بعد التشبث بالنفي المستمر لكل خصاص أو انقطاع.. استمرار العمل بلائحة للأدوية الأساسية تعود لـ 2012

قررت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية الإقرار أخيرا بصعوبات تأمين وتوفير الأدوية والمنتجات الصحية بشكل دائم ومستمر، خلافا للغة التي ظلت تنهجها وتتعامل بها لمدة طويلة، التي كانت تتأسس وتقوم على نفي كل خبر يتعلق بخصاص أو انقطاع في الأدوية، ضدا عن تصريحات مهنيي الصحة والمواطنين بشكل عام، علما بأن هذا الوضع عاشه ويعيشه العالم بأسره، خاصة في ظل ظرفيات وسياقات وبائية صعبة كما هو الحال بالنسبة لجائحة كوفيد 19، الأمر الذي لا يجعل منه وضعا خاصا ببلادنا وإن كان يسائل حكامة المنظومة الصحية في شموليتها.
وزارة الصحة والحماية الاجتماعية التي اعترفت ضمنيا بالتحديات المرتبطة بالأمن الدوائي أعلنت «عن تعبئتها لتكوين وتأمين المخزون الاستراتيجي الوطني من الأدوية والمنتجات الصحية المعرضة للنقص أو انقطاع الإمدادات الحالية أو المحتملة لسنة 2023»، وهو ما يعتبر مؤشرا على ما قد تعرفه السوق الدوائية لاحقا، وذلك كخطوة وقائية «في إطار مهمتها لضمان الإمداد المناسب والمستمر واتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لمنع وتخفيف أي صعوبة في الإمداد».
وأوضحت الوزارة من خلال بلاغ لها أنها ستعمل، بناء على القرار الوزاري رقم 459 بتاريخ 22 غشت 2022، على «تشكيل لجنة توجيهية تضم كافة الجهات المعنية، ستكون مسؤولة عن تحديد الاحتياجات من الأدوية والمنتجات الصحية ذات الصلة بهذا المخزون، خاصة الأدوية ذات الأهمية العلاجية الرئيسية، وتحديد التدابير التي سيتم وضعها لضمان استمرار الإمداد بهاته الأدوية لصالح المهنيين الصحيين في القطاعين العام والخاص والتغطية المستمرة للمرضى». وشدد البلاغ على أنه «سيتم إجراء تقييم ربع سنوي للمخزون الاستراتيجي الوطني من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايته»، مضيفا بأن مديرية الأدوية والصيدلة ستقوم بتنسيق هاته اللجنة التوجيهية.
وتعليقا على هذه الخطوة، أكد الدكتور حمزة اكديرة، رئيس المجلس الوطني لهيئة صيادلة المغرب، في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي» أن هذا القرار لا يمكن إلا أن يكون مفيدا، لكنه دعا بالمقابل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى العمل على تحيين لائحة الأدوية الأساسية لأن هذا الأمر لم يتم القيام به منذ 2012 إلى اليوم، وعليه فإن هذه اللائحة لا تأخذ بعين الاعتبار الكثير من المستجدات، في الوقت الذي أعلنت فيه منظمة الصحة العالمية عن آخر قائمة في هذا الصدد والتي يجب العمل بها. وشدد الدكتور كديرة على أن الاعتماد على مخزون دوائي يمتد لـ 12 شهرا يعتبر مهما، مؤكدا على أن انقطاع الأدوية هو ظاهرة عالمية مرتبطة باستقلالية شركات الصناعة الدوائية حيال الصين والهند بالنظر إلى أن 95 في المئة من المواد الأولية الموجهة لصناعة الأدوية يتم تصنيعها في هذين البلدين.
وأوضح رئيس الهيئة الوطنية للصيادلة في تصريحه للجريدة أن جائحة كوفيد بينت حجم الخصاص بفعل الضغط الكبير وصراع القوى بين الدول الكبرى لكي تتمكن من تحقيق الأمن الدوائي لمواطنيها، مما جعل كبريات الدول اليوم تغير من استراتيجياتها التي تتعلق بالأدوية والمنتجات الصحية لتجاوز هذا الوضع، وهو ما يجب أن يسري على بلادنا خاصة في ظل التراكمات الإيجابية التي عرفها هذا القطاع في المغرب منذ بداية الستينات، وبالتالي يتعين على الحكومة دعم الصناعة الدوائية المحلية لأن الدواء عنصر أساسي في الاستراتيجية الصحية.
وأوضح الخبير الصحي أن هناك 3 أمراض رئيسية ثقيلة في المغرب وتتوزع ما بين أمراض السرطانات والسكري والقلب والشرايين التي تعاني منها شرائح كبيرة من المواطنين، وهو ما يستدعي الحرص على تأمين احتياجات الجميع من الأدوية التي تتعلق بها والتي تخص باقي الأمراض، ويتطلب، حسب الدكتور كديرة، تحيين قائمة الأدوية الأساسية واعتماد الحكامة من أجل تحقيق النجاعة في تدبير هذا الملف.
من جهته، أوضح عبد المجيد بلعيش الخبير في اقتصاد الصحة، في تصريح لـ «الاتحاد الاشتراكي»، أن كل خطوة ترتبط بتأمين الدواء والمنتجات الصحية يجب أن تتمحور حول الحكامة الجيدة، وهو ما يستوجب تدبيرا ناجعا، ولأجل ذلك يجب القيام بدراسات وبائية لتحديد الحاجيات وأخذ الاحتياطات الضرورية، والاعتماد على الخبرات والكفاءات، وتوفير الميزانيات، دون إغفال ضرورة تحيين لائحة الأدوية الأساسية. وأكد المتحدث أن الإشكال الذي يطرح بخصوص انقطاع الأدوية يهمّ بنسبة قليلة تلك التي تصنّع محليا، في حين أن الحدة تكون في الأدوية المستورة، مستشهدا بما عرفه دواء «ليفوتيروكس» في مرحلة من المراحل، مشددا على أن استيراد الأدوية وعدم تصنيعها محليا أو الافتقاد للمواد الأولية هو ما يخلق وضعا مماثلا.
ونبّه بلعيش إلى ما يترتب عن انقطاع الأدوية المحتكرة بفعل التراخيص القانونية التي لا تسمح بتصنيع أدوية جنيسة لها، إضافة إلى مشكل ارتفاع الأسعار في المواد الأولية للتصنيع، على الصعيد العالمي، مبرزا أن مرسوم تخفيض الأدوية في بلادنا لا يشير إلى إمكانية الرفع من أثمنتها في مثل هذه الحالات، وهو ما يؤدي إلى وقوع مشاكل متعددة، مؤكدا على أنه في 2015 تم إعداد 4 لوائح تتضمن الأدوية المعرضة للاختفاء بسبب أسعارها المتدنية علما بأنها أدوية أساسية، تستعمل في المؤسسات الصحية عند الاستشفاء وفي الإنعاش نموذجا، والتي يكون استهلاكها قليلا لكنه حيوي ، لكن لم يتم التعامل مع الأمر بالشكل المطلوب.
وأكد الخبير في الشأن الدوائي، أن خطوة اليوم تعتبر مهمة لتدارك ما فات، داعيا إلى عدم تكرار هفوات الماضي، مشددا على أن الحديث عن إحداث مرصد وطني للأدوية كان حاضرا منذ سنوات ولم يتم اتخاذ أي قرار آنذاك لتفعيله، داعيا إلى إيلاء الرقمنة أهمية كبرى والعمل بالنشرات الإنذارية قبل انقطاع أي دواء لتعويضه والبحث عن بدائل عوض ترك الأمر على ما هو عليه إلى أن يقف مهنيو الصحة والمرضى ميدانيا وعمليا على غياب هذا الدواء أو ذاك. ودعا بلعيش الحكومة إلى مساعدة الصناعة الصيدلانية المغربية للرفع من مخزونها من 3 أشهر إلى 12 شهرا، وللتعامل مع «الأدوية الهشة» التي تكون مدة صلاحيتها قصيرة، والقطع مع التعثر الذي ظل يعرفه مسار الحصول على تراخيص من أجل تسويق عدد من الأدوية محليا ونفس الأمر بالنسبة للمستلزمات الطبية، لأن كل تأخير في ذلك، تكون له كلفته ووقعه على المرضى.
من جهته أوضح عبد الرحيم دراجي، وهو صيدلاني وخبير في الشأن الصحي، أن القانون 17.04 لا يميز بين لائحة الأدوية الأساسية والعادية ، ويقف فقط عند مسألة توفير مخزون للدواء حدد مدته في ثلاثة أشهر. ودعا المتحدث في تصريحه لـ «الاتحاد الاشتراكي» إلى معالجة إشكالية انقطاع الأدوية في شموليتها لتفادي سيناريوهات مماثلة لما عاشه المغرب في لحظات معينة، خاصة في ظل الجائحة الوبائية لكوفيد 19، وعلى رأسها تشجيع الأدوية الجنيسة.
وأكد دراجي على ضرورة التوفر على ميكانيزمات للحفاظ على الأدوية الأساسية التي لا تتوفر على جنيس لها، مشيرا إلى عودة العديد من الدول إلى اعتماد التصنيع المحلي لمجموعة من الأدوية، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا في علاقة بالباراسيتامول نموذجا، مشددا على أن خطوة التصنيع هاته تعتريها عدة إكراهات، لأنها لا ترتبط فقط بإحداث البنيات وإنما تشمل مراحل التصنيع ومدته التي قد تتراوح مابين سنتين و 3 سنوات، وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار لتلافي أي إشكال مستقبلا.
وشدد دراجي على ضرورة اعتماد الشفافية في تدبير كل ما يتعلق بالدواء والمنتجات الصحية وإحداث موقع خاص بمهنيي الصحة من أطباء وصيادلة للوقوف على مدى توفر أي دواء من عدمه، ومعرفة الأدوية التي قد تكون معرضة للانقطاع، للبحث عن بدائل وحلول لتعويضها، مشيرا إلى أن هناك أدوية قد يتوقف ترويجها بشكل كلي دون أن يكون للمهنيين على أرض الواقع أي علم بذلك. وأوضح المتحدث أن هناك الكثير من الحلول العقلانية التي يمكن القيام بها، من خلال تدبير سليم، للحفاظ على استمرارية الأدوية ومنها ترشيد صرفها واستهلاكها باللجوء إلى أدوية مماثلة وبالتالي تخفيف الضغط عنها لضمان استمرار مخزونها، داعيا إلى إيلاء أهمية كبرى للجانب التشريعي ومراجعة القوانين المرتبطة بالمجال، مؤكدا على أن مشكل انقطاع الأدوية أو الخصاص فيها يهم دول العالم كلها وليس المغرب لوحده.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 15/09/2022