى، خاصة تلك التي تلعب أدوارا محورية في الأمن الطاقي والمائي الوطني.
ويعتبر الفريق أن استمرار عجز المكتب، رغم تمويلات خارجية سخية ودعم متكرر من خزينة الدولة، يفرض مراجعة شاملة لطبيعة المشاريع الاستثمارية المعتمدة، وجدواها الحقيقية، وآليات تتبعها وتقييمها. كما يؤكد على ضرورة تحصين هذا المرفق العمومي الحيوي ضد دوامة المديونية المتفاقمة، عبر بلورة رؤية مؤسساتية جديدة تضمن استدامته على المدى الطويل، وتؤطر علاقته بالدولة والمواطنين وفق منطق الخدمة العمومية والنجاعة الاقتصادية.
بعد أيام من دعوة الفريق الاشتراكي لحضور مديره للمساءلة حول السياسة المالية للمؤسسة ..ONEE يقترض 300 مليون أورو في ظل مديونية جد ثقيلة تفوق 100 مليار درهم

الكاتب : عماد عادل
بتاريخ : 28/05/2025