بعد السقوط الأخلاقي لهابرماس بعد طوفان غزة : رئيس جامعة كولن يمنع الفيلسوفة نانسي فريزر من إلقاء محاضراتها بالجامعة

إمعانا في السقوط الأخلاقي للغرب وخاصة في المجال الأكاديمي والجامعي الذي عُرف تاريخيا بانحيازه للقضايا العادلة للشعوب، وبعد صدمة أغلب مفكري العالم ومثقفيه من السقوط المدوي لهابرماس، ومعه نيكولا ديتلهوف أستاذة العلوم السياسية، ورينر فوريست الفيلسوف المعروف، وكلاوس غونتر- بعد بيان التضامن» الموقع في نونبر الماضي دعما لإسرائيل، تعود الجامعة الألمانية اليوم لتؤكد هذا الاندحار السحيق لرواد الفكر الألماني بعد الرسالة التي بعث بها جويبراتو موخرخي، رئيس جامعة كولن الألمانية، إلى الفيلسوفة الأمريكية نانسي فريزر، المعروفة بتوجهاتها اليسارية والنقدية، من أجل إخبارها بسحب الجامعة لدعوة هذه الأخيرة لتحاضر كأستاذة زائرة في جامعة كولونيا لعام 2024 ضمن سلسلة محاضرات Albertus Magnus، وهو المنع الذي جاء بعد موقفها المساند لبيان «فلاسفة من اجل فلسطين».
وقد علق المترجم محمد الأشهب على هذه الرسالة وهذا التصرف الممعن في خرق كل الأخلاقيات، والذي يذكرنا بمحاكم التفتيش التي انتقلت اليوم الى الجامعات والتي بموجبها تم طرد العديد من رؤساء الجامعات وأساتذتها في الغرب بسبب مواقفهم المؤيدة لحق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وحقهم في الحياة، حيث كتب:
«للتذكير، فإن بيان» فلاسفة من أجل فلسطين» وقع عليه المئات من الفلاسفة من أنحاء العالم لمساندة الشعب الفلسطيني، واستنكار الإبادة الجماعية المرتكبة في حقه من لدن جيش الاحتلال الإسرائيلي. وبحكم أن الدولة الألمانية دولة مساندة لإسرائيل بالمال والسلاح والديبلوماسية (ألمانيا كما صرح أحد البرلمانيين في البرلمان الأوروبي ترسل سبعة في المائة من الأسلحة لإسرائيل)، فإن الدولة العميقة الممتدة في المؤسسات الأخرى مثل الجامعات، التقطت الرسالة وشكلت على ما يبدو محاكم التفتيش في الجامعات لمتابعة ما يكتبه الأساتذة حول الموضوع. وكل من سولت له نفسه نقد سياسة الدولة في هذه المسألة، فمصيره الطرد. ولهذا تم إلغاء دعوة نانسي فرايزر المعروفة بتوجهاتها اليسارية و النقدية، بما في ذلك نقدها لرواد النظرية النقدية كيورغن هابرماس، وبحكم سمعتها الدولية اختارتها الجامعة لتقديم محاضرات في إطار سلسلة محاضرات Albertus Magnus التي سبق أن قدم فيها فلاسفة و مفكرون ذوي صيت عالمي محاضراتهم للعموم في الجامعة. ولهذا فإلغاء هذه الدعوة هو إلغاء لحرية التفكير والتعبير والحرية الأكاديمية. بل هو خوف من نقل السيدة فرايزر لمواقفها النقدية لجامعة كولونيا ومنه للجامعة الألمانية وللجمهور الأكاديمي الصامت الذي ربما قد يستغل المناسبة للتعبير عن رأيه عبر إثارة الموضوع علنا مع السيدة فرايزر. فلو حصل هذا في الجامعة فقد يكلف هذا الأمر ربما رئيس الجامعة منصبه ما دام الكل يراقب الكل . ولهذا فإن اتخاذ هذا القرار هو في الحقيقة قطع الطريق على كل الأصوات الحرة حتى لا تتكلم في الموضوع. بل الأفظع من ذلك فهذا الإلغاء / الطرد هو رسالة واضحة من السيد رئيس الجامعة للداخل والخارج.
بالنسبة للخارج يريد الرئيس أن يقول إن كل من وقع على بيان «فلاسفة من أجل فلسطين»، فهو غير مرحب به بأي شكل من أشكال التعاون مع الجامعة في كل مشاريعها العلمية. وحتى إن لم يكن من الموقعين، فهو غير مرحب به إذا كان له أي تعاطف مع الفلسطينيين.
أما بالنسبة للداخل فالسيد الرئيس يقول لكل العاملين في الجامعة من أساتذة باحثين وطاقم و طلبة أن أي شكل من أشكال التضامن مع الفلسطينيين، وأي توقيع على أي بيان هو خط أحمر وعلى صاحبه أن يتحمل تبعات ذلك ، أي في حالة حصول ذلك فإن مصير صاحبه لن يكون أفضل من مصير الفيلسوفة الأمريكية نانسي فريزر، وأن بالسيد الرئيس بالفعل يتمتع بصلاحيات واسعة لفسخ عقود العمل مع الأساتذة والطاقم الإداري والمصادقة على قبول أو رفض مشاريع البحوث. كما أن سلوكه هذا هو رسالة إلى الأساتذة بأن مشاريع البحوث والأنشطة العلمية لا ينبغي لها أن تصب في اتجاه أي نقد لإسرائيل أو دعم للفلسطينيين. ورسائل الإلغاء لا شك أنها كثيرة قد يجني صاحبها، السيد الرئيس، ربما لاحقا منصبا أفضل من رئيس الجامعة، فمثل هذه المناصب حتى في ألمانيا لا تسند بدون مقابل».
وننشر هنا نص الرسالة التي بعث بها رئيس جامعة كولونيا الألمانية الى الفيلسوفة الأمريكية نانسي فريزر:

«الأستاذة
العزيزة فرايزر:

آمل أن تجدك رسالتي بخير. لقد أبلغني البروفيسور شبير عن رسالتك الأخيرة عبر البريد الإلكتروني بشأن بيان «الفلسفة من أجل فلسطين» ، الذي نُشر في نونبر 2023. وفي ضوء دعمك لهذا البيان، فإنني ــ مع الأسف ــ مضطر لسحب دعوتي لك كأستاذة زائرة في جامعة كولونيا لعام 2024. وأنا على أتم الاستعداد لتوضيح أسباب هذا القرار في مكالمة هاتفية أو عبر الفيديو. سيتصل بك مكتبي قريبًا لعرض المواعيد التي نأمل أن تكون مناسبة لك أيضًا.
كما أن البروفيسور شبير وكذلك السيدة أنيلين غايكل، رئيسة موظفي مكتب رئيس الجامعة، سيكونان على اتصال بك لمناقشة ما نحتاج إلى الاهتمام به في الأسبوعين المقبلين ــ وأنا ممتن لتعاونك الكامل في هذا الصدد.
تفضلوا بقبول فائق الاحترام»
أ.د. جويبراتو موخرخي ـ رئيس جامعة كولونيا


الكاتب : ح. الفارسي

  

بتاريخ : 09/04/2024