توالي فضائح الفساد في قطاع التعمير بجهة الرباط – سلا – القنيطرة جعل الرأي العام المحلي يتساءل: هل أصبح هذا الفساد هيكلياً إلى درجة أن التعايش معه صار أمراً عادياً؟
الخطير في الأمر أن منح التراخيص، وتتبع ومراقبة أشغال البناء، وتسليم شهادة المطابقة، وغيرها من الوثائق، يدخل ضمن اختصاص مجموعة من المصالح المتداخلة، تشمل الجماعة الترابية أو المقاطعة، والوكالة الحضرية، والعمالة أو الولاية، إضافة إلى الوقاية المدنية.
ورغم هذا التعدد المؤسساتي، تتفجر بين الفينة والأخرى فضائح مدوية في مجال التعمير بالجهة، مما يكشف أن هذا القطاع، الذي يشبه دائرة مغلقة، ما زال مخترقاً من طرف لوبيات الفساد التي تتقن تحويل المستحيل إلى ممكن.
وهنا يُطرح السؤال الجوهري: ما هي القوة التي تجعل المسؤولين عن التعمير في مختلف المصالح يغضّون الطرف عن وثائق أساسية، وهم يدركون أن أرواح مواطنين قد تكون مهددة إذا انهارت بناية لا تستوفي شروط السلامة، ومع ذلك تُمنح لها تراخيص الاستغلال؟
أحدث هذه الفضائح تتعلق بافتتاح مصحة تابعة لمجموعة «أكديطال» بحي أكدال بالعاصمة الرباط، من دون حصولها على شهادة المطابقة، فضلاً عن قيامها بتغييرات في التصميم والبناء دون ترخيص مسبق. وقد استدعى هذا الوضع تدخلاً عاجلاً من والي جهة الرباط – سلا – القنيطرة، محمد اليعقوبي، الذي أمر بإغلاق المصحة فوراً، بعد أن بدأت تستقبل المرضى من دون توفرها على شهادة المطابقة، وهي الوثيقة التي تشكل ضمانة أساسية لتأمين السلامة داخل المنشأة الصحية.
ويُسجَّل لوالي الجهة هذا القرار الحازم الذي أعاد الأمور إلى نصابها، وأوقف وضعاً خطيراً لا تُعرف تبعاته المحتملة. فلو انهارت المصحة أو جزء منها، لا قدّر الله، لكانت الفضيحة مدوية على المستويين المحلي والدولي، خصوصاً وأن المغرب يستعد لاحتضان نهائيات كأس إفريقيا للأمم بعد نحو سبعين يوماً، ونهائيات كأس العالم بعد خمس سنوات، ما يستدعي الحرص على احترام معايير السلامة في جميع المنشآت.
وبقراره هذا، أكد محمد اليعقوبي أن بنايات مجموعة «أكديطال» ليست فوق القانون، كما كان يُروَّج له من قبل، خاصة في ظل الانتشار السريع لمصحات هذه المجموعة في عدد من المدن المغربية.
وسيكون قرار والي الجهة بإغلاق مصحة خالفت قوانين التعمير بمثابة رسالة قوية لباقي العمال والولاة في مختلف الأقاليم والعمالات، تحثهم على تشديد المراقبة في مشاريع القطاع الصحي وغيره، عبر مصالح وأقسام التعمير، دون أي تهاون أو اعتبارات سوى الالتزام بالقانون.
كما يفرض هذا الملف استحضار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبالتالي فإن قضية مصحة «أكديطال» بأكدال يجب أن تُحال على القضاء، لما تحمله من خطورة، مع تتبع مسار الخروقات التي شابت عملية البناء والافتتاح دون التوفر على شهادة المطابقة.
ويُنتظر كذلك فتح باقي ملفات الفساد في قطاع التعمير بمختلف أقاليم جهة الرباط – سلا – القنيطرة، خاصة وأن بعضها يوجد بالفعل فوق مكتب والي الجهة، الذي يُعرف بدرايته العميقة بشؤون التعمير وتتبع المشاريع الحضرية.
بعد افتتاح مصحة «أكديطال» بالرباط دون شهادة للمطابقة .. هل سيكتفي الوالي محمد اليعقوبي بقرار الإغلاق؟

الكاتب : عبد المجيد النبسي
بتاريخ : 18/10/2025