تتواصل عمليات الهدم والتصدي لاحتلال الملك العام في مختلف أحياء الدار البيضاء، والتي باشرتها السلطات العمومية بشكل مكثف في إطار الاستعدادات لاستضافة المغرب لمونديال 2030. ففي نهاية الأسبوع الماضي، وبمنطقة الحي المحمدي، تم تحرير الرصيف وواجهات محلات تجارية محتلة للملك العمومي، خاصة في حي «مشروع الحسن الثاني» وكذا إزالة السياجات التي احتلت الشارع العام، كما عرفت المنطقة منذ أكثر من أسبوعين تحرير محيط سوق السلام، نفس الأمر تم بمنطقة سيدي مومن، أول أمس، وقبلها بمناطق عدة بدار بوعزة التي تمت بها إزالة الحواجز التي وضعها منعشون عقاريون على شاطئ ليحولوه إلى شاطئ خاص .
هذه الظاهرة لا تقتصر على هذه المناطق بالخصوص أو على الحي المحمدي فقط، التي تعرف مقاطعتها اختلالات في ما يخص تسيير الشأن المحلي، بل أصبحت منتشرة في العديد من أحياء الدار البيضاء، حيث تحولت الشوارع والأزقة إلى ملكية خاصة لحراس الدراجات الذين يقومون بتسييج مساحات كبيرة لاستخدامها خارج القانون كمرابض للدراجات النارية. كما عمد بعض ملاك الشقق في العمارات إلى استغلال المساحات المجاورة لنوافذ شققهم كحدائق خاصة لهم ولأبنائهم، دون الحديث عن أصحاب المقاهي الذين يحتلون الأرصفة الخاصة بالمارة، وهو ما أدى إلى حوادث سير خطيرة كان ضحيتها مواطنون لم يجدوا أرصفة تحميهم من خطر السير وسط الشوارع.
الاحتلال غير القانوني للملك العام الذي يعتبر ممتلكات تملكها الدولة أو الجماعات المحلية وتستخدمها المصلحة العامة، مثل الشوارع والأرصفة والساحات العامة. لا يمكن أن يستمر بهذه الوتيرة التي أصبحنا نلاحظها في الدار البيضاء، فليس من حق أي فرد أن يستغل هذه المساحات الخاصة بالعامة دون الحصول على إذن قانوني، لأن هذا الاحتلال يعتبر تعديا على حقوق باقي المواطنين الذين لا يستطيعون استخدام هذه المساحات بحرية بسبب الاستغلال المفرط من بعض الأفراد أو الشركات. ما يحدث من تحويل الشوارع إلى مرابض للدراجات أو استغلال الأرصفة من قبل المقاهي وغيرها من الأنشطة غير القانونية، لا يعد مجرد تعد على ممتلكات الدولة فحسب، بل هو تعد على حقوق المواطنين في الوصول إلى الأماكن العامة واستخدامها بأمان. كما أن هذه التصرفات تشوه المنظر العام للمدينة وتؤثر سلبا على جاذبيتها كمكان سياحي وحضري.
لقد استفاد هؤلاء المحتلون للملك العمومي من صمت غير مبرر وغض طرف دام سنوات إن لم نقل تواطؤات حيال هذه التجاوزات التي كان بالإمكان محاربتها في حينها، لكن تركها لتتخذ هذا المنحى ويتسع نطاقها أدى إلى أن يظن مرتكبو هذه التجاوزات أنهم أصحاب حق، رغم أنهم يتعدون على ملك ليس لهم، ويستفيدون من امتيازات غير قانونية. وهذا ما أسفر عن مواجهات في بعض الأحيان بينهم وبين السلطات العمومية. وجولة صغيرة في أحياء الدار البيضاء تظهر مدى اتساع رقعة المستفيدين من الملك العام، ففي أحياء عين الشق، الحي المحمدي، سيدي مومن، الولفة، حي مولاي رشيد، دار بوعزة وغيرها، أصبحت احتلالات الملك العمومي قاعدة لا استثناء لها. هذا الوضع شوه معالم مدينة تسابق الزمن لتحديث بنيتها التحتية استعدادا لاستقبال حدث عالمي سيسلط الضوء عليها وعلى باقي المدن أيضا.
وفي ضوء هذه التجاوزات، تبرز الحاجة ضرورية للتطبيق الصارم للقوانين المنظمة لاستخدام الملك العام، إلى جانب تفعيل الإجراءات القانونية ضد كل من يسعى لاستغلال هذه المساحات بطريقة غير قانونية تسيء للمدينة وتشوه معالمها، وفوق كل ذلك لا يجب أن تكون هذه الحملات مجرد صحوات موسمية تعود حليمة، بعد انتهائها، إلى عادتها القديمة !