بعد إخفاقها في إدماج الفئات المهنية في نظام التأمين الصحي .. الحكومة ترفع وتيرة الاستدانة من الخارج لتمويل ورش الحماية الاجتماعية

رفعت الحكومة خلال الأشهر الأخيرة وتيرة اللجوء إلى القروض الدولية لتمويل ورش الحماية الاجتماعية، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول مدى قدرة هذه الحكومة (التي لم تبدأ ورش الحماية الاجتماعية من نقطة الصفر، بل وجدت فيها تراكمات، وأجندة مضبوطة بالخطب الملكية وبالقانون الإطار) على ضمان الاستدامة المالية للعديد من البرامج الاجتماعية التي تدبرها ، حيث وقعت في الآونة الأخيرة على العديد من القروض مع مجموعة من المؤسسات البنكية الدولية، في مخالفة للقانون التنظيمي للمالية، الذي يمنع صراحة مبدأ «الاقتراض من أجل نفقات التسيير و الاستهلاك».
وقبل يومين وافق مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الدولي على المشروع الثاني لتحديد واستهداف الفئات المستفيدة من الحماية الاجتماعية في المغرب، بقيمة 70 مليون دولار، بهدف مواصلة دعم الإصلاح الطموح الجاري تنفيذه في هذا المجال. نفس الحكومة كانت وقعت في شتنبر الماضي قرضا من اليابان بقيمة 27,76 مليار ين ياباني (حوالي 1,85 مليار درهم) لتمويل برنامج تحقيق التغطية الصحية الشاملة. وفي دجنبر من العام الماضي وقعت أبرمت الحكومة مع بنك التنمية الألماني ثلاثة عقود قروض بمبلغ إجمالي قدره 250 مليون أورو، وعقدي دعم بقيمة 7 ملايين أورو. وكانت الحكومة قبل ذلك قد لجأت إلى البنك الدولي للحصول على قرض بقيمة 500 مليون دولار يهدف بالأساس إلى تحسين حماية الفئات السكانية الأكثر ضعفا من المخاطر الصحية والمناخية، وتوسيع نطاق نظام الحماية الاجتماعية …
وقد انتقد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بشدة أداء الحكومة في تدبير هذا الملف، حيث أكد عبد الرحيم شهيد رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية أن «التطور المسجل في الموارد العادية للميزانية العامة غير كافٍ لتمويل المشاريع الهيكلية، وخاصةً ورش الحماية الاجتماعية الذي يتطلب 51 مليار درهم سنويا. وحذر شهيد من أن الإكراهات المالية التي يعاني منها هذا الورش قد تدفع الحكومة إلى إنشاء صندوق مقاصة جديد في المجال الصحي لتغطية عجز مساهمات غير الأجراء».
ودعا حزب القوات الشعبية إلى ضرورة مصادقة البرلمان على اتفاقيات التمويل والقروض التي تبرمها الحكومة، والتي تلزم الأجيال القادمة، وتهدد استقلالية القرار المالي الوطني. كما طالب بتأطير التمويلات المبتكرة بقانون خاص يحدد بِدقة التزامات وحقوق جميع الأطراف، ويعزز الشفافية.
و قبل أيام فقط، فضح رئيس الفريق الاشتراكي بالأرقام عجز الحكومة عن إدماج جميع الأطياف المهنية في نظام التغطية الصحية وقال موجها الكلام في البرلمان لوزير الميزانية فوزي لقجع : «أرقامنا تؤكد ذلك، من أصل 1.6 مليون ممن سجلتهم وزارة الفلاحة من المساهمين، نجد فقط 103 آلاف مساهم (في الاتفاقية الموقعة أمام جلالة الملك)، ومن أصل 750 ألفا في الصناعة التقليدية – 40 ألف سيؤدون واجباتهم! سيبقى بيدكم حل سيدي الوزير، هو «إجبار المغاربة رغما عن أنفهم على التسجيل أو ستدفعون المبالغ عنهم!». غير أن الحكومة في هذا الورش الملكي أثبتت أنها تعمل خارج كل هذه الأطر، سواء ما تعلق بالتعميم أو المهن المستقلة والحرة أو توسيع التعويضات العائلية أو التمهيد لتعميم التعويض عن فقدان الشغل.
ويذكر أن فوزي لقجع الوزير المكلف بالميزانية كان بنفسه قد اعترف بصعوبة إيجاد التركيبة المالية المناسبة لورش التأمين الصحي، فقد سبق له تحت قبة البرلمان أن قال بالحرف بأنه «من خلال المؤشرات المرتبطة بالتوازنات المالية لمختلف أنظمة التأمين الصحي، يتضح أن « نفقاتها تتطور بوتيرة أسرع مقارنة مع مواردها «، وهو «ما قد يؤثر سلبا على الاستدامة المالية لأنظمة التأمين الاجباري الأساسي عن المرض»، مبرزا أن ذلك «يرجع لمجموعة من العوامل ضمنها الارتفاع المستمر لمؤشر المراضة وارتفاع مؤشر الإصابة بالأمراض المزمنة». لذلك، يقول الوزير، أصبح من الضروري وأكثر من أي وقت مضى التفكير ضمن إطار شمولي ومتكامل ووفقا لمقاربة تشاركية في «إعداد نموذج مندمج يمكن من التوفيق بين متطلبات الولوجية إلى خدمات ذات جودة عالية وبين إكراهات الديمومة المالية لهذه الأنظمة».
ويتطلب تمويل ورش الحماية الاجتماعية في إطار الآلية القائمة على التضامن تمويلا سنويا يناهز 35 مليار درهم في 2024، ثم 40 مليار درهم سنة 2026، وفي هذا الجانب تحاول الحكومة تعبئة المبالغ الكافية لتمويل هذا الورش، غير أن عجزها عن تدبير هذه المبالغ وفق الأليات التمويلية التي تم الاتفاق عليها عند وضع «الهندسة المالية» لورش الحماية الاجتماعية، جعلها تخبط خبط عشواء لتغطية هذا العجز باللجوء إلى الحلول السهلة: الاستدانة من الخارج عبر توقيع قروض تمويلية ثقيلة ستؤدي كلفتها الأجيال القادمة.


الكاتب :   عماد عادل

  

بتاريخ : 07/12/2024